يُجمع جلّ الباحثين في ظاهرة الإسلام السياسي على أنّ التصورات التي تقوم عليها الحركات الإسلامية ترتكز أساسا على النظرة الضيقة التي ينظر بها “الشيخ الأمير” إلى الدين ومنه إلى العمل السياسي، في خلط أجوف بين المجال الروحي التعبدي الخاص بين العبد وخالقه إلى المجال المادي اليومي في الدولة والمؤسسات. وقد ظهرت هذه الإشكالات في العديد من التمظهرات أهمها المراجعات التي تقوم بها بعض الذواتات المنتمية للجماعات الدينية السياسية (خاصة المتطرفة منها). تعود نشأة العنف السياسي باسم الإسلام في العصر الحديث إلى اغتيال الخازندار والنقراشي على يد جماعة الإخوان المسلمين في شهريْ مارس وديسمبر سنة 1948، بينما يرجع العنف السياسي ضد الدولة في مصر عموماً إلى ما قبل سنة 1948، في قضية الاغتيالات السياسية، ثمّ الفنية العسكرية التي تلتها مباشرة نشأة الجماعة الإسلامية المسلحة.
اختلفت التيارات الجهادية حول مراجعة سيد إمام، فمن المؤيدين لها: مجموعة نبيل نعيم، بسجن ليمان طره، مجموعة أنور عكاشة، بسجن العقرب، مجموعة أحمد عجيزه، في الاستقبال، مجموعة بني سويف بقيادة أحمد يوسف، وكانت المجموعة تتكوّن من 350 فرداً، ومجموعة معوض عبدالله، أما الذين كانوا يرفضونها فهم كلّ من: مجموعة الدكتور أسامة حميد، وعددهم 300 فرد في العنبر الثالث بسجن “أبو زعبل” شديد الحراسة، مجموعة سجن المرج، ويقودها أحمد سلامة مبروك ومحمد الأسواني ومجدي سالم، ومجموعات متنوعة لتنظيم الوعد وجند الله وحزب التحرير، وهم أفراد يعدون على أصابع اليد الواحدة.
هذه المراجعات كانت بمثابة دعوة فكرية لترك السلاح من خلال تأصيل شرعي، وللأمانة العلمية، انصاع الجهاديون تحت لوائها إلاّ القليل منهم؛ وقد خدم الجماعة الإسلامية، على سبيل المثال، أنها كانت تنظيما كبيرا له قواعد وقيادات، استطاعت أن تنشر أفكارها الداعية لوقف العنف بسهولة على العكس من جماعة الجهاد المقسمة إلى مجموعات عنقودية كلّ منها له تفكيره الخاص. قامت الجماعة الإسلامية بشرعنة المراجعات، كما استقر مفهوم الإسلام الوسطي عند أغلب قياداتها، وإن كان ذلك صعباً بالنسبة لجماعة الجهاد التي لم يجمعها هيكل تنظيميّ واحد، وإنما كانت عبارة عن مجموعات؛ بعضها آمن بهذه المراجعات ومجموعات أخرى وقفت موقفاً حازماً واعتبرتها تراجعاً عن نصرة دين الله وتخاذلاً في الدفاع عنه وركوناً عن فريضة الجهاد، وعلى الرغم من ذلك هناك أعضاء للجماعة الإسلامية تمركزوا في أفغانستان واقتربوا أكثر من تنظيم القاعدة وهؤلاء تأثروا كثيراً بأفكارها، وبالتالي لم يوافقوا على مراجعات الجماعة الإسلامية، وهم يمثلون نسبة محدودة للغاية، ومع الوقت رفعت الجماعة الغطاء عنهم، أو يمكن أن نقول: إنهم هاجموا الجماعة بسبب ما ورد في المراجعات من نصوص واستشهادات من القرآن والسنة النبوية دفعتهم لوقف العنف.
وثيقة ترشيد العمل الجهادي في مصر والعالم التي خرجت إلى النور في خريف 2007، لم تلق قبول كل التيارات الجهادية كما ذكرنا؛ فانقسم الجهاديون حولها، وإن كان التيار العام قد وافق على المبادرة وخرج من السجن على أساسها، وربما هيّأَت ظروف ثورة 25 يناير 2011 المناخ لخروج بقية المجموعات الأخرى التي قضت فترة سجنها ولم توافق على الوثيقة ولم تشارك في المبادرة وظلت ثابتة على أفكارها، فرفضت أجهزة الأمن خروجها من السجن وتحفظت عليها، ولكن تغيير الظروف السياسية حال دون أن تستمر الأجهزة الأمنية في احتجاز رافضي المبادرة من التيار الجهادي، فلولا ثورة يناير 2011 ما كان هؤلاء طلقاء، فموافقتهم على المبادرة كانت شرط الإفراج عنهم.
لا شك أنّ الجدل والخلاف سادا مرحلة العمل العسكري، عندما تشكل مجلس شورى واحد للجماعة الإسلامية والجهاد الإسلامي، وحدث ارتباط عضوي وتنظيمي حول فكرة واحدة، وظهرت القضية الأكثر بروزاً على الساحة وكان ذلك عام 1981 حول شرعية ولاية الضرير أم الأسير، وأخذ كلّ من التيارين يؤصل لوجهة نظره شرعاً، بأنه لا يجوز ولاية الضرير (في إشارة، إلى الدكتور عمر عبدالرحمن الأب الروحي للجماعة الإسلامية، والمسجون حالياً بأميركا، على خلفية تفجيرات نيويورك عام 1994) وولاية الأسير، حيث كان عبود الزمر يقضي عقوبة المؤبد، على خلفية اتهامه بمقتل الرئيس أنور السادات، فالخلاف لم يكن داخل الحركة الجهادية ولكنه انتقل إلى الخارج واستعرض فيه الجهاديون قدراتهم على الاستدلال بصحة ما يقولون من القرآن والسنة وإجماع العلماء والقياس وغيرها من مصادر التشريع لإثبات وجهة نظرهم.
من أهم الكتب التي أصّلت للعنف، كتاب “الجهاد الفريضة الغائبة” لصاحبه: محمد عبدالسلام فرج، الذي صدر حكم بإعدامه عام 1981، على خلفية مقتل الرئيس أنور السادات، فقد اعتبرته المحكمة محرضاً مباشراً على العنف من خلال كتابه، وتكليفه لخالد الإسلامبولي بتنفيذ العملية من جانب، وكتب الجماعة الإسلامية التي ملأت المكتبة في وقت متأخر من نشأتها من جانب آخر، فعندما نشأت الجماعة كانت دعوية في بداية طريقها، عندما ظهرت هواجسها في نهاية الستينات وأوائل السبعينات، وإن كانت لها بعض الممارسات التي يمكن أن يصفها البعض بأنها كانت عنيفة، مثل جماعات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، التي كانت تقوم عليها، فكانت تأمر وتعاقب في ذات الوقت وكانت منتشرة في الوجه القبلي وانحدرت من خلالها إلى استخدام العنف.
الجماعة الإسلامية مارست العنف ثم قامت بتأصيله من الناحية الشرعية في ما بعد، وخرج التأصيل الشرعي في شكل مجموعات من الكتب، تأليفها تم بشكل جماعي من مجلس شورى الجماعة، الذي كان أعضاؤه في سجن الليمان، على خلفية اقتحامهم مديرية أمن أسيوط في 8 أكتوبر 1981، وكان مكتوبا على بعض هذه المؤلّفات “الجماعة الإسلامية”، وأخرى كانت على شكل بحوث وضعت عليها أسماء أصحابها من أعضاء شورى الجماعة.
من بين هذه الكتب نذكر : “أحوال الحكام وحتمية المواجهة”، “حكم قتال الطائفة الممتنعة عن تطبيق شريعة من شرائع الإسلام الظاهرة”، “شبهات الجهاد”، “ميثاق العمل الإسلامي”، وغيرها من البيانات التي كانت تصدر عن الجماعة الإسلامية وكانت تؤكد وتؤصّل لمعنى العنف.