بعد أكثر من أسبوع على إعلان وقف إطلاق النار فى قطاع غزة، وفى الوقت الذى يحتاج فيه إلى حوالى 87 مليار دولار لإعادة إعماره، إلا أنه لم يطرأ أى تغييرات تذكر فى القطاع، بخلاف تصاعد الخسائر الاقتصادية وانقطاع التيار الكهربائى المتكرر. ولم تتوقف معاناة سكان غزة عند هذا الحد، إذ تفاقمت الأزمة على الصعيدين الداخلى والخارجي، مع تصاعد الخلافات بين الفصائل الفلسطينية وتبادل الاتهامات فيما بينها حول الطرف المسئول عن الدماء الفلسطينية التى سالت فى القطاع، كما أن الهدنة تحولت إلى ضغوطات على الوسيط المصرى. هذه الأوضاع تصب فى مصلحة إسرائيل التى تطمح للتمادى فى خرق الهدنة وبناء المزيد من الوحدات الاستيطانية وتحويل المدارس الفلسطينية فى قطاع غزة إلى وحدات عسكرية، دون مراعاة أية اتفاقيات بينها وبين الفلسطينيين، ولفرض سيطرتها على القطاع بالكامل كجزء من سياستها الإجرامية المعتادة للضغط على الفلسطينيين والتمويه على محاولتها الدائمة لاستقطاع مساحات من الأراضى الفلسطينية، فى حين أنه لم تتخذ أية عقوبات دولية إلى الآن على الطرف المعتدى على تلك الهدنة. وفيما يتعلق بالخلافات بين الفصائل الفلسطينية، فهناك احتمالات متوقعة بأن يعلن الرئيس عباس قريبا خبر تجميد العلاقات بين السلطة الفلسطينية وحماس بعد أن هاجمها فى المؤتمر الصحفى الذى عقد فى القاهرة مؤخرًا وحملها مسئولية الاعتداءات الإسرائيلية التى حدثت للفلسطينيين فى غزة. يأتى هذا فى الوقت الذى ذكرت فيه إحدى الصحف الأردنية، على لسان مصادر مقربة من محمود عباس، أن رئيس السلطة الفلسطينية يحاول كسب الدعم الدولى لمبادرة جديدة لتسوية سياسية مع إسرائيل من شأنها أن تؤدى إلى انسحاب إسرائيلى من الضفة الغربية خلال ثلاث سنوات. على الصعيد الآخر، وللحصول على شعبية أكثر وإبعاد الأعين عما ترتكبه حماس مع دولة قطر لتشويه صورة مصر، فقد قام قادة الحركة بالتبرع ب40 مليون دولار كتعويضات للعائلات الفلسطينية الذين دمرت بيوتهم بالقطاع فى اعتداءات عملية «الجرف الصلب» الإسرائيلية، ليكون نصيب كل أسرة 200 دولار تقريبا، بعدها أعلن عمر شعبان الخبير الاقتصادى فى غزة أنه فى رأيه «عباس هو المسؤول عما يحدث فى غزة، فهو لم يزرها مرة واحدة . ولإحباط الجهود المصرية وتشويهها لجهود إطالة مدة التهدئة لتصبح طويلة الأمد بين الفلسطينيين وإسرائيل، زعمت إسرائيل كما جاء بصحيفة يديعوت أحرونوت أن الرئاسة المصرية تمارس الضغوط فقط على الطرف الفلسطينى فى القاهرة، وأن مصر لا تريد وقف النار، وإسرائيل -على حد قولها- ليست مستفيدة من هذا لإنها تريد إعادة مستوطنيها إلى القطاع اليوم قبل الغد، وهذا ما سيمكنها فى نهاية الأمر من قلب سلاح الضغط على مصر عن طريق الطرف الأمريكى وإفشال جهودها المضنية التى تبذلها. وأكملت الصحيفة الإسرائيلية مزاعمها بحق مصر، بتأكيدها على أن الرئيس عبدالفتاح السيسى، وبدراية أمريكية إسرائيلية، اقترح اتفاقية سلام على الفلسطينيين بأخذ قطعة من الأراضى المصرية فى سيناء، وهذا ما نفته مصر رسميًا وكذبه أبو مازن، مؤكدًا أن الفلسطينيين لن يفرطوا فى جزء واحد من أراضيهم وحقوقهم فيها. وواصلت وسائل الإعلام الإسرائيلية إطلاق مزاعمها بأن إسرائيل تعتقد أن كل ما تقوم به مصر من أجل إطالة الهدنة هو من أجل ممارسة ضغوطها وخناقها على حركة حماس بالاتفاق مع كل من الأردن والسعودية والسلطة الفلسطينية، فى سبيل الإسهام فى إنجاح تلك الخطة وتحقيق هذا بإعادة السلطة الفلسطينية برئاسة الرئيس محمود عباس كخطوة أولى، وأشاعت إسرائيل بأنها جزء من تلك الخطة العربية بمساهماتها منذ بدأ اعتداؤها على القطاع لنزع سلاح المقاومة بمساعدة الأنظمة العربية. وردًا على هذه المزاعم، أكد القيادى الفتحاوى بمكتب فتح بالقاهرة، أيمن الرقب، فى تصريحات خاصة ل»أكتوبر» أن الرئيس أبو مازن لم يكن المسئول عما حدث فى القطاع، فكان يريد دوما حقن دماء الشعب الفلسطيني، وحماس كان لها هدف آخر أو عدة أهداف منها، رفع الحصار عنها، وإحراج مصر، والأخطر هو إعادة دور لتنظيم الإخوان فى المنطقة، وكذلك إعادة قطر إلى المشهد، والضغط على مصر للتعامل وإعادة العلاقة مع الدوحة، ولكن أبومازن تفاجأ بكذب حماس عليه بشأن موضوع خطف المستوطنين الثلاثة قبل شهرين بالضفة وقتلهم إلى أن اعترف صالح العرورى عضو المكتب السياسى لحماس بأنهم مسئولون عن العملية وإنها سلسلة من العمليات تهدف لزعزعة السلطة وانهيارها وتصادمها مع إسرائيل، وهذا ما أثار حفيظة الرئيس، «فهل نحن شركاء فى كل شىء أم شركاء فى حل أزمات حماس؟». وأشار الرقب إن الرئيس الفلسطينى كان يعلم سعى حماس لإيجاد دور لقطر أثناء الحرب، ولكنه فضل عدم مواجهتها فى ذلك التوقيت الصعب، واستغلت دماء الفلسطينيين لتحقيق أجندات داخلية وإقليمية ودولية تهدف لتحقيق مكاسب خاصة. وعلى الرغم من هذا يتوقع الرقب، أن تكون هناك إنفراجة فى العلاقة مع حماس قريبا، رغم كل ما قيل، لإن حماس لا تستطيع أن تواجه شعبنا بعد كل ما فعلته، لذلك فإنه ليس أمامها سوى التنازل عن غرورها أو أن تفتح صدامات جديدة مع إسرائيل.