رغم أن كثيرًا من الناس الآن لم يعد يهتم بالكلام عن الثورة والأحداث التى مرت بمصر خلال السنوات الأربع الأخيرة، بسبب وصول الأمور إلى درجة التشبع والتكرار الممل، إلا أن المؤلف عبدالفتاح البلتاجى استطاع من خلال مسرحيته الجديدة «رايح جاى صدفة» أن يقدم رؤية جديدة ومغايرة للأحداث تحاول حل الكثير من الألغاز، وتؤكد أن كل ما تم قبيل وبعد 25 يناير حتى الآن كان مقصوداً ومخططاً من كثير من الأطراف ولم يكن مجرد صدفة كما يظن البعض. وهذه هى القضية الأساسية التى يحاول أن يركز عليها العرض وهو من مسرحيات الفصل الواحد التى تختزل الكثير من الأحداث فى لوحات تشكيلية يقدمها على خشبة المسرح ببراعة المخرج محمد دياب الذى أجاد فى استيعاب النص، وتمكن من خلال بعض اللوحات الاستعراضية والغنائية من تجسيد وتكثيف مشاعر البطل المطحون المحاصر باليأس والإحباط، والذى تمكن الممثل الموهوب هشام عبدالله من تمثيله ببراعة وتمكن شديد وإلمام رائع بكل ابعاد ومكونات الشخصية وقدرة على التعبير عن الصراع الدائر داخله بين الضغوط التى يعانى منها بسبب فشله فى حياته العملية رغم تفوقه الدراسى وترك حبيبته له من أجل الارتباط برجل ثرى، وبين وعيه الكامن بضرورة التصدى لمن يحاولون بيع الوطن. وأظهرت المسرحية التى كتب البلتاجى حوارها بخفة ظل مصرية بسيطة وشديدة العمق فى نفس الوقت، القدرات الكوميدية الهائلة للمثلة عبير عادل، التى قدمت من قبل الكثير من التجارب على مسرح الدولة والمسرح الخاص، ثم أعادت اكتشاف نفسها فى «رايح جاى صدفة» كغول كوميديا يذكرنا بسارة برنار المسرح المصرى الجميلة شويكار، واستطاعت عبير أن تنتزع ضحكات الجمهور فى كل المشاهد التى ظهرت بها بتلقائيتها وعفويتها وحضورها الطاغى. وتألق جميع الممثلين الذين شاركوا بأدوار مميزة فى العرض من أعضاء فرقة مسرح الغد، خاصة الممثلين اللذين لعبا شخصيتى «الشيطان» و»الزبال»، والفنانة الشابة التى جسدت دور فتاة الإغواء ببراعة شديدة وبدون ابتذال. ومؤلف العرض عبدالفتاح الجبالى ، قدم من قبل واحداً من أنجح المسرحيات المصرية الجادة خلال السنوات العشر الأخيرة، وهى «جزيرة القرع» مع المخرج رامى إمام، كما قدم للسينما فيلمى « أمير الظلام» بطولة النجم الكبير عادل إمام، و» جاى فى السريع» بطولة ماجد الكدوانى وحسن حسنى وريهام عبدالغفور. وأتوقع أن تتحول بعض جمل حوار المسرحية الجديدة إلى إيفيهات يرددها الناس فى حوارهم اليومى كما حدث مع بعض جمل الحوار فى فيلم «جاى فى السريع» الذى أعاد الجمهور الاعتبار إليه ولأصحابه بعد عرضه فى الفضائيات، بعد أن ظلمه منتجه وجمهور السينما.