تعد مشكلة الجنوب السودانى من أعقد المشاكل التى واجهت السودان منذ حصوله على الاستقلال، وذلك لما لها من آثار سياسية واقتصادية واجتماعية بالغة الخطورة على السودان ، وبما يهدد الوحدة الوطنية للسودان ولا تنحصر آثار مشكلة الجنوب داخل حدود السودان بل تمتد لأبعد من ذلك لتأخذ أبعادا إقليمية ودولية مما أدى إلى تدخل إثيوبيا والوساطة الإفريقية لتقريب وجهات النظر ووقف الصراع المسلح بين طرفى النزاع. وفى هذا السياق، أكد د. هانى رسلان - رئيس تحرير ملف الأهرام الاستراتيجى ورئيس وحدة دراسات السودان وحوض النيل بمركز الأهرام - أن المفاوضات الجارية بين طرفى الصراع فى جنوب السودان برعاية إثيوبيا والوساطة الإفريقية «الإيجاد» لم تسفر عن نتائج ايجابية سوى موافقة طرفى الصراع على الجلوس على مائدة الحوار لبحث سبل تقاسم السلطة ومعالجة إفرازات الأزمة الحالية ومناقشة كيفية العمل على تشكيل حكومة وفاق وطنى تمهد لانتخابات برلمانية ورئاسية حرة ونزيهة، مشيرًا إلى أنه لم يحدد موعد لانتهاء تلك المفاوضات. ويرى أن اهتمام إثيوبيا بالوصول إلى حل للأزمة يرجع لسببين: أولا لأنها تتأثر بتداعيات وتطورات الأزمة وانزلاق جارتها الغربية نحو حرب أهلية وانعكاس الوضع على إثيوبيا وقضايا المياه سواء فى الجنوب نفسه وارتباط ذلك بعنتيبى أو فى الحوض الشرقى وبخاصة سد النهضة وما يرتبط به من قضايا وتوازنات. وثانيا أن إثيوبيا تطمح للعب دور مهم فى أفريقيا بشكل عام وتجاه مشكلة الجنوب السودانى بشكل خاص. وأوضح رسلان أن ما يحدث فى جنوب السودان ليس انقلابا بالمعنى المفهوم، بل هو صراع قديم على السلطة يتجدد الآن، وهذا الصراع متصل أيضاً بالتكوين القبلى للجنوب وتناقضاته الهائلة. ويمكن إيجاز المسألة فى صراع بين سلفا كير وجماعته، حيث ينتمى سلفا إلى فرع «قوقريال» القوى فى الدينكا، بينما خصومه الحاليين يعبرون عن تحالف ضلعه الأول رياك مشار النائب السابق لسلفا كير، والذى ينتمى إلى قبيلة «النوير» وهى ثانى أكبر القبائل الجنوبية، والمعروفة بشراستها فى القتال ، والأخطر من ذلك أن أغلب بترول الجنوب يقع فى أراضيهم. وأضاف رسلان أن الجناح الثانى للتحالف المناوئ لسيلفا يضم ربييكا أرملة الراحل جون قرنق ، وبعض أبناء «ابيى» المنتمين الى الدينكا نقوك، مثل دينق الور وادوارد لينو، وفرع نقوك ضعيف من الناحية العددية والقتالية ، ولكنهم كانوا أسبق فى التعليم لقربهم من الشمال ويستمدون قوتهم السياسية من صلاتهم بالغرب ومعهم باقان آموم، وهو ينحدر من قبيلة الشلك وهى ثالث أكبر القبائل الجنوبية. وقال إنه تاريخ طويل جداً من الصراع وبحور الدم بين قبائل الجنوب، وهذا التاريخ حديث ومازال ماثلا وقد خسر الجنوبيون فى المعارك الوحشية التى نتجت عن ذلك، أكثر مما خسروه فى معاركهم مع الشمال. ويرى أن التحالفات تتغير وتتبدل ولكن تبقى القبيلة هى العامل الأكثر ثباتا فى كل المعادلة السياسية خاصة بعد الأنباء الأخيرة عن سقوط «بور» ثم «اكوبو» فى يد مشار، ثم دخول قوات أوغندية إلى جوبا، محذرا من أن الوضع فى جنوب السودان يبدو وكأنه على وشك الانفجار الشامل. وحول العلاقات المصرية بجنوب السودان، قال رسلان إن هذه العلاقة قائمة ولها أرضية خصبة بحكم دراسة معظم قيادات الجنوب فى مصر فى أوقات سابقة بالإضافة إلى مساعدات مصر للجنوب، وهى ليست كثيرة ولكنها معقولة نسبيا، مشيرًا إلى أن هناك تحديات كثيرة جدا خاصة أن مصر كطرف عربى محسوبة على شمال السودان، والجنوبيين بسبب عدائهم للشمال اضطروا للتعامل مع إسرائيل ولذلك لابد من البقاء على تواصل مع الأطراف السودانية ومراقبة الوضع بدقة، وإجراء تقديرات موقف بشكل مستمر ليس لما يحدث فى الجنوب فقط ولكن لتداعيات ذلك على بقاء دولة الجنوب من عدمه، مؤكدًا أن السودان سيكون من أكثر الدول تضررا بأزمة جارته الجنوبية، متوقعا وصول الأزمة الجنوبية إلى المناطق الحدودية بين دولتى السودان خلال الفترة القليلة المقبلة.