ما أشبه الليلة بالبارحة فدائما ما تكون الخيانة هى السلاح القوى والفعال فى إنهاء أى خلاف سياسى وعسكرى فى بلاد العرب هكذا شاهدنا الأمر فى بغداد ونشاهده اليوم فى صنعاء فسقوطها المدوى وسط صمت داخلى وذهول عالمى وعربى يعد دليلا قاطعا على تعرضها للخيانة والتآمر، كما حدث غداة سقوط بغداد فى يد القوات الأمريكية إلا أن الفارق هو سقوط صنعاء فى يد طهران. فقد استطاعت جماعة أنصار الله الحوثية المتمردة والموالية لإيران أن تستولى على كل أجهزة الدولة ومؤسساتها وأن تحكم سيطرتها على صنعاء دون قتال أو مقاومة تذكر ويرجح المحللون أن الأمر خيانة من الجيش اليمنى وقوات الأمن للدولة خاصة أن القيادات العسكرية الموالية للرئيس السابق على عبد الله صالح ساعدت الحوثيين فى السيطرة على مؤسسات الدولة فى صنعاء بصورة غير معلنة، فى حين انضم معظم مؤيدى صالح للحوثيين من أجل السيطرة على العاصمة اليمنية التى باتت فى قبضة الحوثيين خاصة أن صالح لم يبد أى استياء من سيطرة الحوثيين على صنعاء.. بل إن المقربين له يقولون إنه يعيش حالة من السعادة والارتياح. وقد جاء السقوط تزامنا مع رفض الحوثيين التوقيع على الملحق الأمنى لاتفاق إنهاء الأزمة، والذى تضمن تسليم جميع الأسلحة التى جرى الاستيلاء عليها من معسكرات الدولة ورفع النقاط المسلحة من العاصمة والمخيمات المسلحة بداخلها وفى رد فعل داخلى متباطئ أعلن عبد القادر هلال أمين العاصمة صنعاء استقالته من منصبه فى رسالة عبر موقع التواصل الاجتماعى «فيسبوك» وقال فيها «حاولت جاهدا التواصل أولا بأول مع الجهات الرسمية العليا بمختلف مستوياتها لمعالجة الخلل أولا بأول.. دون استجابة « فى إشارة منه إلى تواطؤ بعض أجهزة الدولة. كما داهم المسلحون الحوثيون عددا من منازل المسئولين والشخصيات البارزة فى الساحة اليمنية، وهاجم مسلحون حوثيين منزل اللواء الركن على محسن الأحمر، مستشار الرئيس اليمنى لشئون الدفاع والأمن، ومنزل الشيخ حميد الأحمر، رجل المال والسياسة والقيادى فى حزب التجمع اليمنى للإصلاح فى حى حدة بجنوب صنعاء، ومنزل وزير التربية والتعليم، وتم نهب محتوياته. إضافة إلى مداهمة منزل الحائزة على جائزة نوبل للسلام، توكل كرمان. وتضاربت الأنباء بشأن اللواء على محسن الأحمر مستشار رئيس الجمهورية لشئون الأمن والدفاع بعد خروجه من قصر الفرقة الأولى مدرع ما بين توجهه إلى منزل منصور هادى أو إلى السفارة السعودية.. وأخيرا إلى جيبوتى. وقد اتجه المحللون إلى اتهام هادى بأنه باع حلفاءه عندما عقد صفقة سرية مع الحوثيين يتم بموجبها تسليم صنعاء دون قتال، كما سلم لهم من قبل عمران ومما يؤكد ذلك الأوامر التى أصدرها وزير الخارجية اليمنى والذى رفض الدخول فى أى مواجهات مع الحوثيين ودعا الجميع للتعاون معهم، كما توجه البعض إلى أن مماطلة الحوثيين فى توقيع الاتفاق سببها رغبتهم فى استكمال خططهم والاستيلاء على مؤسسات الدولة وقد ساعدهم فى ذلك عدم وجود لغة حسم لهادى فى مواجهة تلك المماطلة وقد خسر هادى بذلك ثقة السعودية الحليف الأول للنظام اليمنى بعد صالح خاصة وأنه حصل على دعم مالى ومادى من السعودية لمواجهة الحوثيين بلغ 2مليار دولار بالإضافة إلى مد اليمن باحتياجاتها من البترول لمدة شهرين متواصلين. أما عن ردود الأفعال الدولية فقد علق مبعوث الأممالمتحدة جمال بنعمر أن الأحداث الأخيرة فى اليمن كانت مفاجأة لجميع الأطراف وهو أمر خارق للعادة سأتركه لتحليل السياسيين والعسكريين والمؤرخين على حد قوله وأبدى اندهاشه من انهيار الجيش بهذه السهولة. وفى بيان أصدرته وزارة الخارجية الإماراتية حذرت رعاياها من التواجد فى اليمن نظرا لما تمر به من تدهور سياسى وأمنى ودعت الوزارة مواطنيها المتواجدين فى اليمن إلى ضرورة الحذر والتواصل مع سفارة الدولة فى صنعاء. وقال على البخيتى أحد قيادى الجماعة الحوثية إن ما حدث من نهب للمعدات العسكرية هو أمر طبيعى، كما اعتذر عما بدر من المسلحين الحوثيين تجاه منزل الناشطة توكل كرمان، حيث قام المسلحون بالهجوم على منزلها ونهبه. وفى أول تصريح له بعد سقوط صنعاء قال اللواء على محسن الأحمر: «لا نامت أعين الجبناء.. ورغم الخيانة مازلنا صامدين والأيام القادمة حبلى بالمفاجآت. وتابع: لن يطول غيابنا، كم لن تستمر فرحتكم، فى حين أرجع مستشار الرئيس اليمنى فارس السقاف بانهيار الجيش اليمنى إلى ضعف البنية العسكرية والأمنية. ويرى المحللون أن سقوط صنعاء فى يد المتمردين يمنحهم اليد الطولى فى إملاء الشروط فى أى اتفاق خاصة فى ظل تحكمهم فى باب المندب إلا أنهم ليست لديهم القوة الكافية حتى الآن، التى تمكنهم من السيطرة على السلطة دون دعم من الأحزاب الأخرى لذلك أبقوا على هادى لإعطاء صفة شرعية لتواجدهم ولكى لا يعطوا فرصة للتحالف الدولى للتدخل فى اليمن عسكريا بدعوى حدوث انقلاب ومن المنتظر تفاقم التوترات السياسية والطائفية بين السنة بدعم من السعودية والحوثيين بدعم من إيران خاصة فى ظل ما يحدث فى سوريا منذ 3سنوات، وكذلك لإرسال السعودية قوات للبحرين لإخماد المد الشيعى هذا فى الوقت الذى باركت فيه قطر القوى السياسية باليمن على توقيع اتفاقية السلام والتهدئة فى حين قال الاتحاد العالمى لعلماء المسلمين إنه يعتبر «ما حدث باليمن أشبه بمقدمة انقلاب طائفى مسلح، على خيارات الشعب اليمنى». وصرح مندوب طهران فى البرلمان الإيرانى على رضا زاكانى بأن صنعاء أصبحت العاصمة الرابعة التابعة للثورة الإيرانية الإسلامية. وأشار إلى أن الثورة الإيرانية نجحت فى فرض إرادتها على المنطقة أمام النهج المعتدل بالسعودية والعلمانية التركية، كما اعتبر الثورة اليمنية امتدادا للثورة الإيرانية وأن 14 محافظة يمنية سوف تصبح تحت سيطرة الحوثيين من أصل عشرين محافظة وأكد أن الأمر سيمتد إلى داخل السعودية نفسها. وقالت المتحدثة باسم الخارجية الإيرانية مرضية أفخم، أن الاتفاق الذى توصلت إليه الحكومة اليمنية مع حركة أنصار الله الحوثيين يعود بالأمن والاستقرار لليمن، كما ناشدت الخارجية الإيرانية الأطراف بما وصفته بحالة «ضبط النفس من قبل المتظاهرين اليمنيين المطالبين بحقوقهم»، مشددة على ضرورة استمرار التلاحم الفكرى ومشاركة كافة الأحزاب والجماعات السياسية اليمنية فى العملية تنفيذا لهذا الاتفاق.