"رايح جاي صدفة" عرض يقدم حالياً بمسرح الغد يطرح الكثير من القضايا أولها فلسفة ومنهج "فرقة الغد" وقد طرحنا كثيراً وحتي الآن لا أعرف ما هوية ومنهج هذه الفرقة. هل هي تجريبية؟.. هل هي تراثية؟..هل هي تقليدية؟.. وهل هي عروض وخلاص ودمتم؟.. تعدد في الماضي هوية هذه الفرقة. ثم تداخلت وأصبحت خليطاً غير مفهوم إلي أن وصلت إلي فرقة تقدم عروض بلا منهج ولعل السبب هو التضارب والتداخل وانعدام الفهم والرؤية حتي باتت تعمل من أجل ايجاد عمل لعناصرها وهذه قضية مصرية ينبغي بحثها حال وجود مدير للفرقة ورئيس للبيت وحالة التضارب التي تعيشه الحالة المسرحية في مصر الآن والتي غاب عنها: لا أقول الضمير فقط. بل رؤية ثقافة وطن يتهاوي!! في ظل الغيابات المستمرة يغيب المؤلف المفكر المسرحي الذي يركن لمرجعية ثقافية سياسية واقتصادية واجتماعية وهي في واقع الحال قضية هذا العرض بما له من ماهية فكرية ورؤية درامية ودراسة لماهية فن الكتابة المسرحية وحرفيته والعلاقة بين الطرح الدرامي الفكري والإطار أو الصورة المسرحية وغاب عن الكاتب في تجربته وهو "عبدالفتاح البلتاجي" غاب عنه الفروق الجوهرية بين تماس الرؤية الفكرية والصورة المسرحية في شكلها علي خشبة المسرح الذي يقدم شخوص من لحم ودم وهذه الشخوص تقدم تجربة تحاكي الواقع سياسياً واجتماعياً ولا تقدم أفكاراً مجردة وهذه هي وظيفة الفلسفة أو المقال وهنا أبحث عن مسمي للعرض واسمه "رايح جاي صدفة" ونسي الكاتب أن "الصدفة" عنصر من عناصر الضعف في الدراما وهذه بديهية. فكل شيء في العرض صدفة. الأفكار "الشخصيات مجازا" تطل علي الجمهور صدفة بلا روابط درامية أو حتي فكرية والعلاقة بين الشخصيات جوهرية في العمل الدرامي. لذلك جاءت مفككة ومضحكة وهذا التفكك أحدث نوع من الشتات وانهيار الخطاب الدرامي الذي يريد تقديمه من خلال العرض وتحديداً اسأل الكاتب والمخرج محمد دياب. ما خطاب العرض؟.. هل تريد القول إن كل شيء في مصر يحدث صدفة؟.. هل تريد أن تقول إن الثورة قامت صدفة؟.. هل وهل كل شيء صدفة بما في ذلك القضايا المصيرية؟.. إذا كان هذا هو الهدف فالنص كتب صدفة ودون دراسة وأن الفكرة. فكرة الصدفة هي الغالبة والطاغية علي رأس المؤلف فذهب لوضعها علي الورق ليجسدها المخرج كما هي. بل زادها غموضا وشتاتاً وهو ما ستوضحه. أهمل الكاتب فكرة الشخصية والمسرح تجرية وشخصيات. لكن الحاصل كان مجرد صراع بين الشخصيات. حتي الشخصية الرئيسية والمحورية شخصية "فكري" هي مجرد فكرة وعندما استدعي باقي الشخصيات استدعي أفكاراً وليس شخوصاً وهنا حدث "الصدام" حيث الأفكار تتصادم في غياب الشخصية والممكن القول هي "استدعاءات من ذاكرة الكاتب فقط".. استدعاء فكرة لخليط من المشاكل والقضايا المتناثرة. "فكري" طالعتنا به المسرحية وهو في غرفة نومه يشعر بالعزلة نتيجة الأحداث الجارية ولكن ما هي الأحداث لا نعرف. مجرد عناوين. هو يفكر في الموت هروبا مما هو فيه. فهو ملاحق ومحاجر. ويقوم باستدعاء الشخصيات. عفواً الأفكار مرة "الزبال" ولأنها فكرة فالحوار أو مفردات الكلام أكبر من"كلام زبال" لا في كلامه ولا في ملابسه وبقدر ما هي فكرة أو جمل حوارية ذات أبعاد. إلا أنها لا تصدر من زبال وكذلك الآخر وهي شخصية غير معلومة. ولأنها غير معلومة فهي فكرة. هو "الرجل" أو هي "الفكرة" ماذا يريد؟.. أو ماذا يريد الكاتب ثم ظهور شخصية "الفتاة" ومن هي؟.. هل هي الحبيبة؟.. هل هي الفكرة الدائرة بخلده هو فقط وليس لها المماثل أو المحاكي للواقع. ثم المرأة "سهي" من هي؟ هي فكرة تطرح تصورا ولا تطرح مشاعر وان كان المفهوم هي الحبيبة وإذا كانت هي الحبيبة. فمن تكون الفتاة؟.. الطامة الكبري "الرجل اللغز" الذي يمسك بيده خشبة ولا أدري علام ترفر. هي أقرب لمفتاح الحياة الفرعوني. لكنها لم تكن كذلك فلا كلام هذا الرجل اللغز يشي بذلك. سوي بعض "الوعظ والتحذير" وفي النهاية من تكون هذه الشخصية أو هذه الفكرة وفي "خارج السياق والنسق الدرامي أو الفكري" كلمات متناثرة مثل "عايزين يمسحوا ذاكرتك" ثم "أبيع النيل والهرم" ثم ما رمزية "طبق القول" ومحاولات السطو عليه. العرض لم يجب علي هذا الطرح. لكن هل هو تجسيد للفقر؟.. هل هو تجسيد للهوية وسرقتها. كلها اجتهادات لم ولن يصل لها المتفرج. خاصة أن مفردات الصورة أو الرؤية الإخراجية لم توضح فكرة رمزيته وماهيته وطرحه علي هذا النحو. أسئلة كثيرة وضعها النص لكي يضع المخرج والمنطقي معاً في مأزق التلقي فيحيله إلي العزلة والاغتراب!!.. تري كيف جاءت الرؤية التشكيلية للعرض وهنا أعني الديكور وسينوغرافية العرض. يبدو أن الفكرة كانت غائمة علي المخرج محمد دياب والديكور لصبحي عبدالجواد فإذا نظرنا للديكور علي حدث هو شيء يوصف بالجمال. لكن لماذا المستويات المرتفعة. فوق وتحت ولماذا الوحدات كالمقهي والحبال ثم المشنقة ولماذا الشنق. نحن لم نر شخصية "فكري" تعاني. هي أضغاث أحلام وهذه الأحلام التي تتحول لكوابيس. لابد لها من "مسببات" وشخصية فكري بلا أبعاد سوي رجل يحلم بكابوس. لكن مضمون الكابوس؟.. هل هو سرقة طبق الفول وبيع الهرم والنيل؟ هذا جيد!!.. ولكن كيف؟.. هذا لم يجب عنه العرض وهنا أعني الصورة المسرحية من ديكور وأداء ممثل وأزياء مسرحية وكان من الممكن خلق معادل آخر يحقق له ما لم يحققه النص من أغان وألحان. خاصة وهو معه ملحن متميز مثل أحمد خلف. والأغاني ليست عملا ترفيهياً وإنما لإكمال الرؤية الدرامية ورؤية المخرج تنحصر في الاجتهاد للهروب من نواقص العرض وكنت أتصور أن تتمحور صورته وحركته والأداء داخل غرفة النوم بعيداً عن التزايد في الصعود والهبوط بالممثل والتجول بين المستويات بدون دواع درامية تقتضي ذلك. التمثيل : هشام عبدالله في دور "فكري" الأداء جيد والتعبير متناغم مع المطروح وحاول الهروب من طغيان الفكرة ومعتز السويفي الأداء الرصين وأحمد قنديل وكذلك عبير عادل في شخصية "سهي" وأري أن امكاناتها أكبر من الشخصية وجهاد سلطان رأيتها أفضل في عمل سابق. أما نائل علي وأحمد الشريف ومحمود الكومي يتمتعون بأداء جيد وفي حاجة لعمل يبرز طاقاتهم الأدائية. وتأتي استعراضات شريف راضي جيدة في سياق متناغم مع الموسيقي والأداء. وتظل الكلمة الغائبة وهي حتمية إعادة النظر في لجان القراءة والتي ينبغي أن يكون أعضاؤها من الممارسين للعملية المسرحية والمسئول عن غياب العروض والنصوص الجيدة هي لجان القراءة من..؟!!