هؤلاء الممثلون والممثلات ما زالوا يحتلون مكانا فى الذاكرة، شعرت بتقصير حقيقى لأننى لم أكتب عن كل واحد منهم مقالا مستقلا، فكتبت عنهم هذه البورتريهات القصيرة، انتظارا لوقت تسنح فيه الفرصة لإنجاز كتاب عنهم، وعن عدد مهول من الأسماء التى قفزت تزاحمهم، كم هى ثرية الدراما المصرية بكل هؤلاء، وكم نحن محظوظون بما قدموا من أعمال. (1) كانت نسرين إحدى أجمل الوجوه التى ظهرت فى الدراما التليفزيوينة، وكان أمرا رائعا أن تكون ايضا ممثلة هايلة، عملها الذى ترك بصمته الكبرى، وحقق لها شهرة مدوية هو بالطبع «فرصة العمر» مع محمد صبحى، لولاّ فتاة رومانسية حالمة خارج الواقع تقريبا، حورية من كوكب تانى، بدت واثقة جدا من نفسها، وراسخة الأداء، ربما سبق هذا الدور لقطلت قصيرة فى فيلم الحفيد، الطالبة المودرن التى ترتدى الميكروجيب، وتأتى لتذاكر مع زميلها فى منزل أسرته، قدمها محمد فاضل فى دور سكرتيرة شريرة فى حلقات «نجم الموسم» مع محمد رضا أو حنفى الونش، بدا أن نسرين قد بدأت مرحلة الأفول مبكرا حتى فاجأتنا بدورين جيدين ولافتين فى مسلسلين كبيرين : «المشربية» و«رحلة أبو العلا البشرى» فى جزئه الأول، ظهرت فى دور سينمائى آخر فى فيلم «شيلنى واشيلك « للمخرج على بدرخان، قدمت بعض الاستعراضات للأطفال، وفيلما من إخراج زوجها الممثل الرائع محسن محيى الدين، أتذكر أننى حضرتُ عرض هذا الفيلم فى نقابة الصحفيين فى مقرها القديم، ربما كان هذا ظهور نسرين الجماهير الأخير مع محسن محيى الدين، لم تكن مختلفة على الإطلاق عن مظهرها وطبيعتها التلقائية التى نراها فى أدوارها الفنية، بسيطة وودودة كأنها صديقة أو جارة، فجأة اعتزل محسن ونسرين واختفيا ،ظهر محسن أخيرا ولم تظهر معه نسرين، اختفت ممثلة موهوبة لديها قبول وحضور مكتسح، بنت السبعينيات المتحررة والواثقة من نفسها، ربما كان اعتزالها ترجمة رمزية لاختفاء هذا النموذج فى الواقع أمام المد المتأسلم الصحراوى، غابت نسرين عن الشاشة ولكنها لم تغب عن الذاكرة. (2) وهذا ممثل خفيف وظريف جدا رغم وزنه الثقيل.. أحمد ماهر تيخة هو رفيق مشوار عادل إمام وسعيد صالح، وما زالوا من أقرب الأصدقاء حتى اليوم رغم هجرة ماهر إلى أمريكا فى بداية السبعينيات.. يتواصلون تليفونيا فى كل الأوقات، أجمل ما فى هذا الممثل هو حضوره الكبير، لو ظهر فى مشهد واحد لابد أن تتذكره، أشهر أدواره المسرحية دوره فى «هاللو شلبى»، كان سعيد صالح» بيدألجه» على المسرح زى البرميل، واشهر أدواره السينمائية مشهد يتيم فى فيلم «مطاردة غرامية» مع فؤاد المهندس ومدبولى عريس أقرب الى الطفل البدين مع عروس مجرّبة لعبت دورها زوزو شكيب، موهبة عظيمة، ولديه قدرة هائلة على الحركة المرنة رغم وزنه، أراه من اظرف الممثيلن البدناء، ربما لو استمر لكان له شأن كبير. (3) يتذكر جيل السبعينيات والثمانينيات هذا الموهوب الرائع.. سامى فهمى أو شاكر فضله فى فرصة العمر مع محمد صبحى، والشاب الأخرق بتاع العمليات النضيفة فى حكاية ميزو، والخطيب العجيب فى مسلسل «برج الحظ» مع نادية فهمى والتطاوى ومحمد عوض، سافر لدراسة الفن لمدة عامين فى أمريكا، أخذته الحياة فتحول الى البيزنس وعاش هناك لمدة 30 عاما، تزوج وأنجب، كان هناك حديث منذ عدة سنوات لعودته الى الدراما المصرية التى كان يتابعها، خسارة هذه الموهبة العظيمة التى ما زالت فى الذاكرة رغم كل هذه السنوات. (4) ربما يكون أغرب ما فى وجه زيزى مصطفى قدرتها على أن تستدعى الطفلة البريئة أوالأنثى الناضجة (المغوية أحيانا) وقتما وكيفما تشاء، كانت بدايتها لافتة للغاية، فتاة عمرها 16 سنة فى دور صغير فى فيلم «بين السماء والأرض»، ثم دور صعب أدته بامتياز فى فيلم «المراهقات»، ودور مثير للشفقة فى مسلسل الضحية أمام عبد الغنى قمر، ودور أكثر شهرة فى فيلم كبير هو «البوسطجى»، ودوران هامان فى فيلمى «سيد درويش»، وفيلم «المتمردون لتوفيق صالح»، ثم دور أكثر جرأة فى فيلم «رجل وامرأة» لحسام الدين مصطفى، راقصة عاشقة، فى مرحلة النضج قدمت أدوارا تليفزيونية لا تنسى، ما بين الزوجة المتسلطة فى «أبنائى الأعزاء شكرا»، والزوجة المغوية فى «أحلام الفتى الطائر» مساحة واسعة تثبت موهبة زيزى مصطفى، لا ننسى أيضا دور الأم فى «راجل وست ستات»، ودورها فى فيلم «الحريف»، ودورها المختلف جدًا فى فيلم «زوجة رجل مهم».. هذا الوجه الملائكى كان يستطيع أن يكون شريرا لو أراد وياله من شر جميل! (5) حياة قنديل أحد أجمل الوجوه المصرية التى قدمتها السينما فى السبعينيات، ومن أكثرهن موهبة أيضا. بدت كما لوكانت عنوانا على الفتاة العصرية المتحررة، فى «إمبراطورية ميم» لعبت شخصية ابنة مسترجلة، ولكنها سرعان ما قدمت أدوارا أصعب وأعقد : طالبة منحرفة فى «المذنبون»، وعاهرة فقيرة فى «دائرة الانتقام»، ولكن دوريها الأهم فى رأيى كانا فى فيلمى «سونيا والمجنون» و«الشياطين»، والعملان عن روايات لديستوفيسكى ومن إخراج حسام الدين مصطفى. رومانسية رقيقة فى «اذكرينى»، إلا أنها مثل بنت الجيران، وجه تراه فى كل مكان، حسناء تدفع ثمن طموحها، حياة ممثلة موهوبة جدًا، اعتزلت مبكرا بعد زواجها من الممثل الراحل فكرى أباظة. (6) أراه مشخصاتيا عبقريا، لا أقل أبدا من ذلك كان عدلى كاسب يصيبنى بالرعب فى طفولتى فى أدواره الشريرة، لم يحدث لى ذلك مثلا مع فريد شوقى أو محمود المليجى، ولكنه حدث وأنا أشاهد عدلى فى دور السكير الشرس فى فيلم «المراهقات»، ودور المعلم العنيف رد السجون والأخ الظالم فى «السفيرة عزيزة»، بل حدث حتى وأنا أشاهده فى دور قصير مهيب كمخبر فى فيلم «اللص والكلاب»، من أين ينبع هذا الشر الغبى المخيف؟!، ولكنه هو نفسه عدلى كاسب الذى لعب دور الزوج الطيب فى «لقاء فى الغروب» والأب الظريف فى «عائلة زيزى» وفى «نغم فى حياتى» والأخ التركى العاطل المتعجرف فى مسرحية «إلا خمسة» عدلى كاسب مشخصاتى استثنائى فعلا، لم يأخذ حقه، ولم نشعر بغيابه الفادح إلا عندما ترك أدواره المتنوعة بعد وفاته ليلعبها كل من هب ودب، والمذهل أنه كان يقدم شخصياته بمنتهى السلاسة، ودون ذرة افتعال.. كان بيمثل «وهوة سايب إيده».. عبقرى. (7) كلما شاهدت محمد يوسف وقعت من الضحك متذكرا مشهده فى فيلم «سمع هس» رئيس المحكمة (خيرى بشارة) يسأل المحامى (محمد يوسف) الذى يرتدى بيجامة وفوقها روب المحاماة الأسود: إيه ده يا استاذ.. إنت جاى تترافع بالبيجامة؟! يرد المحامى بثقة: «يجوز سعادتك فى القضايا المستعجلة، فيقول القاضى ببساطة: فعلا يجوز فى القضايا المستعجلة.. محمد يوسف كوميديان خطير من جيل فؤاد المهندس وأمين الهنيدى وفريق ساعة لقلبك، اشتهر بدور المعلم شكل، انطلق فى مسرحيات مثل حواء الساعة 12 وسيدتى الجميلة ونمرة 2 يكسب، قدم أفلاما أيضا مثل شارع الحب وحماتى ملاك، وتألق فى السبعينيات مع خيرية أحمد وعبد المنعم إبراهيم فى برنامج تليفزيونى بعنوان عالم الاستعراض، ثم اختفى تماما ليعيد شريف عرفة اكتشافه فى أفلامه كما فى سمع هس والإرهاب والكباب والناظر وعبود على الحدود ويا مهلبية يا، وأصبح من أبرز نجوم أفلام الشباب بعد نجاحه فى دور الأب الصعيدى فى فيلم صعيدى فى الجامعة الأمريكية، وصار هو وحسن حسنى من ثوابت أفلام المضحكين الجدد، له أدوار إنسانية مميزة جدا مثل دور العربجى فى فيلم «الساحر».. آخر أفلامه «خالتى فرنسا»، موهبة عظيمة على المسرح وفى السينما وفى الإذاعة.. محامى البيجامة الظريف محمد يوسف.