لا أعلم إلى متى نصنع المشاكل ثم نبحث لها عن حلول، لقد بح صوتنا بضرورة توسيع قاعدة المشاركة السياسية، والحفاظ على مؤسسات الدولة التى تساعد على ذلك.. فضلا عن كونها «مفرخة» لكوادر سياسية جديدة فى ظل ضعف التكوين الحالى للأحزاب المصرية وقلة عدد أعضائها. لقد كتبت أنا وغيرى أكثر من مرة: أن العيب لا يكون دائما فى المؤسسة ذاتها، وإنما فى طريقة إدارتا أو فى أسلوب اختيار أعضائها، ذلك بسبب إلغاء مجلس الشورى.. الذى لم يكن بدعة مصرية خالصة، وإنما كان جزءًا من البرلمان الذى يتكون من غرفتين (النواب والشيوخ) وهو المعمول به فى أغلب دول العالم التى رغبت فى تحويل مواطنيها من متفرجين إلى مشاركين فى صُنع مستقبل بلادهم! لقد نجح السياسيون الجدد فى إلغاء مجلس الشورى، والآن تطالب اللجنة التى أعدت مشروع قانون مجلس النواب الجديد بضرورة تطبيق المعايير الدولية فى النيابة عن الناخبين أى بمعدل نائب لكل 120 ألف ناخب، ومن ثم يجب زيادة أعضاء البرلمان إلى 600 عضو بخلاف نسبة ال 5% التى يعيّنها رئيس الجمهورية ليصبح العدد 630 عضوا. وهو ما يصطدم أولا بحجم استيعاب القاعة الحالية لمجلس النواب والتى لا تتسع لأكثر من 500 عضو فقط، فضلا عن تحول اجتماعات المجلس إلى ما يشبه «المؤتمر» حيث تتعذر المناقشة الجادة لمشروعات القوانين أو اللوائح المطلوب إصدارها فى الفترة القادمة، هذا بخلاف مناقشة أدوات الأداء البرلمانى المعتادة.. كطلبات الإحاطة والأسئلة والاستجوابات. ثم هناك أيضا طريقة تشكيل القوائم الانتخابية والتى يجب أن تشمل كل منها 3 مرشحات على الأقل من النساء، و3 مرشحين على الأقل من المسيحيين (وكأن عددهم يماثل عدد النساء فى مصر)، ومرشحين اثنين على الأقل من العمال والفلاحين والشباب (مع أن مصر كلها عبارة عن عمال وفلاحين، والشباب يمثل 60% من عدد السكان)، ومرشحين على الأقل من الأشخاص ذوى الإعاقة والمصريين المقيمين فى الخارج! أى يجب أن يضم مجلس النواب الجديد (من خلال القوائم وحدها وبخلاف الفردى) على 24 مقعدًا للسيدات ومثلهم للأقباط و16 للعمال والفلاحين و16 للشباب و8 لذوى الإعاقة و8 للمصريين فى الخارج و3 مقاعد أخرى مفتوحة لفئات المجتمع الأخرى (نعم قد يكون هذا مطلوبًا من خلال القوائم، لتحقيق التمثيل الشامل والمعبر عن كل فئات المجتمع والتى قد يتعذر على ممثليها الفوز بالعضوية من خلال نظام الانتخاب الفردى، ولكن الملاحظة هنا هى انخفاض نسبة العمال والفلاحين وكذلك الشباب، والأهم تخصيص 8 مقاعد للمصريين المقيمين فى الخارج، فالمصرى المقيم فى الخارج بعيدا عن مصر وغير متابع بشكل جدى لما يحدث على أرضها، ويكفى الإشارة إلى أن مشروع القانون عرف المصرى المقيم فى الخارج بأنه كل من جعل إقامته العادية خارج مصر بصفة دائمة!، أو أقام فى الخارج مدة لا تقل عن عشر سنوات سابقة على تاريخ فتح باب الترشيح! وهو ما يؤكد عدم مشاركته فيما يجرى على أرض مصر! نعم قد يكون لدى بعضهم خبرات معينة يجب الاستفادة منها، ولكن هل عضوية مجلس النواب هى الطريقة الوحيدة لاستفادة مصر من خبرات أبنائها أيا كان محل إقامتهم؟ وإذا كان المجلس الجديد سوف يستوعب 630 مصريًا فقط، فهل بقية المواطنين لن تستفيد مصر من جهودهم؟! لقد مُنح المصريون فى الخارج حق إبداء الرأى فى الاستفتاءات والانتخابات العامة، وكان يجب الاكتفاء بذلك طالما ظلوا مقيمين فى الخارج.. فلكل شىء ثمن!، وهذا ليس حرمانا من حق.. ولكن هى شروط لعضوية البرلمان.. وأبسطها ضرورة الإقامة الدائمة على أرض مصر! لقد أسهبت اللجنة فى وضع مشروع قانون مجلس النواب الجديد ودخلت فى تفصيلات كان يجب أن تكون فى اللائحة وليست فى نص القانون، ومع ذلك فقد أغفل المشروع ما يتعلق بكيفية إسقاط العضوية.. والنسب المطلوبة لذلك.. وإجراءات رفع الحصانة.. إلخ، هذا مع أنه نص على أن يحصل النائب على اشتراك للسفر مجانا بالدرجة الأولى الممتازة بقطارات السكة الحديد، أو إحدى وسائل المواصلات العامة الأخرى! وأيضا لم يغفل المشروع عن تحديد المكافأة الشهرية للنائب بخمسة آلاف جنيه، وألا يزيد إجمالى ما يتقاضاه شهريا على 20 ألف جنيه (مقابل الجلسات أو اللجان مع المكافأة) وأن يتقاضى رئيس المجلس ذات المبالغ التى يتحصل عليها رئيس الوزراء، وأن يتقاضى وكيل المجلس مكافأة مساوية لمجموع ما يتقاضاه الوزير! lll ومع ذلك.. يحسب للجنة وللمشروع سد الثغرات السابقة وعمليات التحايل التى كانت تتم فى صفة المرشحين، حيث كنا نفاجأ بترشح الصحفيين والمهندسين على أنهم عمال، واللواءات وأساتذة الجامعات على أنهم فلاحون!، فقد أورد المشروع تعريفات محددة لكل من الفلاحين والعمال والشباب وغيرهم. حيث اشترط على كل من يرغب فى الترشح بصفة فلاح أن تكون الزراعة عمله الوحيد ومصدر رزقه الرئيسى لمدة عشرة سنوات على الأقل سابقة على ترشحه، وأن يكون مقيما فى الريف، والأهم ألا يحوز هو وزوجته وأولاده القُصّر ملكًا أو إيجارًا أكثر من عشرة أفدنة. أما العامل.. فهو من يعتمد بصفة رئيسية على دخله بسبب عمله اليدوى أو الذهنى، وألا يكون عضوا بنقابة مهنية أو مقيدا فى السجل التجارى.. والأهم أن يكون مقيدا بنقابة عمالية. وبالنسبة للشباب.. فيجب ألا يقل السن على 25 عاما وألا يزيد على 35 عاما عند فتح باب الترشيح. وكذلك عرف المشروع ذوى الإعاقة، والمصريين المقيمين فى الخارج كما أوضحنا سلفا. ولم يكتف المشروع بذلك فقط، ولكنه اشترط من ضمن أوراق الترشح السيرة الذاتية للمرشح وبصفة خاصة خبراته العلمية والعملية، وأيضا بيان إذا كان مستقلا أو منتميا لحزب من الأحزاب الرسمية العاملة على الساحة. حيث اشترط المشروع أن يحتفظ كل نائب بالصفة التى تم انتخابه على أساسها، وإلا أسقطت عنه العضوية بأغلبية ثلثى أعضاء المجلس. lll وأيضا استمر المشروع على ما كان معمولا به من قبل حيث حظر ترشح أعضاء الهيئات القضائية ورجال القوات المسلحة والشرطة، وأعضاء المخابرات العامة وأعضاء الرقابة الإدارية.. وكذلك الوزراء والمحافظون، إلا إذا تقدموا باستقالاتهم من مناصبهم قبل التقدم بأوراق الترشح. وأيضا منع المشروع الجمع بين عضوية مجلس النواب وعضوية الحكومة، أو المجالس المحلية، أو منصب المحافظ. كما منع تعيين عضو مجلس النواب فى وظائف الحكومة أو القطاع العام أو قطاع الأعمال العام أو الشركات المصرية أو الأجنبية أو المنظمات الدولية أثناء مدة عضويته.. فقد انتهى عهد «المكافآت» وتسديد الفواتير!! ولكن إذا كان عضو مجلس النواب (المنتخب أو المقيد) من العاملين فى الدولة أو فى القطاعين العام وقطاع الأعمال، فعليه أن يتفرغ لعضوية المجلس - مع احتفاظه بوظيفته أو عمله - مع استمراره فى تقاضى راتبه وكل ما كان يحصل عليه من بدلات أو غيرها، أى يجوز الجمع بين ما كان يتقاضاه قبل العضوية ومكافأة عضوية المجلس وكذلك بدلاته! هذا مع اعتبار رؤساء وأعضاء مجالس إدارة الهيئات العامة وشركات القطاع العام أو العاملين فيهما.. فى إجازة مدفوعة الأجر من تاريخ الترشح حتى انتهاء الانتخابات. وكذلك لم يترك المشروع الأمر على عواهنه بالنسبة للمعينين، لقد أجاز المشروع لرئيس الجمهورية تعيين 30 عضوا لتدعيم عضوية المجلس بخبراء وأصحاب إنجازات علمية وعملية فى مجالات مختلفة، أو ممثلى فئات معينة. ولكنه اشترط شروطا معينة لمن يتم تعيينه، منها مثلا ألا يكون قد دخل الانتخابات ولم يوفق، أو يكون من الحزب الذى ينتمى إليه رئيس الجمهورية قبل انتخابه، وألا يؤدى هذا التعيين إلى تغيير وضع الأكثرية النيابية فى المجلس، وفى كل الأحوال يجب أن تتوفر فيهم شروط الصلاحية لعضوية مجلس النواب. مع ملاحظة أن هذا حق لرئيس الجمهورية يجوز له استخدامه، كما يجوز له عدم استخدامه اختصارا لعدد النواب.. الذين لن تستطيع القاعة الحالية استيعابهم إذا أخذ باقتراحات اللجنة التى وضعت مشروع القانون من حيث العدد! *** اجتهدت اللجنة وأعدت مشروع القانون، الذى يحتاج إلى كثير من النقاش المتأنى للوصول إلى صيغة تحظى بالتوافق العام.