قبل أكثر من أسبوعين أعلنت إدارة الرئيس الأمريكى أوباما عن تسليم مصر عشر طائرات أباتشى لمحاربة الإرهاب فى سيناء.. وهو ما اعتبره الكثيرون مقدمة لاستئناف المساعدات العسكرية وغير العسكرية لمصر.. والتى كانت أمريكا قد أعلنت تجميدها عقب أحداث 30 يونيو. وقبل يومين تقريبًا أعلن السيناتور «باتريك ليهى» رئيس اللجنة الغربية المشرفة على المساعدات الخارجية فى مجلس الشيوخ الأمريكى عن رفضه إرسال 650 مليون دولار كمساعدات عسكرية واقتصادية لمصر. فى نفس التوقيت تقريبًا أعلن وزير الخارجية جون كيرى أن مصر قطعت شوطًا فى خريطة المستقبل لكنه لا يزال فى حاجة لدلائل قوية على أن مصر تسير فى طريق الديمقراطية. هل دخلنا فى «متاهة» ضاع فيها المدخل والمخرج؟! والحقيقة أن هذا التناقض فى المواقف والقرارات الأمريكية يجعل المسألة تبدو كذلك.. متاهة لا نعرف أولها من آخرها ويضيع فيها المداخل والمخارج!. الحقيقة أيضًا أن كثيرين أصابتهم الحيرة ولم يعد فى إمكانهم أن يعرفوا.. هل ستستأنف الولاياتالمتحدة إرسال المساعدات العسكرية والاقتصادية لمصر والتى كانت تلتزم بها سنويًا طبقًا لبنود اتفاقية السلام أم أنها ستستمر فى تجميد هذه المساعدات؟! إذا كانت ستستمر فى التجميد.. لماذا وافقت على إرسال عشر طائرات أباتشى للجيش المصرى؟! وإذا كانت ستستأنف المساعدات المجمدة.. لماذا يعرقل الكونجرس إرسال مساعدات مالية قيمتها 650 مليون دولار كانت وزارة الدفاع الأمريكية قد طلبت إرسالها إلى مصر؟! ثم موقف أمريكا من الإخوان.. هل تخلت أمريكا عن دعمها للجماعة أم أنها لا تزال متمسكة بها؟! فى البداية وعقب أحداث 30 يونيو تعاملت الولاياتالمتحدة مع الثورة المصرية على اعتبار أنها انقلاب عسكرى.. ثم بدأت الأمور تتضح بالنسبة لها فأدركت أنها ثورة شعبية أطاحت بحكم الإخوان. وعندما أعلنت مصر أن جماعة الإخوان المسلمين جماعة إرهابية.. رفضت الولاياتالمتحدة اعتبار الجماعة كذلك.. وفى نفس الوقت تتمسك بأن تشمل العملية السياسية فى مصر كل الفصائل والأطياف السياسية.. بلا استثناء.. وهو تعبير مهذب لتمسكها بأن تستوعب العملية السياسية فى مصر.. جماعة الإخوان المسلمين؟! ويزيد الطين بلة كما يقولون ويزيد مساحة الحيرة من المواقف الأمريكية المتناقضة ما أعلنه مؤخرًا وزير الخارجية الأمريكى جون كيرى الذى قال كلامًا مشجعًا ومحبطًا فى نفس الوقت.. فهو يقول إن مصر قطعت بالفعل شوطًا لا بأس به فيما يتعلق بخريطة المستقبل وأقرت دستورًا توافقت عليه الأغلبية.. ثم يعود فيقول: حتى الآن لا أملك أدلة واضحة على أن مصر قطعت شوطًا فى طريق الديمقراطية! هل تعتبر أمريكا أن ما حدث يوم 30 يونيو ثورة أم انقلاب؟.. هل تقف مع جماعة الإخوان أم ضدهم؟.. هل تنوى استئناف مساعداتها لمصر أم تتمسك بتجميدها؟! ما هذه المتاهة.. وكيف نخرج منها؟! *** يقتضى الخروج من هذه المتاهة أن نفهم ونستوعب عدة حقائق تتعلق بالموقف الأمريكى من مصر.. والسياسة الأمريكية على وجه العموم. فى مقدمة هذه الحقائق إن الاعتبار الوحيد الذى يحرك السياسة الأمريكية هو المصلحة.. مصلحة أمريكا أولا وأخيرا.. فإذا كانت مصلحة أمريكا مع جماعة الإخوان فإنها ستستمر فى دعمهم وتأييدهم ومحاولة إدخالهم فى المعادلة السياسية المصرية بأى شكل وبأى ثمن.. وإذا رأت أمريكا أن مصلحتها ومصالحها مع الانحياز للإرادة الشعبية المصرية فسوف تتخلى بكل تأكيد عن الجماعة! والحقيقة أن الإدارة الأمريكية بدأت تدرك أن معظم حساباتها بالنسبة لجماعة الإخوان كانت خاطئة وأن مصالحها ومصلحتها فى الانحياز للشعب المصرى وليس للإخوان.. ومن ثم فإنه من السهل التنبؤ بأن السياسة الأمريكية ستشهد تصحيحًا لمسارها.. يتمثل فى عودة العلاقات المصرية الأمريكية إلى سابق عهدها والتخلى عن الإخوان.. وإن كان ذلك مرهونًا بنتائج الانتخابات فى مصر.. ليس الانتخابات الرئاسية إنما الانتخابات البرلمانية. ومعنى ذلك أن الولاياتالمتحدة تنتظر ما ستسفر عنه الانتخابات البرلمانية فى مصر لتحدد موقفها بصفة نهائية من جماعة الإخوان.. إذا كان للإخوان تواجد فى البرلمان المصرى فسوف تظل متمسكة بمد الجسور بينها وبينهم.. وإذا فشلوا فى دخول البرلمان فسوف تتخلى عنهم بصفة شبه نهائية! فى نفس الوقت فإننا لا نستطيع أن نتجاهل أن للولايات المتحدة خططها ومخططاتها.. والتى كانت تعتمد على جماعة الإخوان لتنفيذها.. ومن ثم فإنها ستحاول التمسك بإدخالهم فى المعادلة السياسية المصرية.. لعل وعسى.. لكنها بالطبع ستحاول البحث عن بدائل للإخوان إذا ثبت لها أن الجماعة لم تعد قادرة على التأثير فى المعادلة السياسية المصرية. ثم إننا لا نستطيع أن نتجاهل أيضًا أن ما يبدو متناقضًا من المواقف الأمريكية هو نتيجة الصراع السياسى الداخلى بين الحزبين الديمقراطى والجمهورى.. وكثيرًا ما يحدث أن تلجأ المعارضة (الجمهورية) إلى عرقلة مساعى وجهود الرئاسة (الديمقراطية).. ولذلك ومن الطبيعى أن تطلب الإدارة الأمريكية أحيانًا استئناف المساعدات لمصر فيعارضها نواب فى الكونجرس ينتمون للحزب الجمهورى. ولا نستطيع بعد ذلك كله أن ننكر أن أحكام الإعدام التى صدرت مؤخرًا فى حق أعضاء جماعة الإخوان كان لها تأثيرها فى عرقلة جهود الإدارة الأمريكية لاستئناف المساعدات العسكرية والاقتصادية لمصر.. صحيح أن صدور هذه الأحكام يؤكد استقلالية القضاء المصرى لكننا لا نستطيع أن نتجاهل أن لها تأثيرها وإن كان هذا التأثير سيتلاشى فور صدور أحكام نهائية.. لن تشمل بالقطع كل هذه الأعداد من المحكوم عليهم بالإعدام. باختصار إن ما نحسبه تناقضًا فى المواقف الأمريكية ليس كذلك.. وأن المتاهة التى نتصور أن ليس لها أول من آخر.. ليس كذلك! *** الشعب المصرى أجبر أمريكا على التخلى عن مخططاتها بعد 30 يونيو.. لكن المهمة لم تنته بعد.. فعليه أن يقنع أمريكا بأن جماعة الإخوان لم ولن يعود لها أى وجود سياسى فى مصر.. وفى إمكانه أن يفعل.. فى الانتخابات البرلمانية القادمة!