تبنّى الدستور المصرى الجديد ما سبق أن دعونا إليه فى مقالات متعددة نُشرت بمجلة أكتوبر فى الأعداد السابقة، من ضرورة تقليص السلطات الدستورية لرئيس الجمهورية فى الدستور الجديد لسنة 2013، «وقد صدر قرار لجنة الانتخابات الرئاسية بتاريخ 3/6/2014 بفوز الرئيس عبدالفتاح السيسى برئاسة جمهورية مصر العربية ونهنئه بهذا الفوز المُشرّف وندعو له بالتوفيق على حمل الأمانة الثقيلة التى سوف نعاونه جميعًا فى أدائها على خير وجه»، ويثور التساؤل عما هى السلطات الدستورية الجديدة فى الدستور الجديد لرئيس الجمهورية؟ وقد تعرّضنا لهذا الموضوع فى مقال سابق الأسبوع الماضى بعنوان «المركز الدستورى للرئيس المنتخب» تناولنا فيه بعض السلطات الجديدة لرئيس الجمهورية ولرؤيتنا الشخصية فى هذا المجال، وسوف نستكمل شرح هذا الموضوع، وذلك فى البنود التالية: أولا: حق رئيس الجمهورية فى إعفاء الحكومة من أداء عملها بشرط موافقة أغلبية أعضاء مجلس النواب: أوضحت المادة مائة وسبعة وأربعون من الدستور المصرى الجديد أن لرئيس الجمهورية إعفاء الحكومة من أداء عملها بشرط موافقة أغلبية أعضاء مجلس النواب، ولرئيس الجمهورية إجراء تعديل وزارى بعد التشاور مع رئيس الوزراء وموافقة مجلس النواب بالأغلبية المطلقة للحاضرين وبما لا يقل عن ثلث أعضاء المجلس. ونحن نرى أن هذه المادة تتميز بأنها قلّصت سلطة رئيس الجمهورية فى التعيين والعزل وأشركت معه سلطة أخرى مُنتخبة وهى مجلس النواب ليكون لكلتا السلطتين المنتخبتين من الشعب القرار فى تعيين الحكومة أو إعفائها من أداء عملها أو إجراء تعديلات وزراية فيها وذلك على عكس دستور 2012 الذى كان يتضمن فى المادة المائة وسبعة وأربعين أن يُعيّن رئيس الجمهورية الموظفين المدنيين والعسكريين ويعزلهم، ويعيَّن الممثلين السياسيين للدولة ويقيلهم، ويعتمد الممثلين السياسيين للدول والهيئات الأجنبية؛ على النحو الذى تنظمه القوانين المصرية المختلفة المتعلقة بالأمور سالفة البيان. ثانيا: جواز تفويض رئيس الجمهورية بعض اختصاصاته لرئيس مجلس الوزراء، أو لنوابه، أو للوزراء، أو للمحافظين، ولا يجوز لأحد منهم أن يفوض غيره: أبانت المادة مائة وثمانية وأربعون من الدستور المصرى الجديد أن لرئيس الجمهورية أن يفوض بعض اختصاصاته لرئيس مجلس الوزراء، أو لنوابه، أو للوزراء، أو للمحافظين، ولا يجوز لأحد منهم أن يفوض غيره، وذلك على النحو الذى تنظمه القوانين المصرية المختلفة المتعلقة بحدود وقيود التفويض فى الاختصاصات الوزارية والإدارية المختلفة. ونحن نرى أن هذه المادة تتميز بأنها قد اعتنقت المذاهب الجديدة فى الإدارة العامة والإدارة الحكومية الصحيحة وهو مبدأ عدم تركيز السلطات السياسية والوزارية والإدارية لأن ذلك يؤدى إلى انتشار البيروقراطية التى تعيق العمل السياسى والوزارى والإداري. كما تتميز هذه المادة بأنها قد أعملت «مبدأ الحد من التفويض فى الاختصاصات» حفاظا على تحديد المسئولية التى يجب أن يخضع لها الموظف المفوض إليه حتى يعلم أن التفويض المُسند إليه تفويض شخصى لا يجوز له التنازل عنه أو التفويض فيه، وهو أمر يشعره بالمسئولية الشخصية. ثالثا: حق رئيس الجمهورية فى دعوة الحكومة للاجتماع للتشاور فى الأمور المهمة، ويتولى رئيس الجمهورية رئاسة الاجتماع الذى يحضره: تضمنت المادة مائة وتسعة وأربعون من الدستور المصرى الجديد أنه يحق لرئيس الجمهورية دعوة الحكومة للاجتماع للتشاور فى الأمور المهمة، ويتولى رئيس الجمهورية شخصيا رئاسة الاجتماع الذى يحضره. ونحن نرى أنه من البديهى أن هذا الأمر يكون فى الأمور الدولية أو الداخلية المهمة التى تتطلب قدرًا من التكاتف والتعاون والتنسيق بين سلطة الرئاسة ومجلس الوزراء، وعلى سبيل المثال اتخاذ قرارات معيّنة بشأن سد النهضة الإثيوبى أو إعلان الحرب ضد دولة معادية أو اتخاذ قرار بشأن مسار اقتصادى أو ضريبى جديد يراه رئيس الجمهورية ومجلس الوزراء أنه جدير بأن يصدر فيه قرار موحد. رابعا: وضع رئيس الجمهورية السياسة العامة للدولة بالاشتراك مع مجلس الوزراء، ويشرفان على تنفيذها: حددت المادة مائة وخمسون من الدستور المصرى الجديد أن رئيس الجمهورية يضع، بالاشتراك مع مجلس الوزراء، السياسة العامة للدولة، ويشرفان على تنفيذها، على النحو المبين فى الدستور، ولرئيس الجمهورية أن يلقى بيانًا حول السياسة العامة للدولة أمام مجلس النواب عند افتتاح دور انعقاده العادى السنوي، ويجوز له إلقاء بيانات، أو توجيه رسائل أخرى إلى المجلس. ونحن نرى أن هذه المادة مستحدثة ولم يكن لها مقابل فى الدساتير المصرية السابقة، كما أننا نرى أن هذه المادة تبرر عدم قيام الرئيس عبدالفتاح السيسى بوضع سياسة عامة رئاسية كاملة لأنه لا يملك ذلك بمفرده، وذلك لأن المادة صريحة فى أنه لا يجوز لرئيس الجمهورية أن ينفرد بوضع السياسة العامة للدولة بمفرده، كما أنه لا يجوز له أن يُشرف على تنفيذ السياسة العامة للدولة بمفرده، وإنما بالاشتراك مع مجلس الوزراء، كما أنه لا يجوز لرئيس الجمهورية أن يلقى بيانا أمام مجلس النواب بمفرده. خامسا: حق رئيس الجمهورية فى تمثيل الدولة المصرية فى علاقاتها الخارجية، وحقه فى إبرام المعاهدات، والتصديق عليها بعد موافقة مجلس النواب: أوضحت المادة مائة وواحد وخمسون من الدستور المصرى الجديد أن يمثل رئيس الجمهورية الدولة فى علاقاتها الخارجية، ويبرم المعاهدات، ويصدَّق عليها بعد موافقة مجلس النواب، وتكون لها قوة القانون بعد نشرها وفقًا لأحكام الدستور، وتجب دعوة الناخبين للاستفتاء على معاهدات الصلح والتحالف وما يتعلق بحقوق السيادة، ولا يتم التصديق عليها إلا بعد إعلان نتيجة الاستفتاء بالموافقة، وفى جميع الأحوال لا يجوز إبرام أية معاهدة تخالف أحكام الدستور، أو يترتب عليها التنازل عن أى جزء من إقليم الدولة. ونحن نرى أن هذه المادة تتميز بأنها قلّصت حق الرئيس فى توقيع المعاهدات الخاصه بالصلح والتحالف وحدود الدولة. وأشركت معه مجلس النواب، وذلك لأن هذا الحق كان مطلقاً لرئيس الجمهورية فى دستور 2012 لعدم إشراك الشعب عبر الاستفتاء فى أمور مصيرية مثل هذه والذى أعطى -على خلاف دستور 2013- الحق لرئيس الجمهورية فى توقيع معاهدات قد تغير حدود مصر وقد يتم التنازل عن جزء من البلاد أو رهن أو تأجير قناة السويس بعد موافقة مجلسى النواب والشورى – الذى كان قائماً فى دستور 2012 – وذلك لأن المجلسين المذكورين قد يقوما بمجاملة الرئيس فى سعيه إلى إبرام مثل هذه المعاهدات إذا ما كانت الأغلبية المهيمنة على البرلمان من الحزب السياسى الذى ينتمى إليه رئيس الجمهورية. ونحن نرى كذلك أن هذه المادة تتميز بأنها قد قامت بالتأكيد على احترامها «لمبدأ سيادة الدستور « وذلك بالتأكيد على عدم جواز إبرام أية معاهدة تخالف أحكام الدستور. سادسا: رئيس الجمهورية هو القائد الأعلى للقوات المسلحة: أبانت المادة مائة واثنان وخمسون من الدستور المصرى الجديد أن رئيس الجمهورية هو القائد الأعلى للقوات المسلحة، ولا يُعلن الحرب، ولا يرسل القوات المسلحة فى مهمة قتالية إلى خارج حدود الدولة، إلا بعد أخذ رأى مجلس الدفاع الوطنى، وموافقة مجلس النواب بأغلبية ثلثى الأعضاء، فإذا كان مجلس النواب غير قائم، يجب أخذ رأى المجلس الأعلى للقوات المسلحة، وموافقة كل من مجلس الوزراء ومجلس الدفاع الوطنى. ونحن نرى أن الفقرة الأولى من المادة مائة واثنان وخمسون من دستور 2013 تقابل فى مضمونها العام المادة مائة وستة وأربعين من دستور 2012 بينما الفقرة الثانية من المادة مائة وستة وأربعين فقرة مستحدثة ولم يرد ذكرها فى أى من مواد دستور 2012. وسوف نتناول فى المقال التالى – إن شاء الله تعالى - المسئوليات القانونية والدستورية الجسيمة المختلفة لرئيس الجمهورية فى الدستور المصرى الجديد لسنة 2013.