لا يخلو حديث داخل أى أسرة مصرية من الكلام عن مناهج المدارس.. صعوبتها.. طولها.. طرائفها وغرائبها، والتطويرات التى يراها بعض أولياء الامور والمعلمون أيضا مجرد (إزاحة) لمحتوى مناهج الصفوف الأكبر إلى الصفوف الأصغر، بينما يرى بعض المعلمين وخبراء التربية أن مشكلة المناهج ليست فى محتواها بل فيما هو أبعد وأهم من ذلك. ورغم مرور ما يقرب من عامين على إنشاء هيئة لضمان جودة التعليم والاعتماد، فمازال العام الجديد يبحث عمن يحق له الحكم على «جودة» المناهج ومدى مساهمتها فى تطويرالمستوى العلمى للطلاب؟ ووفق أى معيار؟ خلال الأعوام الثلاثة الماضية اعتمد مركز تطوير المناهج التابع لوزارة التربية والتعليم الكتب المطورة للصفين الرابع والخامس الابتدائى والأول والثانى الاعدادى من خلال مسابقات لتأليف كتب المواد الدراسية المختلفة، ليحمل عام 2010 كتبا مطورة للصفين السادس الابتدائى والثالث الاعدادى. وتتباين آراء المعلمين الذين يدرسون هذه المناهج المطورة حول محتواها، ففى حين ترى مدرسة اللغة الانجليزية بمدرسة أبطال رمضان بحدائق القبة مروة صلاح أن منهج الانجليزية فى الصفوف الأول والثانى والثالث الابتدائى «فقير» المحتوى اللغوى، ترى أن منهج الصفين الرابع والخامس الابتدائى يتميز بالعرض الشيق للمحتوى اللغوي، حسب وصفها. وتصف عائشة مصطفى مدرسة اللغة العربية بمدرسة عمر بن عبدالعزيز الابتدائية بالمرج، طريقة عرض المنهج المطور فى اللغة العربية للصفين الرابع والخامس الابتدائى بأنها تدفع الطلاب إلى الحفظ وليس إلى التعبير عن أنفسهم، وفى رأيها أن منهج الصف السادس الابتدائى الذى يدرسه الطلاب هذا العام لا يحتاج إلى تطوير. ويأمل إبراهيم كمال مدرس اللغة العربية بمدرسة فضل الخاصة بالهرم أن تحمل الكتب المطورة للصفين السادس الابتدائى والثالث الاعدادى فى العام القادم نصوصا تجذب الطلاب إلى حب اللغة العربية وتذوقها وليس النفور منها، وأن تترابط دروس النحو بأكثر مما هى عليه الآن فى الكتب المطورة للصف الثانى الإعدادى. ولا ترى خبيرة المناهج بوزارة التربية والتعليم مى جمال الدين فى المناهج المطورة أكثر من إزاحة لمناهج كانت مقررة على الصفوف الأكبر ليتم تدريسها للصفوف الاصغر، فما كان مقررا على الصف السادس الابتدائى يقرر فى التطوير على الصف الثانى وهكذا. ويضع عبدالمعطى الشيخ مدرس الرياضيات بمدرسة خالد بن الوليد التجريبية بمدينة نصر يده على مشكلة أخرى للكتب المطورة فى الرياضيات للصفين الأول والثانى الاعدادى، ففى حين يراها تحتوى على الكثير من الامثلة والتدريبات التى تساعد التلاميذ على الفهم، لكن الشكوى تأتى من المعلمين الذين لم يتدربوا على الطريقة الجديدة لشرح وتدريس هذه المناهج، الذين يدرسونها بالطريقة التقليدية التى تقلل كثيرا من فائدة التمارين المميزة لهذه المناهج. وهو ما تتفق معه الدكتورة عايدة أبوغريب أستاذ تطوير المناهج بالمركز القومى للبحوث التربوية والتنمية التى تؤكد من خلال متابعتها الميدانية أن المفترض أن يسبق وصول المناهج المطورة إلى أيدى الطلاب تدريب المعلمين على طريقة تدريسها أولا، وإمداد كل معلم بكتاب دليل المعلم الذى يشرح كيفية تدريس المنهج، لكن الواقع يؤكد أن التدريب لا يشمل جميع المعلمين فى جميع المحافظات، كما لا يصل كتاب دليل المعلم إلى جميع المعلمين أيضا، لافتة إلى مشكلة أخرى تكمن فى ضآلة الاعتماد على التطبيق العلمى للمناهج داخل المدارس وخارجها مما يقلل من استفادة الطلاب من هذه المناهج، وهو ما يظهر أثره فى الاختبارات العالمية المقننة التى يشارك فيها طلابنا ولا يحصلون على مراتب متقدمة. ولا يختلف الأمر فى التعليم الثانوى الفنى الذى يعترف رئيس قطاعه بالوزارة هانى منيب بأن مناهجه التى طورت مازالت بعيدة عن متطلبات سوق العمل. ويؤكد هذا الدكتور محسن خضر أستاذ اصول التربية بجامعة عين شمس ورئيس الجمعية المصرية للاصلاح التربوى أن المنهج يشمل الكتاب المدرسى، والأنشطة التطبيقية والعلاقات داخل المناخ المدرسى، ورغم كل هذا ما زالت المناهج الرسمية تعتمد على ثقافة الذاكرة وتبدو منقطعة الصلة عن الخبرات الحياتية، فيدرس التلاميذ المتاحف العلمية والمراصد الفلكية ولا يعرفون كيف تعمل لانهم لا يزورونها. ويلفت خضر إلى أن التعليم الاجنبى فى مصر يقلل من انتماء الطالب لوطنه من خلال منهج يصفه «بالخفى» يعتمد على غير اللغة العربية «الأم»، وعلى علاقات مدرسية مختلفة عن تلك التى تسود المدارس الأخرى. متاهة المعايير على الجانب الآخر يدافع د. يسرى عفيفى مدير مركز تطوير المناهج التابع لوزارة التربية والتعليم عن الطريقة التى يجرى بها تطوير المناهج، موضحا أنها تتم وفق معايير ومؤشرات متدرجة، وليست مجرد إزاحة كما يدعى البعض، بل مواكبة لتطورات العصر الذى تتقدم فيه العلوم عما كانت عليه منذ ثلاثين عاما، ولهذا قد يرى بعض أولياء الأمور خطأ أن بعض المواد المطورة مجرد إزاحة للمعلومات من الأكبر إلى الأصغر. ويوضح عماد عبدالحميد مستشار الدراسات الاجتماعية بالوزارة بعدا آخر من مؤشرات ومعايير التطوير للكتب المدرسية يرتكز على طريقة عرض المنهج التى تعتمد على تطبيق التقويم الشامل، بحيث يخصص جزء من المنهج للتدريبات التى يقوم بها الطالب بنفسه، ولا يكتمل المنهج إلا بأن يصبح الطالب نفسه باحثا عن بعض المعلومات وليس متلقيا لها فقط، فيكمل من خلال بحثه الأجزاء غير الموجودة من المنهج، ليصبح الكتاب المدرسى مرجعا من بين عدة مراجع أخرى يمكن الاعتماد عليها خلال عملية التعلم. بينما يرى د. على الشخيبى مستشار المركز القومى للامتحانات والتقويم التربوى أن تطوير المناهج وحده لا يكفى لتطوير عملية التعليم ،فبدون تطوير الامتحانات وتركيزها على العمليات العقلية العليا لن تتطور عملية التعلم، لأن المعروف أن الكثير من الطلاب بل والمعلمين أيضا يتعلمون ويعلمون حسب طريقة الامتحان. أما د. محمود الناقة أستاذ المناهج بتربية عين شمس ورئيس الجمعية المصرية للمناهج وطرق التدريس فيرى أن الحكم بمدى تطور المناهج يجب أن يستند إلى دراسة علمية لتحليل محتوى المناهج المطورة فى ضوء أهدافها وطرق تدريسها، لقياس مدى تطورها بالفعل ومدى تأثيرها على الارتقاء بالمستوى التعليمى للطلاب. ويبقى السؤال ما هى المعايير التى طورت على أساسها الكتب والمناهج، وما هى المعايير التى يمكن الاحتكام إليها لقياس مدى جودة المناهج. والحق أن عام 2009 قد شهد إعلان هيئة ضمان جودة التعليم والاعتماد للمعايير القومية لتطوير التعليم قبل الجامعى فى حضور د. أحمد درويش وزير التنمية الإدارية وغياب وزير التربية والتعليم د. يسرى الجمل، وشملت معايير المتعلم والمنهج، وتضمنت معايير المنهج 23 تخصصا فى مجالات المعرفة المختلفة والمهارات العامة والتى استغرق إعدادها 30 ألف ساعة عمل، بمشاركة ألف عالم لوثائق التعلم الجامعى وقبل الجامعى، لتكون هذه المعايير هى المرجعية التى يتم على أساسها التطوير لتحقيق الجودة، وعبر د. مجدى قاسم رئيس الهيئة عن رجائه أن يتم اعداد المناهج المقبلة وفق هذه المعايير وإعادة النظر فيها لا يعيب واضعيها، مركزا على أنها انطلقت من رؤية شاملة ومتكاملة للتعليم قبل الجامعى فى إطار التوجهات العالمية والاستفادة من التجارب السابقة فى مصر والتى تمثلت فى معايير التعليم لعام 2003. وأعلن وقتها أن الهيئة ليست مسئولة عن تنفيذ هذه المعايير لكن هل التى سيتم على أساسها منح شهادات الجودة للمدارس المتقدمة للحصول عليها. لكن رئيس مركز تطوير المناهج د. يسرى عفيفى عقب وقتها على ذك قائلا لن نأخذ بهذه المعايير حرفيا فى مسابقة تأليف الكتب المطورة، بل سنخضعها أولا للدراسة والتحليل. فى حين قال رئيس هيئة جودة التعليم للشروق أنه لا يعرف ما اذا كانت معايير جودة المنهج التى وضعتها الهيئة قد أخذ بها لتطوير الكتب الجديدة أم لا ؟ وحتى إشعار آخر سيظل هذا هو الحال بين واضعى المعايير وواضعى المناهج ومقيمى الجودة.. كل فى طريق.