مثل كل محاولات الإخوان السابقة من أول إعلان كوبنهاجن إلى إعلان القاهرة إلى مبادرة أيمن نور ثم المجلس الثورى المصرى وغيرها من المحاولات اليائسة البائسة.. تجىء آخر تقاليع الإخوان: عودة البرلمان المنحل! البرلمان المنحل لم يعود إلى مقره بالقاهرة وإنما ذهب إلى اسطنبول.. ولم تضم اجتماعاته كل أعضائه السابقين والبالغ عددهم 498 عضوًا وإنما اقتصرت اجتماعاته على 30 إخوانيا هربوا من مصر إلى تركيا وأعلنوا من هناك أنهم يمثلون البرلمان المصرى المنحل وقاموا بإجراء انتخابات داخلية لاختيار هيئة المجلس.. رئيس المجلس واثنين من الوكلاء! ماذا يريد الإخوان من هذه اللعبة الصبيانية؟! قبل الإجابة قد يكون مناسبًا توصيف الحالة الإخوانية التى تدفع الإخوان لمثل هذه الألعاب الصبيانية.. ونستطيع أن نصل إلى التوصيف الصحيح أو على الأقل نقترب منه بدرجة كبيرة إذا تابعنا الطريقة التى يتكلم بها الإخوان والمنطق الذى يعتمدون عليه. لاحظ الرئيس المعزول محمد مرسى واستمع إلى كلماته وراقب حركاته أثناء جلسات محاكمته.. تابع ما تقوله قيادات الإخوان خلال البرامج التى تستضيفهم.. استمع إلى كلماتهم وإلى حججهم ومنطقهم وسوف تكتشف أن جماعة الإخوان تعيش حالة من إنكار الواقع وتتصور أوهامًا لا وجود لها! الرئيس المعزول يتصور أنه لا يزال رئيس الجمهورية وينكر أنه أصبح معزولا.. وقيادات الإخوان ينكرون أن هناك ثورة شعبية حدثت يوم 30 يونيو ولا يريدون أن يصدقوا أن الشعب أسقط الإخوان من حساباته وأنه من المستحيل أن يسمح لهم بالحكم مرة أخرى.. ثم أنهم يتصورون أنهم الشعب ويتحدثون باسمه ويتكلمون نيابة عنه.. والغريب أنهم يصدقون أنفسهم! القيادى الإخوانى الهارب جمال حشمت قال فى برنامج تليفزيونى - وبدا مصدقًا لما يقوله - إن قيادات الجماعة حرصت على الحصول على موافقة قيادات الرئيس المعزول فى محبسه على استئناف جلسات البرلمان المنحل فى اسطنبول وأنه بارك الخطوة ووافق عليها!.. ويبدو هذا الكلام غريبًا ومتناقضًا فمرسى لم يكن له رأى عندما كان رئيسا فكيف تحرص الجماعة على رأيه وهو فى محبسه؟! الأهم من ذلك أن محمد مرسى صدق على قرار حل مجلس الشعب فى عام 2012 عندما كان رئيسا فكيف يستطيع أن يوافق على استئناف نشاطه وهو معزول؟! وليس خافيًا أن المقصود من هذه الرواية الخائبة التى جاءت على لسان القيادى جمال حشمت هو الإيماء بشرعية البرلمان المنحل وشرعية الرئيس المعزول.. وليس صعبًا أن ندرك أن المشكلة تكمن فى الحالة الإخوانية.. إنكار الواقع وتصور أوهام لا وجود لها لكن قيادات الإخوان فى الحقيقة لها مآرب أخرى! أعلنت قيادات الإخوان فى الخارج أن أعضاء البرلمان المنحل سيعتبرون أنفسهم فى حالة انعقاد دائم.. والحقيقة أن ما تهدف إليه قيادات الجماعة من انعقاد هذا البرلمان المنحل هو التواصل مع البرلمانات الدولية المختلفة والتجمعات البرلمانية العربية والدولية والاتحاد الأفريقى.. وتتصور قيادات الجماعة أنها أولا ستتواصل مع هذه الجهات وثانيًا أنها ستحصل منها على اعتراف بوجودها. والحقيقة أن أحدًا لا يعرف كيف سيتواصل هذا البرلمان الموازى مع برلمانات العالم؟.. كيف سيتواصل مع برلمان دولة تعترف بالنظام المصرى وتقيم معه علاقات.. بل وفى كثير من الأحيان تؤيده؟!.. ثم كيف يمكن الاعتراف بشرعية هذا البرلمان الموازى وأعضاءه لا يمثلون إلا تيارًا واحدًا هو الإخوان؟.. كيف يعترفون بشرعيته وهو لا يمثل بأى حال من الأحوال الشعب المصرى؟ ولا تقتصر أهداف الجماعة من لعبة البرلمان الموازى على مسألة التواصل مع البرلمانات الدولية وإنما هى خطوة تستهدف أيضا مخاطبة الداخل.. فقيادات الجماعة فى الخارج بدأت تدرك أن جهود الجماعة فى الداخل بدأت تتناقص وقواها بدأت تخور.. فالمظاهرات بدأت تقل بشكل ملحوظ واليأس بدأ يتسلل إلى أعضاء الجماعة خاصة الشباب.. فى نفس الوقت بدأ الحلفاء يتخلون عن الجماعة بعد أن اكتشفوا أنهم مجرد تابعين لا حق لهم فى إبداء الرأى.. وتتصور قيادات الجماعة أن خطوة البرلمان الموازى يمكن أن ترفع الروح المعنوية لنفوس الجماعة التى بدأ اليأس يتسلل إليها.. لكن قيادات الجماعة تنسى أنها حاولت نفس المحاولة من قبل وحققت فشلا ذريعا! حاول الرئيس المعزول من قبل.. بالتحديد فى يوليو من عام 2012.. حاول أن يتحدى قرار المجلس العسكرى بحل البرلمان بناء على حكم قضائى من المحكمة الدستورية العليا وأصدر الرئيس المعزول قرارًا بإحياء مجلس الشعب المنحل ومنحه سلطة التشريع مرة أخرى. وحاولت قيادات الجماعة انتهاز الفرصة والإيحاء بوجود معدلات قانونية تسمح للرئيس بإصدار مثل هذا القرار.. واجتمع الإخوان وأعضاء تيار الإسلام السياسى الأعضاء فى المجلس المنحل تفرض الأمر الواقع لكن المجلس العسكرى استطاع إيقاف هذه المهزلة فاضطر الرئيس المعزول للخضوع. وبعد أحداث 30 يونيو وبعد تنظيم اعتصام رابعة والنهضة حاولت الجماعة مرة أخرى اللجوء إلى لعبة البرلمان الموازى فقررت قيادات الجماعة عمل جلسات البرلمان فى إحدى قاعات مسجد رابعة العدوية.. وبالفعل اجتمع عدد من قيادات حزب الحرية والعدالة المنحل وقيادات حزب الوسط والجماعة الإسلامية وأعلنوا أنهم سيستأنفون جلسات البرلمان داخل المسجد وستقدم اللجان الفرعية بعقد جلساتها فى شوارع رابعة! وأصدر البرلمان الموازى عدة قرارات أهمها رفض ما اعتبروه انقلابًا عسكريًا والتأكيد على عودة مرسى لممارسة مهامه ورفض حل مجلس الشورى وتعديل الدستور. لكن سرعان ما فشلت الفكرة بعد فض اعتصامى رابعة والنهضة.. ورغم ذلك تحاول قيادات الجماعة تكرار المحاولة للمرة الثالثة واختارت اسطنبول - أو اختارتها اسطنبول - لتنفيذ هذه المحاولة.. لكن بوادر الفشل بدأت تلوح فى الأفق! تزامنت خطوة الإعلان عن البرلمان الموازى مع عملية المصالحة التى سعت السعودية لتحقيقها بين مصر وقطر والتى كان من تداعياتها إغلاق قناة الجزيرة مباشر مصر.. وبذلك تفقد فكرة البرلمان الموازى الوسيلة الإعلامية التى كان الإخوان يأملون فى استخدامها للترويج لفكرتهم. فى نفس الوقت لقيت الفكرة انتقادًا كبيرًا من حلفاء الإخوان أنفسهم. المتحالفون مع الإخوان شنوا هجومًا على الجماعة ووصفوا فكرتهم بالإفلاس السياسى.. أما شباب الجماعة فقد وصفوا الفكرة بالمحاولة اليائسة وشنوا هجومًا على قيادات الجماعة على شبكة التواصل الاجتماعى. الإخوان لا يتعلمون من أخطائهم لسبب بسيط أنهم لا يعترفون أساسًا بأخطائهم.. ولهذا يمضى الإخوان من فشل إلى فشل.. بمنتهى النجاح!