باستثناء الثلث ساعة الأخيرة من الفيلم، يمكن أن تعتبر فيلم «هاتولى راجل» الذى كتبه «كريم فهمى» وأخرجه محمد شاكر خضير فى عمله الأول، من أفضل أفلام العام، بل إنه فيلم ذكى وساخر وجرىء، ولولا أن المؤلف ارتبك فى الجزء الأخير من العمل، لكنّا أمام عمل استثنائى ومميز، ورغم أن الفيلم يعيد معالجة فكرة تبادل المواقع بين الرجل والمرأة التى قدمتها أفلام مصرية سابقة أشهرها «الآنسة حنفى» للمخرج «فطين عبد الوهاب» و«السادة الرجال» تأليف وإخراج «رأفت الميهى»، ولكن معالجة «كريم فهمى» مميزة فعلًا، وتستحق المشاهدة رغم ما سأذكره حالًا من ملاحظات، قللت إلى حد ما من طموح العمل وأهميته. يبدأ الفيلم بحيلة ظريفة لعرض فكرة انقلاب الأدوار بين الرجل والمرأة، الخبير عزت أبو عوف يمتلك مركزًا لإعادة تأهيل الرجولة، يلجأ إليه أبطال الفيلم الثلاثة: مجدى (أحمد الفيشاوى) وعلى (شريف رمزى)، وسيف (كريم فهمى)، ولكن ماذا حدث للذكورة والرجولة حتى يعاد تأهيلها؟ الفكرة قديمة حدثت أثناء الحرب العالمية الثانية، قررت إحدى الدول الأوروبية ابتكار عقار يضاف إلى المياه، بحيث لا تنجب النساء إلا بناتًا فقط، والهدف حماية البشرية من عنف الرجال الذين أشعلوا الحروب العالمية، يصل إلينا العقار مما يؤدى إلى سيطرة الهرمونات الأنثوية، تتراجع أعداد الذكور، ومن يولد منهم يبدو ضعيفًا وخائفًا، كل المناصب الذكورية احتلتها النساء، وظهور رجل واحد يجعله مستهدفًا من النساء الكثيرات، وسط هذا المناخ العجيب، يحاول الخبير (عزت أبوعوف) الاستماع إلى مشكلة الرجال الثلاثة. يبرع «كريم فهمى» فى اختيار نماذجه، كما يبرع فى تقديم مشاهد محاكاة ساخرة تعكس الأوضاع، الرجل أصبح يعانى من استهداف المرأة له لأن المجتمع أصبح أنثويًا، يصبح هذا الانقلاب فى الحقيقة معادلًا موضوعيًا رائعًا للحديث عن مجتمعنا الذكورى الواقعى، وهكذا تحول عبارة «هاتولى راجل» التى اشتهرت على لسان أحد مشايخ الفضائيات إلى عبارة ساخرة فى المجتمع النسوى الجديد، الذى تتنازع فيها النساء على رجل من أجل التناسل واستمرار الحياة! لدينا ثلاثة أزواج من الشخصيات لكل دويتو منهما حكاية ساخرة: مجدى يعمل فى حضانة أطفال، شخصية ضعيفة وخائفة من النساء اللاتى تطاردنه فى الشوارع، يحاول أن يحافظ على جسده (تعبيرًا عن نفس النموذج النسائى الذى قدمته السينما فى أفلامها)، مخرجة إعلانات جريئة هى علياء (يسرا اللوزى) تنجح فى إغوائه (كما يحدث مع نماذج نسائية درامية سينمائية)، وترفض أن تتزوجه، لأنها لا تتزوج من يسلّم نفسه لها! الحكاية بأكملها تستوحى قصة فيلم «السلم والثعبان»، مع قلب الأدور إلى مخرجة بدلًا من مخرجا، وفتى إعلانات بدلًا من فتاة، ومعنى العلاقة السخرية اللاذعة من تفكير بعض الرجال الذين ينظرون للمرأة كوسيلة للمتعة، أما الثنائى دنيا (إيمى سمير غانم) وسيف (كريم فهمى) فهما أيضًا يستوحيان نماذج درامية مقلوبة الأدوار، «دنيا» هى العروس الجسور صاحبة التجارب التى تسيطر على زوجها سيف، وبدلًا من المشهد الشهير فى فيلم «لوعى الحب» حيث يكون سائق القطار مقتحمًا لدوسة «شادية»، فإن «دنيا» هى التى تقتحم عريسها، وهى التى تستعرض خبراتها الحميمة، وهى أيضا التى ترفض أن يعمل زوجها، بل وتختار له لون المايوه المحتشم الذى يذهب به إلى حمام السباحة، ومرة أخرى، فإن المقصود من العلاقة المقلوبة، إدانة سلوك الرجل المتزمت الديكتاتور والغيور بشكل فج فى مجتمعنا الفعلى، وليس إدانة الشخصية النسائية. فى النموذج الثالث، لدينا حالة أغرب: «على» رجل يبيع نفسه للنساء مقابل المال، إنه المعادل الموازى لشخصية العاهرة فى الدراما السينمائية، تقوده الظروف لمعرفة ضابطة شرطة قوية الشخصية اسمها هند (ميرتيس)، يخفى عنها مهنته المخزية فى مجتمع انتشرت فيه هذه الظاهرة بسبب قلة الرجال، يخوض معها عدة أخطار، يقع فى حبها حتى تكتشف حقيقته، ويتم القبض عليه بالملاءة البيضاء مثلما يحدث فى مشاهد مماثلة للمنازل المشبوهة فى الأفلام المصرية! يتم تضفير الشخصيات وحكاياتها بشكل جيد ومتماسك، وتتناثر العديد من المشاهد التى تقدم «بارودى» أو محاكاة تهكمية ساخرة لأفلام كثيرة معروفة من «مافيا» إلى فيلم «الكرنك»، ومن «تيتو» و«السادة الرجال» إلى «السلم والثعبان»، ويتم نسج مواقف كوميدية جيدة للغاية: بدلًا من الرجل الذى يتناول الفياجرا، نرى امرأة تتناول نفس الدواء المنشط، وبدلًا من أحمد السقا الذى يلقى بنفسه فى مياه الشلال تقوم الضابطة «هند» بنفس الحركة لإثبات حبها للشاب «على»، وبدلًا من بكاء المرأة لأنها «بنت بنوت» بعد إغوائها، يبكى «مجدى» بعد إغوائه مؤكدًا ل «علياء» أنه وِلْد ولود». ولكن الجزء الأخير من الفيلم يشهد ارتباكًا واضحًا، ينسى المؤلف أنه ينتقد الرجولة المزيفة فيجعل شخصياته الذكورية تتصرف وفقًا للمنطق الذكورى الذى سخر منه «مجدى» الذى يذل «علياء» من خلال ادعاء علاقة مع فتاة ما، بل ويختار فتاة عشوائيًا فى النهاية بعد أن أصبح رجلًا مُجرّبًا، و«سيف» يحضر زوجة ثانية ادعى الارتباط بها لإذلال «دنيا» التى ترضخ وتقبل كل شروطه، وكأن الحل فى إعادة السيطرة الذكورية وخلاصْ رغم انتقاد الفيلم لها، ولا يفلت من هذا المأزق سوى علاقة «على» و«هند»، التى تنتهى بتوبته عن الحرام، فتقبل الضابطة الزواج منه أخيرًا. نجح المخرج شاطر خضير فى تجربته الأولى فى تقديم مشاهد كوميدية جيدة جدًا، هبط الإيقاع فى الثلث الأخير بسبب ارتباك السيناريو، لكن كانت هناك عناصر تقنية جيدة مثل صورة «نزار شاكر» وديكور «أحمد شاكر» وموسيقى «مصطفى الحلوانى» وملابس مها بركة وخالد عبد العزيز، تألق أيضًا «أحمد الفيشاوى» و«شريف رمزى» و«إيمى سمير غانم» وميريت، ابنة الممثلة شرين، بينما كان «كريم فهمى» الممثل أقل الجميع قدرة وحضورًا ولفتًا للأنظار رغم جمال دوره!