لاشك أن المشهد فى ليبيا الآن أكثر تعقيدًا مما نتصور والأزمة لا تقف عند عدم وجود دستور ومؤسسات دولة قوية وفاعلة بل تصل إلى عمق بنيان العقلية الليبية خاصة أن ممارسة العمل الديمقراطى فى ليبيا هو عمل جديد يحتاج إلى زمن غير بسيط لترسيخ قواعده وأصوله ومعاييره، إذ سيمر بمراحل يتخللها النجاح والفشل إلا ان البدء مؤخرًا فى خطوات خارطة الطريق يعد نجاحا للتحديات التى تواجه الدولة الليبية لعبورها إلى المستقبل. وقال هلال السنوسى: عضو نيابة النقض بالمحكمة العليا الليبية و رئيس الهيئة العليا لتطبيق معايير النزاهة و الوطنية - أن تصويت أعضاء المؤتمر الوطنى العام فى ليبيا بمجموع 146 عضوا من أصل 149 على خارطة طريق جديدة والاتفاق على تعديل الإعلان الدستورى وتغيير الحكومة خلال أسبوعين من الآن خطوة مهمة فى الطريق الصحيح.مشددا على ضرورة تمسك القوى السياسية بخارطة الطريق الجديدة وتفعيلها والتصدى لأى تحديات تحول دون تنفيذها خاصة التحدى الأمنى الذى يهدد أمن واستقرار ليبيا. وأكد السنوس على أهمية المضى قدما فى تنفيذ خارطة الطريق للخروج بليبيا من المنزلق الأمنى الخطير الذى تنحدر باتجاهه ولتسهيل مهمة القضاء على الجماعات الإرهابية والمتطرفة فى ليبيا ووقف عمليات تهريب السلاح. موضحا أن المرحلة الانتقالية الثالثة لا يجوز أن تستمر أكثر من 18 شهرا كحد أقصى خاصة أن الانتهاء من المرحلة الانتقالية يدعم جهود الدولة فى القضاء على الإرهاب. أشار السنوسى أن الهيئة التأسيسية لصياغة مشروع الدستور ستنتخب فى 20 فبراير الجارى بالإضافة إلى أن الانتخابات العامة ستجرى خلال 120 يوما من تاريخ صدور القوانين المنظمة لذلك، موضحا أن المفوضية الوطنية العليا للانتخابات ستتولى إجراء الانتخابات العامة تحت إشراف القضاء الليبى وبمراقبة الأممالمتحدة والمنظمات الدولية والإقليمية. ومن جانبه أكد د. إدريس القويضى: مدير مركز ليبيا للدراسات الاستراتيجية والمستقبلية أن تطبيق خارطة الطريق الجديدة فى ليبيا التى أقرها المؤتمر الوطنى مؤخرا على أرض الواقع تتوقف على مدى قدرة لجنة الستين على إنجاز الاستحقاق الدستورى فى مدة 120 يوما . معتبرا أن هذه المدة غير كافية أبدا لاستكمال المشاورات الوطنية حول الدستور، الأمر الذى يعنى أن المؤتمر سيستمر فى أداء مهامه لسنة مقبلة. وطالب القويضى من فقهاء القانون أن يكون الدستور المرتقب نتاج توافقات وتسويات سياسية ومفاوضات ورؤية واضحة للبناء وتحديد المسار الديمقراطى المستقبلى يتم التعبير عنها بكل وضوح حتى تلعب هذه الوثيقة دور الضامن للتنفيذ بما لها من مكانة فى النظام القانوني، وهذا لم يحدث إلى الآن. رأى مدير المركز الليبى للدراسات أن المشهد فى ليبيا الآن أكثر تعقيدًا مما نتصور والأزمة لا تقف عند عدم وجود دستور ومؤسسات دولة قوية وفاعلة بل تصل إلى عمق بنيان العقلية الليبية. موضحا أن المجتمع الليبى يعانى من أزمة فكرية عميقة و حادة تعبر عنها حالة والتشتت وانعدام مشروع التغيير التى نلمسها فى كل قطاعات الدولة. واستنكر القويضى قيام بعض المجالس المحلية بإصدار تصريحات سياسية وهى مجرد أجهزة إدارية تابعة للحكومة بالإضافة إلى أن هناك تصريحات أخرى من قبل بعض التشكيلات المسلحة وتهدد باستخدام القوة فى حال المساس بالمؤتمر. مضيفا أنه فى غضون هذه الأوضاع الساخنة فى ليبيا طالبت بعثة الأممالمتحدة بضرورة تأمينها بوحدة خاصة لحمايتها ولمساعدتها فى إجلاء موظفيها فى حالات الضرورة وذلك تحسبا لأى فراغ سياسى وأمنى فى المرحلة الراهنة.