إذا كنت من الذين يقيسون موهبة الممثل بقدرته علي تجسيد شخصيات متنوعة ومختلفة فأنت أمام أحد نجوم الصف الأول من التمثيل, بغض النظر عن حجم المساحة التي احتلها, والاهتمام الإعلامي الذي جذبه..إنه عدلي كاسب. وربما حاولت أن تجد أسبابا لعدم حصول كاسب علي شهرة توازي حجم موهبته العملاقة, فإن أول هذه الأسباب هو موهبته نفسها, إذ من يصدق أن الجزار في فيلم السفيرة عزيرة(1961, إخراج طلبة رضوان) والذي أرعب الجمهور في صالة السينما, هو نفسه الدلدول الذي تتحكم فيه زوجته حتي إنه يثير شفقتك في فيلم الحب كده(1961, إخراج محمود ذو الفقار),ولعلك لاحظت بالطبع أن الفيلمين كانا في العام نفسه. هذه القدرة الهائلة في التنقل بين الأدوار لم تجعل له صورة ثابتة في ذهن المشاهد, فكل ممثل له انطباع معين, مهما تنقل بين الأدوار فإنها هي الأصل. زكي رستم, علي سبيل المثال, كان من أوائل الممثلين الذين اشتهروا بالقدرة علي تنويع شخصياتهم, لكن هناك صورة أصلية له, اكتسبها من أفلامه مع فريد شوقي. أما عدلي فإنه ذاب بين أدواره التي لاينساها الجمهور, رغم أن هذا الجمهور ينساه هو شخصيا. ومن الأسباب التي أدت لعدم شهرته هو تكوينه الجسماني,فقد حرمه هذا التكوين من أن يلعب دور فتي الشاشة في أي مرحلة من مراحل حياته, فمنذ تخرجه في المعهد العالي للتمثيل عام1950, وهو رجل كبير يلعب دور الجراند( الوالد الحما المسئول),مما جعله دائما في مساحة الأدوار الصغيرة, حتي إذا كانت محورية, وحتي إذا كان يؤديها هو ببراعة. وبنظرة الي أدوار كاسب التي هي أشهر منه, سنجد أنه لم يلعب تقريبا دورين متشابهين, حتي إذا قدم شخصيتين تنتميان إلي نمط واحد أو فئة واحدة أو كان ينتميان للطبقة نفسها, ففي فيلم صغيرة علي الحب(1966, إخراج نيازي مصطفي) لعب دور شاكر زوج كريمة( آمال شريف) شقيقة سميحة( سعاد حسني), والتي انتحلت شخصيتها وشقيق صلاح( نور الدمرداش) الذي يسعي للزواج منها, والمفروض أن شاكر هذا موظف من موظفي الطبقة الوسطي من الذين يبحثون عن الاستقرار والاستقامة والستر. وفي فيلم نحن لانزرع الشوك,(1970) اخراج حسين كمال لعب دور والد حبيب سيدة( شادية) وهو أيضا موظف من موظفي الطبقة الوسطي الذين يبحثون عن الاستقرار والاستقامة والستر, ولكن المسافة بين الدورين أبعد من إيجاد أي مشترك بينهما, وذلك لأنه قدم شخصيتين لانمطين. كان عدلي كاسب الذي نحتفل اليوم بذكراه الثالثة والثلاثين, نموذجا لمفهوم المشخصاتي الذي يجسد شخصية لها طول وعرض وارتفاع وعمق, وهو المفهوم الذي يجعلك تشعر بأن الشخصية التي تعيشها هي شخصية تاريخية عاشت في فترة ما من فترات التاريخ, وربنا يرحم الجميع.