مجلس الشيوخ يتلقى إخطارًا بتشكيل الهيئات البرلمانية للأحزاب    الشيوخ يصدق على جلساته السابقة ويناقش تعديلات قانون الكهرباء ونقابة المهن الرياضية    تكريم لمسيرة نضالية ملهمة.. دورة عربية لتأهيل الشباب في حقوق الإنسان تحمل اسم محمد فايق    وزير الخارجية: تعزيز التبادل التجاري ودعم الشركات المصرية في غينيا الاستوائية ضمن أولويات التعاون الثنائي    رئيس الضرائب تصدر تعليمات بشأن المعاملة الضريبية لخدمة التمويل الاستهلاكي    بالتعاون مع «الإغاثة الكاثوليكية»| التموين تطلق القافلة ال15 من المساعدات لغزة    البيع أم الإعارة.. مصير ثلاثي الأهلي من الرحيل في الميركاتو الشتوي    مصرع سائق وإصابة 4 عمال في انقلاب سيارة بطريق العلمين الدولي بالبحيرة    ضبط 3850 سرقة تيار كهربائي في 24 ساعة    أول ظهور لتامر حسني بعد تعافيه.. ماذا قال في حفل قصر عابدين؟    مواقيت الصلاه اليوم الأحد 21ديسمبر 2025 فى المنيا    رئيس جامعة الازهر يوضح بلاغة التعريف والتنكير في الدعاء القرآني والنبوي    من مصر منارةً للقرآن إلى العالم... «دولة التلاوة» مشروع وعي يحيي الهوية ويواجه التطرف    د.حماد عبدالله يكتب: "اَلَسَلاَم عَلَي سَيِدِ اَلَخْلقُ "!!    وزارة التموين تطلق قافلة مساعدات جديدة بحمولة 1766 طنًا لدعم غزة    حملات اعتقال في الخليل ورام الله واقتحام استيطاني للمسجد الأقصى    معلومات الوزراء: حاجز التجارة العالمية سيتجاوز 35 تريليون دولار فى 2025    أمم إفريقيا - حسن ناظر ل في الجول: المغرب لا يقدم الأداء المطلوب أحيانا.. ومصر هي رقم 1    محافظ أسيوط يعلن عن استمرار تدريبات المشروع القومي للموهبة الحركية لاكتشاف ورعاية الموهوبين رياضيًا    تشكيل مانشستر يونايتد المتوقع أمام أستون فيلا في البريميرليج    مصر تتقدم 47 مركزا فى تصنيف مؤشر نضج الحكومة الرقمية للبنك الدولى    رئيس "شعبة الذهب" يحذر من تكرار سيناريو أزمة المضاربات الشهيرة في الفضة    إصابة 14 عاملا فى حادث انقلاب أتوبيس بالشرقية    تحرير 477 محضرًا تموينيًا للمخابز والأسواق خلال حملات مكثفة لضبط الأسعار بأسيوط    حقيقة تأثر رؤية شهر رمضان باكتمال أو نقص الشهور السابقة.. القومي يوضح    مايا مرسي تلتقي وفد المتابعة الدورية النصف السنوية لبعثة البنك الدولي    على أنغام الربابة والمزمار… نائب محافظ الأقصر يشهد تعامد الشمس على معابد الكرنك والإعلان عن بدء فصل الشتاء    لهذا السبب ابتعد أحمد العوضي عن «البلدوزر».. «علي كلاي» يحسم القرار| خاص    محمد العبد عضو مجمع "الخالدين": تقديم الأعمال التاريخية بالعامية ضعف من الكتاب ولا يجوز التحجج بالجمهور    الخشت من السوربون: التعليم أهم وسيلة للقضاء على التفكير الخرافي وتثبيت مفاهيم الدولة الوطنية    البترول تكشف حقيقة زيادة أسعار البنزين والسولار| تفاصيل    جامعة عين شمس تحقق إنجازا جديدا وتتصدر تصنيف "2025 Green Metric"    فى مباحثاته مع مسرور بارزانى.. الرئيس السيسى يؤكد دعم مصر الكامل للعراق الشقيق ولوحدة وسلامة أراضيه ومساندته فى مواجهة التحديات والإرهاب.. ويدعو حكومة كردستان للاستفادة من الشركات المصرية فى تنفيذ المشروعات    مصادر إسرائيلية: قلق بشأن نزع سلاح حماس مع استمرار انسحاب الجيش من غزة    نقابة صيادلة القاهرة تكشف حقيقة عدم توافر أدوية البرد والأمراض المزمنة    «التضامن» تقر توفيق أوضاع 4 جمعيات في 4 محافظات    النادى الذى فقد نجمه!!    مواعيد مباريات اليوم الأحد 21-12- 2025 والقنوات الناقلة لها | افتتاح أمم إفريقيا    بكام البلطى النهارده....اسعار الأسماك اليوم الأحد 21ديسمبر 2025 فى المنيا    وزير الخارجية يؤكد مجددا التزام مصر بدعم جهود تعزيز الأمن والاستقرار في الصومال والقرن الأفريقي    الذكاء الاصطناعى يعزز الأمن المجتمعى بالقانون    محافظ القاهرة يعتمد جدول امتحانات الفصل الدراسي الأول للعام 2025    بحضور وزير الشئون النيابية.. مجلس الشيوخ يناقش اليوم تعديلات قانون الكهرباء    مصرع شاب وإصابة آخر صدمتهما سيارة فى كرداسة    شهر رجب.. مركز الأزهر العالمي للفتوى يوضح خصائص الأشهر الحرم    محاكمة المتهمين بسرقة 370 قطعة أثرية من متحف الحضارة اليوم    الصحة: فحص 8 ملايين طالب ابتدائى ضمن مبادرة الكشف المبكر عن «الأنيميا والسمنة والتقزم»    مصر أول مركز إقليمى فى الشرق الأوسط وإفريقيا لتوطين مشتقات البلازما    الصحة: فحص أكثر من 20 مليون مواطن في مبادرة الكشف المبكر عن الأمراض المزمنة    وزير الخارجية: أي مسار ناجح لتسوية الأزمة الليبية يجب أن يستند إلى التوافق بين الأطراف دون تدخلات خارجية    وزير الخارجية يؤكد التزام مصر بدعم جهود تعزيز الأمن بالصومال والقرن الأفريقي    فحص أكثر من 8 ملايين طالب ضمن الكشف عن الأنيميا والسمنة والتقزم بالمدارس    الإجابة الوحيدة نحو الثامنة.. لماذا يشعر حسام حسن بالضغط؟    الإسكان الاجتماعي لصاحبة فيديو عرض أولادها للبيع: سنوفر الحلول الملائمة.. والحاضنة لها حق التمكين من شقة الإيجار القديم    «جبر الخاطر».. محمد شاهين يطرح أحدث أغانيه    عضو بالأرصاد: أجواء مستقرة ودرجات حرارة طبيعية خلال الأسبوع الجاري    يوفنتوس يحسم قمة روما ويواصل انتصاراته في الكالتشيو    ندوة بمعرض جدة للكتاب تكشف «أسرار السرد»    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مصر والبحث عن السلام فى إقليم مضطرب
نشر في أكتوبر يوم 19 - 10 - 2014

من منا لا يريد أن يعيش فى سلام واطمئنان، ومن منا لا يرغب فى أن يرى بلده فى أفضل حال، ومن منا لا يبحث عن السعادة والاستقرار.. أسئلة كثيرة على هذا النحو تثور فى ذهنى وفى أذهان كثير من المصريين، فى الوقت الذى تأتى فيه الأحداث والتطورات سواء فى داخل مصر أو فى جوارها مليئة بالدم والنار والصراعات ومشاهد القتل والذبح والتدمير. إذا ما أجاب أحد عن هذه الأسئلة ستجد عبارة واحدة وهى أننا جميعا نبحث عن السلام الداخلى وعن الاطمئنان وعن الاستقرار، ولكننا جميعا نشعر بقدر من الفشل فى تحقيق ما نريد ونأمل، جزء من الفشل مرهون بضعف الإمكانات التى تحت أيدينا، وجزء آخر مرتبط بغياب الإرادة أو ضعفها، وجزء ثالث مرهون بغباء الآخرين المحيطين بنا، ونواياهم الشريرة سواء تجاه أنفسهم أو تجاهنا نحن.
قد يجد البعض فى هذه الكلمات بعضا من التفلسف غير المفهوم، أو فذلكة غير مبررة، غير أن الأمر برمته فى غاية البساطة. فعلى سبيل المثال دعونا نتساءل عن جدوى إلقاء قنبلة على تجمع من الناس لغرض إصابتهم أو ترويعهم، أو زرع قنبلة فى وسط شارع ملىء بالبسطاء والمواطنين العاديين وتفجيرها وقتل البعض وإصابة آخرين كما حدث مؤخرا بالقرب من دار القضاء العالى، أو جدوى تخريب منشأة عامة وتكدير حياة الناس، أو تكسير أبواب الجامعات والمنشآت التعليمية.
الثابت هنا أن الذين زرعوا هذه القنبلة قد حققوا هدفهم المباشر وهو الترويع والقتل والتخريب، أما هدفهم غير المباشر فهو إثبات وجودهم على الساحة لعل الدولة ومؤسساتها وشعبها تأتى فى يوم ما وتطلب منهم الصفح والغفران وترجوهم بأن يعودوا مرة لكى يحكموا أو يتحكموا. وحين يتصور البعض من الملثمين أو المجهولين أو الإرهابيين أنهم سوف يصلوا إلى هدفهم البعيد بمثل هذه البساطة فنحن هنا أمام قمة الغباء وقمة اللامعقول. وهو الغباء الذى يشقى صاحبه ويصيب من حوله معا.
المثل السابق على محدوديته كما يجرى أحيانا فى بعض أماكن مصرية، يجد مثيله وإنما على مستوى أكبر، إذ تمارسه دول وجماعات. فمثلاً إسرائيل التى تمارس الاحتلال والاستيطان والاستيلاء على الأراضى الفلسطينية فى الضفة والغزو ويحلو لها التدمير والتخريب المنهجى فى غزة كل فترة وأخرى تحت ذرائع واهية، ويخرج ساستها ليؤكدوا رفضهم الحقوق المشروعة للشعب الفلسطينى فى دولة مستقلة قابلة للحياة لا يختلفون فى قدر الغباء عن هؤلاء الذين يزرعون قنبلة فى شارع بوسط العاصمة. ومكمن الغباء المشترك هنا هو عدم قدرة هؤلاء على قراءة التاريخ بوعى وحكمة، وعدم إدراكهم إرادة الشعوب، والتعالى على كل التجارب الإنسانية والتى تنتهى إلى حقيقة واحدة وهى أن الإرهاب لم يصنع يوما دولة، ولم يصنع دوما سلاما ولم يصنع يوما يقينا، وأن كل الإرهابيين ذهبوا إلى مزبلة التاريخ غير مأسوف عليهم.
الحقيقة الأخرى الساطعة هنا أن إرادة الشعوب تعلو فوق إرادة الإرهابيين ولا تنكسر أبدا أمام حفنة من الموتورين والعجزة والقتلة مهما كانت أفعالهم شريرة وخطواتهم تتجاوز العقل والبصيرة. ولقد اثبت المصريون إرادتهم فى دحر الإرهاب ووقفوا مع مؤسساتهم الشرعية وأيدوا خطواتها فى مواجهة القتلة والإرهابيين مهما حملوا من شعارات إسلامية زائفة ومضللة للبعض، وفى كل مرة يحدث فيها زرع قنبلة تنفجر وسط الناس يتحسر المصريون على هؤلاء الذين باعوا أنفسهم للشيطان وفى الوقت نفسه يؤكدون أن مثل هذه الأفعال الدنيئة لن تثبط همتهم ولن تثنى عزيمتهم فى دحر الإرهاب مهما فعل وفى إعادة السلام لمصر ولكل من حولها أيضا.
كما أثبت الفلسطينيون فى غزة وفى الضفة وفى كل مكان إرادتهم الرافضة للعدوان والبطش والاحتلال، وصمودهم فى وجه كل عدوان. هذا الصمود الشعبى هو الفعل الصائب الذى لا يفهمه الأغبياء والقتلة والموتورون والمحتلون والمستوطنون قصيرو النظر.
مصر تبحث عن السلام، تلك حقيقة لا ينكرها إلا جاحد وإرهابى. والمفارقة هنا أن الإقليم الذى نعيش فيه بات إقليما مضطربا ومجنونا بكل معنى الكلمة. كل يوم هو فى شأن، إقليم يعيث فيه الأغبياء والقتلة فسادا ما بعده فساد، والأنكى أن يحدث ذلك باسم دين الإسلام، دين المحبة والسلام. بعض ما فى الإقليم يتنافى مع العقل السليم. انظر مثلا لمجموعة المسلحين الحوثيين فى ملابسهم الرثة والبائسة، وهم يصولون ويجولون فى مدن اليمن ويحتلون المدن بكاملها؛ الأماكن والمنشآت والمناطق العسكرية بدون أى مقاومة تذكر من أى طرف كان. المعروف أن عدد الحوثيين لا يزيد على بضعة آلاف، فكيف لهم أن يسيطروا بكل بساطة على العاصمة والحديدة وذمار وأجزاء من مأرب وقواعد عسكرية فى أكثر من منطقة. الأمر يبدو أكبر من الحوثيين بكثير، هناك صفقة شيطانية بين الحوثيين وإيران من جهة وبين عَبَدة السلطة من أبناء على عبد الله صالح من جهة أخرى، ولا يهم هنا مصير اليمن نفسه أو وحدته أو شعبه أو الحوار الوطنى. مثل هؤلاء السياسيين والعسكريين الساعين للسلطة مهما كان السبب هم وبال على أنفسهم وعلى شعوبهم، والأكثر خطورة أنهم وبال على الإقليم ككل. يتصورون أنهم أذكياء بما يكفى، قد تدوم لهم السلطة بعض الوقت، ولكن الشعوب لن تنسى لهم خيانتهم وارتماءهم فى أحضان قوة محتلة لا يعنيها مصير اليمن وإنما يعنيها مصالحها الاستراتيجية ونشر مذهبها، وليذهب اليمن إلى الجحيم. اليمن وما فيه من تطورات يقدم لنا نموذجا من الانفلات الوطنى والغباء التاريخى لا حدود له. وحين يفقد الوطن ساسته المحترمين يصبح فى مهب الريح.
" الذين زرعوا القنبلة أصابت وقتلت حققوا هدفهم فى الترويع، أما هدفهم فى إثبات الذات وطلب الغفران منهم فهو قمة الغباء وقمة اللامعقول
"
تماما كما هو الوضع فى سوريا والعراق وليبيا، وفى كل حالة تجد القاسم المشترك أن الساسة المتشبثين بالسلطة رغم أنف شعوبهم يصلون بأوطانهم إلى الدمار الذاتى والى الاحتلال وإلى تدمير المجتمعات وإلى الهلاك بكل معنى الكلمة. فى كثير من الأحيان تبدو الأمور جنونية بلا سقف، فهؤلاء الذين يدمرون بلدهم ويهجرون شعوبهم ويفقدون كل يوم جزءا من الأرض وجزءا من الموارد ويُحاصرون لحظة بعد أخرى، فأى سلطة يمارسونها وعلى من؟ وكيف لهم أن يتعاملوا كزعماء. لقد ابتلى الإقليم بعدد من الزعماء فاقدى البصر والبصيرة، أضاعوا أنفسهم وأضاعوا بلدانهم، واستخدموا كل وسيلة لتفتيت أوطانهم.
ما ينطبق على بشار الأسد فى سوريا هو نفسه ما ينطبق على نورى المالكى فى العراق، وينطبق على زعماء الميليشيات القبائلية فى طرابلس بليبيا، وفى عرسال بلبنان، وفى صنعاء باليمن. الكل افتقد إلى الشرعية والكل خان الوطن والكل أصبح وبالا على نفسه وعلى من حوله. والكل أصبح فى مزبلة التاريخ. جميعهم فتح الأبواب للتدخلات الخارجية بدون حساب. تصوروا أن الدعم الخارجى مجانى وبلا حساب. كم هو تصور خاطئ ومجنون. فالثمن هو الوطن كله الذى تحول إلى أشلاء متناثرة لا تجد من يستطيع أن يجمعها ويعيدها إلى سيرتها الأولى.
" لقد ابتلى الإقليم بعدد من الزعماء فاقدى البصر والبصيرة، أضاعوا أنفسهم وأضاعوا بلدانهم، واستخدموا كل وسيلة لتفتيت أوطانهم
"
انظروا مثلا إلى الخريطة الجديدة التى تتشكل فى كل من سوريا والعراق. أجزاء كاملة خارجة عن سيادة الحكومة المركزية فى دمشق وبغداد. دويلة تتشكل تحت اسم الخلافة، لا تعترف بحدود ولا بقوانين دولية ولا بأعراف، تنشر رياحها على من حولها، فى كل يوم تتقدم نحو جزء من سوريا أو جزء من العراق. الاستنفار الدولى بقيادة الولايات المتحدة يبدو عاجزا عن وقف تقدم بضعة آلاف من المسلحين. هناك جديد وخطير جدا يحدث هناك. الدولة الوطنية فى حالة ارتداد للخلف. والشعوب سئمت الحروب. والبعض قد يرى فيما يحدث خلاصا من قهر واستغلال وطائفية بغيضة مارسها القائمون على السلطة فى دمشق وبغداد لسنوات دون حساب. علينا أن نعترف بأن استمرار الأمور على ما هى عليه الآن يعنى أن المشرق العربى الذى كنا نعرف قد ذهب إلى غير رجعة. علينا أن نستعد لما هو أخطر وأعمق.
نحمد الله أن حمى مصر من هوس جماعة إرهابية، لكن بعض الخطر ما زال كامنا فى الداخل وفيما حولنا. نراهن على الشعب وعلى وعيه الفائق.
نحمد الله أن لدينا قيادة تعرف معنى الوطن وتراعى ضميرها الدينى والإنسانى. ويبقى أن يتحلى السياسيون لدينا أيا كان توجههم الفكرى أو الأيديولجى، والتنفيذيون فى كل موقع، بقدر من البصيرة التى تغلق على مصر أبواب الجنون المحيط بنا من كل مكان.
نحمد الله أن لدينا شعبًا واعيًا، يعرف طريقه ويعرف صديقه من عدوه، وبغيره يضيع السلام والأمان.
حمى الله مصر وشعبها من كل مصيبة وكل خطر.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.