بدون الدخول فى تفاصيل معقدة فإن جماعة الإخوان المسلمين وكل الجماعات الإسلامية المنبثقة عنهم يعتبرون غيرهم من المسلمين كفار.. وفى أحسن الأحوال يعتبرونهم مسلمين ضالين! ويمثل التكفير عنصرا أساسيا فى أفكار ومعتقدات الجماعة.. فهم يكفّرون كل من ارتكب كبيرة وأصر عليها. وكذلك يكفّرون الحكام الذين لا يحكمون بما أنزل الله بإطلاق ودون تفاصيل.. ويكفّرون المحكومين لأنهم رضوا بذلك.. أما العلماء فيكفرونهم لأنهم لم يكفّروا الاثنين.. الحكام والمحكومين!.. وبعد ذلك فإنهم يكفّرون كل من عرضوا عليه فكرهم فلم يقبله أو قبله ولم ينضم إليهم! وعندما انكشف الوجه القبيح للجماعة وغيرهم من الجماعات المتطرفة.. كان غريبا أن يتحول منهجهم من التكفير إلى «التهبيل»! التكفير على أية حال ليس موضوعنا. وإنما هو «التهبيل».. والتهبيل لفظ عامى دارج يعنى الجمع بين الحماقة وفساد الرأى وردود الأفعال الهوجاء بالإضافة إلى الغباء!. ثم إنه يعنى أيضا أن الذى يمارس التهبيل يتصور أن غيره غبى وهو وحده الذى يمتلك مفاتيح الذكاء. فى نفس الوقت فإن التهبيل منهج سلوكى يتصور صاحبه أنه يستطيع أن يفعل ما يريد وينجو بفعلته!. ليس هدفى هو السخرية. وإنما هى محاولة لفهم تفكير وأفكار الجماعة التى اكتشفنا أنها تسير بمنهج تكفير الغير ثم إذا بها تتجه بسرعة إلى التهبيل!. والحقيقة أن ظاهرة التهبيل بدأت مبكرا.. حتى من قبل سقوط الإخوان رسميا.. حدث ذلك عندما أصدر الرئيس المعزول إعلانه الدستورى العجيب.. وحدث ذلك عندما حاول أن يتحدى القضاء ويعيد مجلس الشعب المنحل.. ثم دستور 2012 الذى يعتبر قمة الاستهبال - إن صح التعبير - ثم تصريحات وزراء الإخوان من نوعية أننا حققنا الاكتفاء الذاتى من القمح.. وأننا اكتشفنا أكبر بئر بترولية عرفتها مصر.. وأننا حققنا إنجازات عظيمة فى مقدمتها أن رئيسنا يصلى وأنه ملتح!. ولا نستطيع أن نغفل ونحن نتحدث عن منهج التهبيل.. مشروع النهضة الذى تبيّن أنه وهم وسراب.. ثم قناة السويس التى كانت الحكومة على وشك أن تبيعها لدولة قطر.. ثم الحدود التى كان الرئيس المعزول على وشك أن يقتطع أجزاء منها لصالح حماس والأخوة السودانيين!. وقد يبدو مقبولا أن يلجأ الإخوان المسلمون إلى اتباع منهج التهبيل حفاظا على السلطة التى سلبوها وكرسى الحكم الذى استولوا عليه.. لكن بعد أن أسقطهم الشعب رسميا وبعد أن طردهم من المشهد السياسى.. كيف يتصور الإخوان أن منهج التهبيل يمكن أن يعيد إليهم ما ضاع منهم؟!.. كيف يتصورون أن التهبيل يمكن أن يعيد «مرسى» مرة أخرى لقصر الرئاسة؟!.. كيف يتصور الإخوان أن التهبيل هو السبيل لإعادة عقارب الساعة إلى الوراء؟!. *** اتبعالإخوان وجماعاتهم منهج التهبيل منذ بدأ الشعب يعبر عن غضبه من سياساتهم بالخروج فى مليونيات.. فكانوا يصفون هذه المليونيات بأنها مجرد تجمعات لا يزيد أعدادها على المئات!. وعندما أعلنت حركة تمرد عن نفسها وبدأت فى جمع التوقيعات المطالبة بانتخابات رئاسية مبكرة تعامل الإخوان معها على أنهم (شوية عيال) ولم يصدقوا التقارير التى كانت تؤكد لهم أن الملايين استجابوا للدعوة ووقّعوا على استمارات تمرد!. وحتى عندما رأى الإخوان وجماعاتهم الملايين الذين خرجوا فى كل محافظات مصر يوم 30 يونيو.. كذّبوا أعينهم وزعموا أنها خدعة سينمائية قام بها المخرج السينمائى خالد يوسف.. ثم قاموا بعمل حشد مضاد لم تتجاوز أعداده بضعة آلاف تحدثوا عنها وكأنها ملايين تزيد على الملايين التى خرجت يوم 30 يونيو. وعندما انحاز الجيش للشعب وتدخل للحفاظ على الدم المصرى ومنع نشوب حرب أهلية.. اخترعوا حكاية الانقلاب والانقلابيين وتجاهلوا أن هناك شعبًا له إرادة.. عبّر عنها بمنتهى الوضوح. وعندما أعلنت أمريكا عن غضبها لفساد خططها وضياع ما أنفقته من مليارات على الإخوان.. تصور الإخوان أن أمريكا ستعيدهم إلى الحكم وبدأت على الفور مظاهر التهبيل.. فخرجت مظاهرات الإخوان تهتف «يوم الجمعة العصر.. أمريكا هاتدخل مصر» (!!!). واتساقا مع فكر التهبيل تصور الإخوان أن فى إمكانهم أن يتحدوا إرادة الشعب المصرى ويعيدوا مرسى إلى الحكم!.. ثم زاد اعتمادهم على هذا الفكر - فكر التهبيل - فتصوروا أنهم يستطيعون بالعنف وبالسلاح أن يعيدوا عقارب الزمن إلى الوراء. وكان من الطبيعى أن يتخلوا عن فكر التهبيل بعد فشلهم فى تحقيق أى مكاسب، لكن الغريب أنهم تمسكوا بمنهج التهبيل أكثر من ذى قبل!. *** وسطالفشل الذريع لكل محاولات ومظاهرات الإخوان وجماعاتهم تخرج علينا إحدى هذه الجماعات بمبادرة تنتمى لفكر التهبيل!. تتضمن المبادرة خروج «مرسى» من السجن وعودته إلى قصر الرئاسة مرة أخرى.. فقط لاستكمال مدته.. أى لثلاث سنوات أخرى!. فإذا لم يتيسر ذلك يمكن تكليفه بمنصب رئيس الوزراء وتتم الدعوة لانتخابات رئاسية مبكرة.. أو الاستفتاء على خارطة الطريق الحالية!. وفى إطار فكر التهبيل توجه جماعة الإخوان المسلمين - أو من تبقى منها - دعوة لضباط الجيش المصرى للانحياز للشعب المصرى.. طبعا المقصود بالشعب المصرى هنا هو جماعة الإخوان ومن والاهم من الجماعات المتطرفة. ثم تصرفات صبيانية ولعب عيال كما يقولون.. اعتصام فى المترو.. إلقاء حقائب سوداء فى الشوارع والإبلاغ عنها على اعتبار أنها حقائب متفجرات بينما هى فى الحقيقة حقائب مليئة بالبطاطس!.. نشر الشائعات بين الجماهير.. استخدام السيارات فى تعطيل الكبارى والشوارع.. لصق شعارات رابعة على سيارات مؤيدى السيسى!. ولا أعرف كيف يصدق هؤلاء الحمقى أنهم قادرون بهذه الوسائل على إعادة مرسى والعودة إلى الحكم؟!. *** لكل داء دواء يستطب به.. إلا الحماقة أعيت من يداويها!. رحم الله أبو العلاء المعرى صاحب هذه الكلمات!.