اثبتت احداث العنف الاخيرة التي شهدتها مدارسنا ولاتزال تحدث حتي الآن اننا نستحق وعن جدارة ان نلتحق بموسوعة جينيز العالمية باعتبار اننا نكاد نكون البلد الوحيد الذي ينفرد بالعملية التعليمية بين سقوط شهداء وجرحي ومصابين. وبجانب مطالبتي بأن نضم العنف الي قائمة عجائب مصر فيجب ايضا الا نغلق هذا الملف وان نكتب عنه باستمرار لأنه باختصار يعكس مستقبل مصر وتكوين جيل المستقبل ولا تصبح الكتابة عنه بشكل موسمي وطبقا لما يحدث ويستجد من احداث في هذا الملف وهي كثيرة. ومن ضمن ما كشف عنه ملف العنف عدة عوامل مشتركة عديدة منها اقتصار مظاهر العنف أو الغالبية منها علي المدراس الحكومية الرسمية ثانيهما: ان السبب وراء اغلب الحوادث كان يتمثل في قصور العلاقة بين المعلم "واغلبهم حديثو التخرج" وبين التلاميذ والاغلبية منهم للاسف في مرحلة الطفولة ولم يتجاوزوا بعد المرحلة الاعدادية، ثالثا وهو ما استوقفني كثيرا انه كان بسبب تدريس المواد العلمية وفي مقدمتها مادة الرياضيات. وهذا معناه ان هناك شيئا "غلط" في هذه المنظومة واقصد تدريس المواد العلمية ومظاهر الازمة تنحصر ما بين المناهج التي يدرسها الطلاب وبين طرق تدريس وتدريب المعلمين داخل الفصول لتوصيل هذه المعلومات الي الطلاب ورابعا: المناخ العام حول الطالب سواء داخل المدرسة أو الاسرة وانتهاء بالمجتمع وتطرقه الي العلم وفائدته ولن نقول البحث العلمي ودعمه فتلك قضية كبيرة ليس هذا مكانها الآن رغم الارتباط الشديد بين ما يحدث في المدارس وتدريس المواد العلمية وبين اشاعة مناخ حب المعلم. ومن الملاحظ ان مناهجنا تفتقر الي عناصر الجذب التي تجعل الطالب يحبها ويتعلق بها ونظرة واحدة الي شكل كتب الرياضيات ستجدها تفتقر الي ذلك بل تفتقر الي طرق الشرح الجديدة والي الامثلة والي الاسئلة والمسائل الرياضية الكثيرة والتي هي المحك الاول لزيادة فهم الطالب لهذه الطلاسم الرياضية، بل ان نظرة واحدة الي اي كتاب دراسي لأي عام أو فرقة دراسية ستجده لا يتقن أكثر من مسألتين أو ثلاث علي الاكثر وهو ما ادي الي ان تكون الكتب الخارجية في مادة الرياضيات وفروعها هي الكتب الاكثر مبيعا ورواجا في المكتبات وتحتل المركز الاول عن جدارة.. رغم انه في كثير من الاحيان قد تجد اسماء المؤلفين متشابهة علي اغلفة الكتب الرسمية والكتب الخارجية. وحتي عندما نطور المناهج نتبع اسلوبا من أعلي الي أسفل وليس العكس فهذا العام حدثت مفاجأة غير متوقعة لتلاميذ الصف الأول الاعدادي ومدرسي الرياضيات حيث علم الجميع بعد بداية العام الدراسي ان هناك كتبا جديدة "لم تصل الا بعد اسابيع من بداية الدراسة" وكان ا لجديد حسبما اكدته الشكاوي ان هناك نسبة تغيير في المنهج تجاوزت 30% وان هذا الجديد والتعديل قادم من سنوات ومراحل أعلي كان الطلاب يدرسون فيها هذه المناهج، الي هنا وليس هناك اعتراض فمن حق وزارة التربية والتعليم التعديل ومن حق خبرائها التطوير المستمر ولكن الاعتراض كما ورد في شكاوي أولياء الامور والمدرسين ان المناهج الجديدة مبنية علي معارف واسس لابد ان يكون الطالب قد تدرب عليها في سنوات سابقة؟ ولكن هذا لم يحدث وكانت المفاجأة الاكبر للمعلمين الذين لم يعرفوا كيف يشرحون للطالب اسسا جديدة من غير ان يمروا قبل ذلك بمعرفة قواعد ونظريات سابقة وكان اغرب رد تلقيته عن هذه المشكلة هو اجابة مسئول مركز تطوير المناهج بأننا سنجري دورات تدريبية للمعلمين علي المناهج الجديدة وطرق تدريسها والسؤال: لماذا لم يتم ذلك قبل بدء الدراسة وليس بعدها؟ هذا مجرد مثال توضيحي لكيف يمكن للطالب ان يحب مادة الرياضيات خاصة انها امامه اصبحت طلاسم لا يستطيع حتي معلمه توصيل ادوات فك شفرتها اليه. وانظروا الي تجربة بسيطة للغاية في التدريب والمنهج وهي تجربة اليو إس ماس u.s .mas الماليزية وكيف حدث الاقبال الشديد عليها من الطلاب وأولياء الامور لتدريب اولادهم وكيف ان وزارة التعليم نفسها رحبت بها ونظمت لها الفصول داخل مدارسها ثم فجأة قررت التوقف عنها بدون ان تعلن الاسباب حتي الآن. وهذه الطريقة الماليزية بسيطة للغاية لتدريب الطلاب خاصة في مرحلة الصفوف الاولي من الابتدائي علي فهم التركيبة المبسطة للغاية لعلم الرياضيات وتذكرك في ادواتها بطريقة "العداد" الذي كان يستخدم قديما في الكتاتيب وفي المدارس الابتدائية.. مما يعني ان مناهجنا وطرق تدريسها هي احد اسباب توتر العلاقة بين الطالب والتعليم. وما يؤكد ذلك بجانب حوادث العنف حيث ان وفاة الطفلين بالمدرسة كان بسبب مادة الرياضيات هو قراءة نتائج الامتحان الدولي لمسابقة التمييز وهي مسابقة دولية خاصة بدراسة مستوي واتجاهات الطلاب في العلوم والرياضيات وقد اشتركت مصر فيها مرة واحدة هي الاخيرة التي تمت عام 2004 حيث تتم المسابقة كل اربع سنوات وكانت نتائج المسابقة مؤسفة لوضع مصر حيث حصل الطلاب المصريون "الصف الثاني والثالث الاعدادي" علي متوسط 406 درجات في الرياضيات و421 في العلوم وهي للاسف نسب أقل من المتوسط العالمي ويذكر في هذا الشأن ان طلاب الاردن حصلوا علي درجات اعلي وكذلك تونس واندونيسيا بينما تقدمت مصر علي دولة مثل الفلبين وعلي دول جنوب الصحراء بافريقيا وبالتأكيد اقل كثيرا من الدول المتقدمة وفي تحليل داخل الرقم نفسه سوف نجد ان مستوي طلاب المدارس الحكومية كان اقل كثيرا من مستوي طلاب المدارس الخاصة واللغات والتجريبية تنضم لهذه الفئات حيث حصد الطلاب مستوي أعلي من المتوسط العالمي بكثير وهذا يعني ان الامر ليس عيبا متأصلا في العقلية والمجتمع المصري ولكنه عيب يعود الي مستوي التدريس والتجهيزات والكثافة والاهتمام بين التعليم الحكومي والتعليم الخاص خاصة فيما يتعلق بتقديم حوافز اكثر للمدرسين والطلاب وكان من احدي أهم نتائج هذه العلاقة المتوترة قلة اعداد طلاب القسم العلمي لصالح طلاب القسم الادبي واصبحت النسبة واحد الي ثلاثة وكل ذلك يعود في بعض اسبابه الي طرق ومناهج تدريس الرياضيات ولكنه لا يعني انها السبب الوحيد. وهذا يرجعنا الي بداية المقال وهي ان هناك مناخا عاما واهمالا شديدا لاشاعة ثقافة حب العلم لأن العلم يعني في ابسط اشكاله وقواعده قبول منهج التفكير والمناقشة والبحث عن المشترك في العلاقات وفي مختلف الجوانب ولكن طريقتنا وتعليمنا المتخصص في استمرار الحفظ والتلقين ورفض المناقشة والحوار هو ما ادي الي شيوع ظاهرة العنف وللاسف لم نجد بعد الصيغة المناسبة لعلاجها الا كلمات الاسف علي لسان مسئولي التعليم ويا له من أسف!!