فى الفترة مابين 28 يناير إلى 12فبراير الحالى أقيم المعرض الدولى للكتاب فى دورته السادسة والأربعين وسط تحديات كثيرة تعانى منها مصر.. وكان محور ندواته (الثقافية والتجديد) وضيف الشرف (المملكة العربية السعودية) وشخصية المعرض الإمام محمد عبده. هو إذن عرس ثقافى سنوى ينتظره المثقفون والكتاب والشعراء.. والقراء.. كل منهم يجد فى هذه المناسبة ما يشبع فهمه... وما يمنحه مزيدًا من المعرفة. وسنحاول هنا أن نضع يدنا على بعض المظاهر التى سادت هذه الدورة الإيجابى منها والسلبى..أما المظاهر الإيجابية فقد تجلت فى هذه اللفتة الذكية واختيار الإمام محمد عبده شخصية العام.. لما يحمله هذا العالم الجليل من أفكار وآراء تنويرية نحن فى أمس الحاجة إليها الآن ونحن نبحث كيفية استحداث الخطاب الدينى أو تجديده.. وقد سألت العالم الجليل د.على جمعة فى أثناء حفل توقيعه لكتبه التى صدرت عن دارالمعارف عن آلية هذا التجديد.. فأجاب إن نجاح هذا الهدف لا يقع فقط على كاهل الأزهر وإنما على كل مؤسسات الدولة مثل التعليم والجامعة والإعلام والثقافة.. مما يؤكد أن المعرفة والوعى والثقافة مثلث مهم لاستيعاب هذا التجديد.. وقد كانت الندوات الخاصة بفكر محمد عبده مملوءة بالجحود الذى أقبل فى شوق لمعرفة هذا الفكر التنويرى الذى يمكننا أن نبدأ به فى خطط تجديد الفكر الدينى.. السعودية ضيف شرف من ذلك أيضا اختيار المملكة العربية السعودية ضيف شرف للمعرض هذا العام.. وقد استطاع القائمون على أجنحة المملكة أن يضعوا برنامجًا ثقافيًا متنوعًا بمشاركة مصرية جادة.. فأضافت المملكة بذلك إلى أنشطة المعرض إضافة متميزة.. أما شعار المعرض (الثقافة والتجديد) فقد تنوعت فيه الرؤى وتناحرت وتصارعت لكنها فى النهاية أكدت ضرورة أو حتمية الخروج من النمطية الثقافية إلى آفاق أرحب مع الحفاظ على الهوية العربية التى هى ركيزة أساسية تشكل ملامح الثقافة العربية.. ولم يقتصر التجديد الثقافى على جانب واحد من الثقافة لكنه تعدد وتنوع بين الثقافة العلمية والثقافة الأدبية والثقافة الدينية..والثقافة السياسية وكان كل محور يناقش قضايا التجديد والتنمية الثقافية التى يحتاج إليها المجتمع حتى تخرج من ضباب الفكر الذى يسود الآن.. ويحاول العودة إلى قرون الجهل وانعدام التفكير.. كما أن علاقات مصر بالعالم خاصة أفريقيا كانت محط اهتمام عدد من الخبراء الحريصين على تلك العلاقات وعلى ضرورة التنمية فى قضايا المياه والإرهاب والعلاقات المتبادلة.. وفى هذا العام أيضا تم اختيار بعض الشخصيات لعقد لقاءات فكرية مفتوحة بعضها تثير الجدل وبعضها يحمل أفكارًا تنويرية حقيقية.. ومن هؤلاء الشخصيات د. محمود حمدى زقزوق والشاعر أدونيس والكاتب اللبنانى على حرب والكاتب الفرنسى ألان جريس الذى ووجه بنقد واسع من الحضور على آرائه القاصرة فى الأحداث المصرية.. ود.حسن حنفى وآخرون. الشباب والمعرض وربما كان للشباب فى هذا المعرض النصيب الأكبر فى إقامة ندوات حول أعمالهم الإبداعية المختلفة فى المقهى الثقافى - ومخيم الإبداع والموائد المستديرة.. وملتقى الشباب.. وتنوعت المناقشات واللقاءات.. وحظيت بجمهور عريض يريد أن يتعرف على تجارب هؤلاء الشباب الجدد الذين صارت لهم لفتهم وأفكارهم الخاصة. أما الطفل فقد أقيم له مخيم خاص يقيم أنشطة متعددة ثقافية وترفيهية.. كما شاهدت تجربة الرسم على الأرصفة يقوم بها أطفال موهوبون فى الرسم والتلوين.. وكانت الأمسيات الشعرية هذا العام متنوعة تجاورت فيها أجيال الشعراء المختلفة وتنوعت القصائد والتجارب الشعرية.. كان إذن عرسًا ثقافيا ضم هذه الأنشطة المتنوعة إلى جانب - بالطبع - عرض أجنحة الناشرين المصريين والعرب والأجانب.. والتى تميزت بحفلات التوقيع اليومية لكى يتعرف القارئ على المؤلف الذى كتب وقدم له كتابه الجديد. لكن هذا العرس الجميل لاحت عليه بعض السلبيات التى لا تؤثر كثيرًا فى نجاحه بقدر ما تدعونا إلى معالجتها والبحث عن مخرج لمشاكلها.. ارتفاع أسعار الكتب أولى هذه السلبيات تتحدد فى ارتفاع أسعار الكتب.. وربما لا يقع على الناشر مسئولية هذا الارتفاع .. فهو يحسب تكلفته ويحاول أن يضيف هامش ربح معقول حتى يستطيع أن يستمر فى عمله.. لكنه يعانى ارتفاع أسعار الخامات والعمالة.. فلا مفر إذن أن يتحمل الكتاب كل هذه التكاليف وإلا فالخسارة قادمة لا محالة.. وللأسف اكتشفت أن بعض دور النشر العريقة قد أوقفت نشاطها وحل محلها أنشطة أخرى لا تمت إلى النشر بصلة.. وكم دعونا من قبل إلى دعم الكتاب.. وعدم فرض جمارك باهظة على خاماته لكن الدولة لا تستجيب وينعكس ذلك على القارئ نفسه الذى يعانى اقتصاديا وفضل شراء طعام أو كساء بدلا من الكتاب. هناك أيضا ظاهرة أخرى تبدو فى انصراف الشباب عن القراءة الجادة والإسراع إلى ما يسمى (أكثر الكتب مبيعا) وهذه ظاهرة تبادلها الشباب على أجهزة التواصل ويهرعون للبحث عن هذه العناوين التى لا تضيف شيئا إلى عقولهم.. وتنشرها دور نشر جديدة على نفقة أصحابها.. وتحقق لهم أرباحا طائلة.. نحن فى حاجة إذن أن يجىء المعرض القادم وتستجيب الدولة لصراخ الناشرين بالنظر إلى الكتاب على أنه غذاء عقلى وليس سلعة تباع وتشترى.. وهنا فقط نصدق أن الدولة تنظر إلى الثقافة نظرة عصرية صحيحة.. قال أمير الشعراء أحمد شوقى: أنا من بدَّل بالكتْب الصحابا