فى خريف عام 1961 تصاعدت المخاوف الإسرائيلية فى إدارة الرئيس الأمريكى «جون كيندى»، والتى أظهرت اهتماما لحل قضية مليون لاجئ فلسطينى يعيشون فى المخيمات، فى سورياولبنان والأردن وفى الضفة الغربية وقطاع غزة. ولم يكن وضع اللاجئين المأساوى فى المخيمات الدافع للمبادرة التى طرحها «كيندى» على بن جوريون، بل ضغط الكونجرس على الإدارة الأمريكيين لأن 70% من ميزانية وكالة غوث وتشغيل اللاجئين يمولها المواطن الأمريكى. قضية اللاجئين الفلسطينيين، والتاريخ السرى لمأساة طرد الشعب الفلسطينى من وطن طرحها الدكتور «اريك إريئيل» المحاضر فى كلية عليق يزراعيل بصحيفة هآرتس ويتناول فيه خطط الترحيل للدول الأوروبية، والأرجنتين والبرازيل لتصفية قضية اللاجئين. الترانسفير أو التهجير القسرى للفلسطينيين من فلسطين بدأ يتسارع إيقاع تنفيذ مخططه فور صدور قرار الأممالمتحدة بتقسيم فلسطين إلى دولتين، إحداها فلسطينية والأخرى، إسرائيلية. وأقرت أول حكومته تشكل بعد صدور القرار القوانين والتشريعات التى تشجع على ترحيل الفلسطينيين ومصادرة أملاكهم وأرضيهم ومنع عودتهم إلى القسم الخاص بهم فى قرار التقسيم. وبالتوازى أصدرت قانون العودة والجنسية الذى يسمح بهجرة اليهود من كافة أرجاء العالم وتوطينهم فى فلسطين. وحتى أواخر عام 1948 كانت قد طردت أهالى532 مدينة وقرية فلسطينية، وبلغ عدد اللاجئين آنذاك 805 آلاف، رحلوا قسرًا إلى الدول العربية المجاورة وإلى الضفة الغربية وقطاع غزة وكان الهدف تكريس الوضع الديموجرافى جنبا إلى جنب مع الوضع الجغرافى بإقامة دولة ذات أغلبية ساحقة من اليهود. فى ديسمبر من ذات العامة صدر القرار رقم 194 من الجمعية العام للأمم المتحدة، وتنص المادة الحادية عشرة منه على السماح لمن يرغب من الفلسطينيين الذين رحلوا قسرا بالعودة إلى ديارهم والعيش بسلام مع جيرانهم الجدد اليهود ولم ينفذ القرار واعتقدوا فى إسرائيل أن قضيه اللاجئين الفلسطينيين اختفت من الوجود إذ أعلن رئيس الوزراء ديفيد بن جوريون « أن الفلسطينيين خرجوا من اللعبة» وأن قرار التقسيم، وقرار عودة اللاجئين قد ماتا ودفنا. لكن منذ نهاية سنوات الخمسينيات بدأت كرة الثلج التى انكرت إسرائيل وجودها فى التدحرج فى الاتجاه المعاكس لإدارة تل أبيب. وبعث سفير إسرائيل فى روما «الياهو ساسون» برسالة إلى وزيرة الخارجية جولدا مائير فى نهاية عام 1961 يحذر فيها من أن الوقت يعمل ضد مصلحة إسرائيل.. وأن اللاجئين خلال سنوات قليلة سيؤسسون هيئة رسمية تتحدث باسمهم فى إشارة إلى إنشاء منظمة التحرير الفلسطينية. وتزامن طرح المبادرة الجديدة لإدارة الرئيس كيندى مع موعد انعقاد مداولات دورة الجمعية العامة للأمم المتحدة ال16، وتزايد قلق إسرائيل من مبادرة كيندى وأيضاً من تراجع مكانتها فى الدورة السابقة للجمعية العامة بسبب تعنتها بشأن قضية اللاجئين الفلسطينيين. وكان السؤال المركزى المطروح للمناقشة والمداولة فىجلسة لجنة الخارجية والأمن التابعة للكنيست حول عدد اللاجئين الذين بإمكان إسرائيل أن تستوعبهم من دون تشكيل خطر على بقائها ووجودها كدولة يهودية. ففى خريف عام 1961 أصبح واضحًا عزم الإدارة الأمريكية لإيجاد حل لحوالى مليون لاجئ تزدحم بهم المخيمات فى الدول العربية. وقالت جولدا مائير فى اجتماع اللجنة إن اسرائيل ستطالب بعودة اللاجئين العجائز فقط. وأضافت أن نسبة 10% من سكان اسرائيل من الفلسطينيين. وطلبت من أعضاء اللجنة مناقشة اقتراح عودة ما بين 30/40 الف لاجئ ومعرفة القدرة والامكانيات على استيعابهم خلال ثلاثة أو أربعة أعوام. وعقدت قيادات وزارة الخارجية سلسلة اجتماعات وصفها «إريئيل» بأنها كانت سرية للغاية لبحث ما طرحته جولدا للمناقشة. وقال مدير عام الوزارة «حاييم يحيل» إن إسرائيل لا يمكنها استيعاب هذا العدد من اللاجئين خلال ثلاث أو أربع سنوات. وأن هذا يشكل خطرًا بالغا على التوازن الديموجرافى فى الدولة. وفى يوليو عام 1961 عقدت الحكومة الإسرائيلية اجتماعين تم تخصيصهما لمناقشة عدد اللاجئين الذين ستسمح بعودتهم وقال «بن جوريون» خلالهما إنه إذا وصل عدد الفلسطينيين فى إسرائيل إلى 600 ألف فإنهم سيصبحون الأغلبية فى غضون جيلين. وأضاف أن عدد سكان اسرائيل يبلغ 3.1 مليون منهم 252ألف فلسطينى يشكلون نسبة11.3% من السكان. ولم تتخذ الحكومة الاسرائيلية قرارات فى هذين الاجتماعين. ما بين عامى 1962/1963 جرت المحادثات السرية حول عودة اللاجئين الفلسطينيين بين الولاياتالمتحدة واسرائيل. وأطلق عليها تسمية المحادثات الهادئة 10، أعربت اسرائيل خلالهما عن استعدادها عودة نسبة 10% من إجمالى عدد اللاجئين الفلسطينيين فى المخيمات بالدول العربية وفق ما تحدده من معايير مثل الحالة الاجتماعية، الجدول الزمنى، والعمر. وقام الرئيس «كيندى» بتعيين الدكتور «جوزيف جونسون» مبعوثا خاصا للتشاور مع الأطراف المعنية لحل المشكلة. وكانت خطة الإدارة الأمريكية تشمل إجراء استفتاء عام بين اللاجئين. وحصر أعداد الراغبين فى العودة على أن تتم عملية إعادتهم إلى وطنهم تحت رقابة أمنية إسرائيلية.لكن الاقتراح أصاب جولدا مائير بصدمة مروعة. واسفرت الضغوط التى مارسها اللوبى الصهيونى فى واشنطن ونيويورك عن سحق مبادرة الرئيس كيندى لعودة اللاجئين الفلسطينيين. وبمعنى أدق عودة نسبة 10% منهم فقط إلى وطنهم الذى رحلوا عنه قسرا. سياسة الترانسفير من أساسيات الفكر الصهيونى فى مرحلة ما قبل اعلان قيام الدولة. وفى ذروة عمليات الإبادة الجماعية لقرى فلسطين بكامل سكانها أنشأت حكومة بن جوريون لجنة مفوضة من الحكومة برئاسة «جوزيف فاتيس» من مؤسسى «الصندوق الدائم لاسرائيل» مسئوليتها صياغة سياسة ترحيل الفلسطينيين. ومن بين توصياتها التى لم تتبنها الحكومة بشكل رسمى، كمن ظل يعمل بها، لا تزيد نسبة الفلسطينيين على 15% من سكان اسرائيل . وفى أحد اجتماعات اللجنة قال قائد الجبهة الجنوبية للجيش موشيه ديان إنه ينبغى التعامل مع 170 ألف فلسطينى مازالوا يقيمون فى البلاد وكأن مصيرهم لن يحسم بعد، وامل أن يتم ترحيلهم فى السنوات القليلة القادمة. كان من ضمن خطط اللجنة عملية الترحيل الكبرى، وتقضى بنقل الآلاف من المسيحيين من منطقة الجليل إلى الارجنتين والبرازيل. وأطلق عليها اسما سريا هو «عملية يوحنان» وقال وزير الخارجية موشية ثاريت إن بالإمكان الإعلام عن هذه الخطة على أنها مبادرة من الفلسطينيين و أنها شبيهة بهجرة المسيحيين الموارنة من لبنان. وكان مقررا أن يمولها الصندوق الدائم لإسرائيل سرا بواسطة شركة تقام فى سويسرا باسم أشخاص غير يهود. لكن افتضاح أمرها تسبب فى إلغائها. وشارك رئيس الحكومة بن جوريون ومستشاره للشئون العربية يهود شع فلمون فى إجراء الاتصالات لتنفيذ عملية «العامل» لترحيل وتوطين جزء من اللاجئين فى ألمانيا لكن وزيرة الخارجية جولدا مائير اعترضت على الخطة وقالت إن ذلك يشكل ضررًا على علاقة اسرائيل بالمانيا. باغراق المانيا باللاجئين الفلسطينيين قد يؤثر على محيطهم الألمانى، فى إشارة إلى ملايين الدولارات التى تحصل عليها اسرائيل من ألمانيا. وحاليا تشير سجلات وكالة غوث تمدت وتشغيل اللاجئين إلى أن لعدد اللاجئين الفلسطينيين خمسة ملايين مبعثرين فى 58 مخيما بالدول العربية. كل منهم ورث مفتاح داره التى طرد منها، ويطالب بحق العودة، والحق فى الوطن فى حين يعتبرهالاسرائيليون طلب حق قيد البحث، يتفاوضون فيما بينهم بشأنه منذ صدور قرار التقسيم فى 22 نوفمبر 1948.