نحيل أنفسنا مرة أخرى للماضى.. ما قبل ارتكاب جريمة قتل الرئيس السادات وأحداث أسيوط التى وقعت عام 1981 ، هذه الجرائم التى اجتمع عليها تنظيمًا الجهاد والجماعة الإسلامية بعد أن اجتمعا فى تنظيم موحد كان أمينه العام عمر عبد الرحمن، وهو شيخ أزهرى ضرير، كان يمثل فى هذا التاريخ مرجعية دينية وروحية للجماعة الإسلامية، وتم اعتقاله ضمن من اعتقلوا فى شهر سبتمبر 1981 لكنه تمكن من الهرب، وبارك عملية اغتيال الرئيس السادات، وتم القبض عليه بعدها ومحاكمته فى قضيتين أمام المحكمة العسكرية ومحكمة أمن الدولة العليا وظل رهين الحبس على ذمة المحاكمتين لما يقرب من 3 سنوات حتى حصل على البراءة فيهما وخرج من السجن فى 2 أكتوبر 1984. (1) فى السنوات الثلاث التى كان يحاكم فيها متهمو قضية الجهاد الكبرى (1981 – 1984) حدث انشقاق فى السجون بين جماعتى الجهاد والجماعة الإسلامية، وكانت هناك أسباب مباشرة وأخرى غير مباشرة لهذا الانشقاق، السبب المباشر هو ما أثاره عضو جماعة الجهاد عصام القمرى بخصوص إمارة الشيخ عمر عبدالرحمن للجماعة الموحدة من أعضاء الجهاد والجماعة الإسلامية، وتفجر السؤال:هل تجوز هذه الإمارة لشخص «ضرير»؟! واستطاع القمرى أن يقنع بعض قيادات الجماعتين بأن هذا لا يجوز وتبعه فى ذلك أيمن الظواهرى وعبود الزمر وسرت هذه الشُبهة سريان النار فى الهشيم– كما يقول منتصر الزيات محامى الجماعات الإسلامية فى أحد حواراته الصحفية – ولم تكن مسألة ولاية الضرير التى تم طرحها والاختلاف عليها على اعتبار أنها مسألة شرعية، لم تكن فقط السبب الوحيد للاختلاف والخلاف بين أتباع جماعة الجهاد والجماعة الإسلامية فقد كانت هناك أسباب أخرى غير مباشرة منها ما يتعلق بعمليات القتل العشوائية التى وقعت فى أسيوط عام 1981 وقتل فيها عدد كبير من جنود وأفراد الأمن، وهو ما دعا الشيخ عمر عبد الرحمن لإصدار فتوى لأفراد الجماعتين بوجوب صوم شهرين متتابعين تكفيرًا عن القتل الذى وقع فى هذه الأحداث باعتباره قتل خطأ وهو ما رفضته جماعة الجهاد. ومن أسباب الخلاف أيضًا أن فكر الجماعة الإسلامية يميل إلى العذر بالجهل سواء فيما يتعلق بالشريعة أو العقيدة بينما فكر جماعة الجهاد يقبل العذر بالجهل فى الشريعة (عدم تكفير من يرتكب إثمًا عن جهل بالشرع) ولا يقبل العذر بالجهل فيما يخص العقيدة لذلك تكفِّر جماعة الجهاد من يزور المقابر أو يلتمس البركة والعون من أولياء الله الصالحين.. إلى آخره. وكانت الجماعة الإسلامية تميل إلى العمل الدعوى الشعبوى وتغيير المنكر ما أمكن باللسان واليد، أما جماعة الجهاد فكانت تؤمن بأنه لا سبيل للتغيير إلا بالانقلابات المسلَّحة على السلطة الحاكمة.. لكل ما سبق وغيره كان من المنطقى أن تصدر عن قيادات الجماعة الإسلامية الذين ذكرناهم آنفًا مبادرة وقف العنف وأن تلقى قبولا كبيرًا داخل وخارج السجون ويباركها د. عمر عبدالرحمن من محبسه فى نيويورك العاصمة الأمريكية التى سافر إليها هربًا فتم اتهامه بالتورط فى تفجير مركز التجارة العالمى الذى وقع عام 1993، ومازال عمر عبد الرحمن مسجونًا فى أمريكا إلى يوم كتابة هذه السطور. (2) كتاب «نهر الذكريات» المراجعات الفقهية للجماعة الإسلامية الذى حمل توقيع 8 من قيادات الجماعة اشتركوا فى تأليفه وإعداده، ولا مانع من أن نذكرهم للتذكرة وهم كما وردوا بالترتيب على صفحات الكتاب: كرم محمد زهدى، ناجح إبراهيم عبد الله، على محمد على الشريف، أسامة إبراهيم حافظ، حمدى عبد الرحمن عبدالعظيم، فؤاد محمد الدواليبى، عاصم عبد الماجد محمد، محمد عصام الدين دربالة.. والباب الثانى من هذا الكتاب يستعرض الأسئلة التى وجهها أعضاء الجماعات فى السجون لأصحاب المبادرة بعد أن ينتهى الواحد منهم من إلقاء محاضرته. ويقدم أصحاب المبادرة لهذا الفصل فيقولون إن أمر قبول المبادرة من أبناء الجماعة فى السجون لم يكن أمرًا سهلا وميسورًا كما روَّج البعض لذلك، فلم تكن هناك إملاءات من القادة ينصاع لها المقودون.. وبعد المقدمة تأتى الأسئلة والإجابات. والأسئلة شاملة لموضوعات شتى، سأل فيها المساجين من الجماعات الجهادية عن المبادرة، وطبيعتها، وما صدر بشأنها من دراسات وكتب وهل تلغى هذه الكتب والدراسات ما سبق وسطَّره أصحاب المبادرة أنفسهم، ولماذا طرح أعضاء الجماعة الإسلامية قضية حرمة الغلو فى الدين فى هذه المبادرة على الرغم مما هو معروف عن الجماعة الإسلامية (تحديدًا) من بعدها عن لوثة التكفير ومحاربتها لهذا النوع المنحرف من الفكر، ومن الأسئلة أيضًا التى وجهت لأصحاب المبادرة: ما هو الفرق بين دار الإسلام ودار الكفر؟! وهل بالفعل تم حل الجناح العسكرى للجماعة؟ وإذا كانت الجماعة قد تخلت عن العنف فما الذى يميزها عن بقية التيارات الإسلامية الأخرى؟! (3) ومن بين عديد الأسئلة والإجابات لابد أن نتوقف عند سؤال مهم بل هو فى رأيىّ أهم سؤال يمكن أن يحدد ويحسم كثيرًا من الأمور المتعلقة ب «فقه الجهاد».. والسؤال وُجِّه لأصحاب المبادرة ونصه: هل نفهم من مبادرة وقف العنف أنكم عطلتم الجهاد وتركتم اعتباره فرضًا من فرائض الدين؟ والإجابة الواردة فى الكتاب طويلة تستغرق ثلاث صفحات ونصف الصفحة لكن يمكن تلخيصها فى الآتى: - لا يستطيع مسلم أن ينكر فريضة الجهاد وإلا كان منكرًا لمعلوم من الدين بالضرورة، والشرع أوجب الجهاد على عموم المسلمين كفرض كفاية لدفع العادية (الدفاع) عن الدين والبلاد.. ونصوص الكتاب والسُنّة فى ذلك أكثر من أن تحصى. - كأى فرض من فروض الدين لابد من تحقيق مشروعيته حتى يكون واجب الأداء، بمعنى أنه لابد من توافر شروطه وأسبابه وانتفاء موانعه ومراعاة مقاصد الشرع واستيفاء لمشروعيته يستلزم أمورًا عدة أهمها: 1- الشرعية بمعنى التحقق من موافقته للشرع، 2- صِدق النية، 3- غلبة المصلحة وذلك أن الجهاد ليس غاية فى ذاته، إنما شرّعه الله لتحقيق غاية هى حماية بيضة وبلاد المسلمين وإعلاء راية التوحيد وهى مصالح عُليا تغيَّاها الشارع الحكيم فى أمره بالجهاد، فإذا ذهبت هذه المصالح أو كان قصد الإنسان غير هذه المقاصد أو كان هناك من المفاسد المترتبة على هذا الجهاد ما يربو على هذه المصالح فإن الجهاد هنا لا يكون مشروعًا، 4- ينبغى ألا يوكل النفير العام على أعداء أمة الإسلام ودينهم إلا إلى إجماع الأمة من قادتها وأهل الحل والعقد فيها ولا يكون ذلك للآحاد والأفراد أو حتى للجماعات التى لا ينتمى إليها إلا بعض الأمة قلّوا أو كثروا إذ أن المضار التى سوف تنتج عن هذا النفير ستقع على عموم المسلمين.. والحِسبة ممنوعة إذا كان سيترتب عليها الإضرار بالمسلمين.. والجهاد نوع من الحِسبة. (4) وفى الكتاب أسئلة أخرى وإجابات لابد أن نعرفها ويعرفها الأغرار والأطفال الذين يخرجون من صالات «الجيم» إلى حيث البطولة الزائفة والجهاد غير المشروع فى سوريا والعراق وغيرهما من صحراوات العرب المنتهكة،يخرجون وكل ما يملكونه فائض من الصحة وعقول فارغة، ولو عقلوا أو وجدوا من يرشدهم لإعمال العقل والضمير ما فعلوا هذا بنا أو بأنفسهم.