مصر التى كانت وستظل ناشرة الخير والعلم على جيرانها على مر التاريخ، وفضلها على الكثير لا تستحق أن تلعب أصابع المؤامرات على أرضها، وإعلامها بدلًا من أن ينور المجتمع يفوره، وبدلًا من أن يبث الوئام يشيع الخصام مما أوقع المجتمع المصرى فيما نراه ولا خروج مما نحن فيه إلا بالعودة إلى السلوك الإسلامى وكانت هذه الآراء للخروج من الأزمة. وبدأ الدكتور محمد عشماوى الباحث فى وزارة الأوقاف كلامه مؤكدًا ضرورة الوقوف على أسباب الأزمة التى نعانى منها للوصول إلى علاج، لافتا إلى أنه من أهم الأسباب للأزمة فى رأيه عدم استيعاب كل طرف للآخر، وعدم الاستماع إليه، رغم أن الإسلام ينظر إلى واقع الحياة فى كل زمن أنه يضم أطيافا من الناس ذوى الثقافات المختلفة والاتجاهات المتنوعة، فالناس يختلفون علما وجهلا، ويختلفون فى التدين وفى المعرفة. وأضاف عشماوى أن الإسلام ينظر إلى واقع المجتمع الذى اختلفت أطيافه إلى أن هذه سنة طبيعية وكونية فيقول تعالى (وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ) .. وقال بعض المفسرين إن معنى لذلك خلقهمًا فى هذه الآية أى خلقهم للاختلاف « ولولاه ما استقامت الحياة ولا استمر العيش» فالإسلام ينظر إلى الاختلاف بين الناس على أنه سنة كونية لله فى خلقه، موضحًا أنه طالما كذلك فليس بمستقبح، بل هو الأصل الذى تتفق معه الحياة فالواجب على كل مسلم أن ينظر إلى المختلفين معه على أنهم جزء من حياته لا يستطيع العيش بدونهم، مؤكدًا أن الاختلاف فى الحياة يسدد مسالكها لأن عينا واحدة لا تستجمع الصورة كاملة النظرة الأحادية نظرة عوراء لا تقوم بها الحياة وتابع الباحث فى شئون الأوقاف أن الشىء الثانى فى أسباب الأزمة، يتمثل فى طبيعة العمل السياسى، والتى تقوم بالأساس فى كل المجتمعات على المشاركة، لا المغالبة، والديمقراطيات الغربية لم تنجح إلا بهذا الأساس، بل وقديما كان النظام السياسى الإسلامى عبر كل عهود الخلفاء المسلمين يظهر فيه هذا المسلك بوضوح شديد، إذ كان الخلفاء والأمراء فى عهود الدولة الإسلامية المختلفة ينزلون إلى رأى من مخالفيهم طالما اتضح صوابه. ولفت إلى أن النبى ( صلى الله عليه وسلم ) كان سيد الناس فى هذا، وذلك من خلال الشورى التى كان ينشأها فى الدولة الوليدة، إنشاء على غير مثال سابق، مدللًا بمثال تظهر فيه تفاصيل هذا المبدأ العظيم، حيث كانت غزوة بدر نموذجا اتضحت فيه معالم هذا المبدأ فبينما كان رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) سيفتح أعمال الغزوة والترتيب لها بعد علمه بقدوم قريش، ورغبتهم فى القتال كان يقول «أشيروا على أيها الناس»، ولما استوثق من تأييدهم له وانطلق بهم فنزل فى واد قريب من «بدر»، فإذا بأحد أصحابه يقول يارسول الله أهذا منزل أنزلك الله إياه.. أم هو الرأى والحرب والمكيدة..؟ فقال له النبى: «بل هو الرأى والحرب والمكيدة»..فقل له يا رسول الله: « إذن فهذا ليس بمنزل»... وهنا تظهر صورة المعارضة التى تجيد عرض وجهة نظرها، واستطاع هذا الصحابى إقناع رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) بأن يغير مركز قيادة المعركة ومعسكر تجمع المسلمين، وأوضح د. عشماوى أن هذا المشهد كان فى المقابل له معسكر المشركين، حيث كان يظهر الاستبداد والتسلط، وعدم الالتفات إلى الآراء الأخرى.. فكان أبو جهل يقود المعركة، ولما رأى بعض المشركين أنه عازم على البقاء ومهاجمة المسلمين وتوريطهم فى معركة، انبرى له عقبة بن ربيعة وقال له: «يا أبا الحكم والله لئن قاتلنا القوم فلن نزيد إلا أن قتلنا آباءنا وأبناءنا وأخواتنا»، فسبه أبو جهل وأسكته.. وكانت هذه الممارسة توضح كيف تكون الديكتاتورية قبيحة ومدمرة. وذكر عشماوى أنه من خلال هاتين الصورتين نرى أن المسلمين بينهم الشورى ويكون وينزل رسول الله ( صلى الله عليه وسلم )، قائد المعركة إلى رأى أحد الصحابة، فكان النصر حليفهم، على المقابل استبداد أبى جهل برأيه وعدم الالتفاف للآخرين.. موضحًا أننا نرى هذا فى واقعنا السياسى وأن كثيرا من الأنظمة الحاكمة لا تستمع إلى أراء ولا نصائح الفئات الأخرى، التى غالبا ما تكون لها وجهتها، لأن النظام الحاكم غالبا ما يرى الواقع بعين وهو أحوج إلى من يشاركه، لافتا إلى أن أصحاب رسول الله كانوا يكثرون من طلب النصح من أهل الدين والرأى وأصحاب الخبرة. من جانبه، شدد الدكتور أحمد عمر هاشم عضو هيئة كبار العلماء على أننا بحاجة إلى التجرد فى أعمالنا حتى تخرج مصر من كبوتها وأزماتها، وأن تكون خالصة لله، وإعلاء المصلحة العامة على المصلحة الخاصة. وأكد أهمية شعور كل مواطن بمسئوليته تجاه هذا البلد وأن نقدر الظرف العام الذى تمر به البلاد، فالأمر يحتاج إلى نوع من استشعار الخطر وتحمل المسئولية، والتضامن بين فئات المجتمع، لافتا إلى أن الله سبحانه عز وجل يحفظ مصر بكنفه وعنايته، حيث ذكرها فى قرآن يتلى إلى يوم القيامة، بل ويرتل فى جنة العالمين.