رحمة وسلام    المشروع يوفر 13 ألف فرصة عمل واستكماله منتصف 2027    "التضامن": 54 مليار جنيه دعم تكافل وكرامة.. و4.7 مليون أسرة مستفيدة    مخاوف إسرائيلية من ضغوط ترامب للانتقال إلى المرحلة الثانية من اتفاق غزة    مسؤول روسي: موسكو تصبح مركزا رئيسيا لإنتاج المسيرات للجيش الروسي    التعادل يحسم الشوط الأول بين المقاولون العرب والطلائع    ضبط المتهمين بقيادة دراجتين ناريتين بطريقة استعراضية في الفيوم    «بيت الرسوم المتحركة» ينطلق رسميا    اشتياق.. تحذير.. شكر وتقدير    شعبة المصورين: وضع ضوابط لتغطية عزاءات الفنانين ومنع التصوير بالمقابر    بحضور مستشار رئيس الجمهورية.. تنظيم اليوم السنوي الأول لقسم الباطنة العامة بطب عين شمس    رئيس جامعة الأزهر: لدينا 107 كليات بجميع المحافظات و30 ألف طالب وافد من 120 دولة    رئيس الأساقفة سامي فوزي يرأس قداس عيد الميلاد بكاتدرائية جميع القديسين بالزمالك    كوت ديفوار ضد موزمبيق.. شوط سلبي في كأس أمم إفريقيا    رئيس الوزراء: مصر كانت بتتعاير بأزمة الإسكان قبل 2014.. وكابوس كل أسرة هتجيب شقة لابنها منين    التصدي للشائعات، ندوة مشتركة بين التعليم ومجمع إعلام الفيوم    رئيس جامعة المنصورة ونائب وزير الصحة يوقِّعان بروتوكولًا لتعزيز التطوير والابتكار    أبرد ليلة بفصل الشتاء فى ريكاتير اليوم السابع    القبض على المتهم بإنهاء حياة والدته بسبب مشغولات ذهبية بالمنيا    مدرب بنين: قدمنا أفضل مباراة لنا رغم الخسارة أمام الكونغو    بالأسماء.. مصرع شخص وإصابة 18 آخرين إثر انقلاب ميكروباص في أسوان    الكنيست الإسرائيلي يصدق بقراءة تمهيدية على تشكيل لجنة تحقيق سياسية في أحداث 7 أكتوبر    اليمن يدعو مجلس الأمن للضغط على الحوثيين للإفراج عن موظفين أمميين    السكة الحديد: تسيير الرحلة ال41 لنقل الأشقاء السودانيين ضمن مشروع العودة الطوعية    ليفربول يجتمع مع وكيل محمد صلاح لحسم مستقبله    بعد الاعتداءات.. ماذا فعل وزير التعليم لحماية الطلاب داخل المدارس؟    محافظ قنا يعقد اجتماعًا موسعًا للاستعداد لانطلاق الموجة ال28 لإزالة التعديات    تقارير: نيكولاس أوتاميندي على رادار برشلونة في الشتاء    هذا هو موعد ومكان عزاء الفنان الراحل طارق الأمير    المستشار حامد شعبان سليم يكتب عن :شكرا توتو وتوتى ..!؟    البورصة المصرية تربح 4 مليارات جنيه بختام تعاملات الأربعاء    التعاون الاقتصادي والتجاري والمباحثات العسكرية على طاولة مباحثات لافروف والشيباني    الصحة تواصل العمل على تقليل ساعات الانتظار في الرعايات والحضانات والطوارئ وخدمات 137    جامعة قناة السويس تعلن أسماء الفائزين بجائزة الأبحاث العلمية الموجهة لخدمة المجتمع    ڤاليو تعتمد الذكاء الاصطناعي لتعزيز تجربة العملاء    غدا.. استكمال محاكمة والد المتهم بقتل زميله وتقطيع جثته فى الإسماعيلية    الزراعة تحذر المواطنين من شراء اللحوم مجهولة المصدر والأسعار غير المنطقية    أمم أفريقيا 2025| شوط أول سلبي بين بوركينا فاسو وغينيا الاستوائية    النائب محمد رزق: "حياة كريمة" نموذج للتنمية الشاملة والتحول الرقمي في مصر    كوت ديفوار تواجه موزمبيق في الجولة الأولى من كأس أمم إفريقيا 2025.. التوقيت والتشكيل والقنوات الناقلة    عفت محمد عبد الوهاب: جنازة شقيقى شيعت ولا يوجد عزاء عملا بوصيته    ميناء دمياط يستقبل 76 ألف طن واردات متنوعة    هل يجوز استخدام شبكات الواى فاى بدون إذن أصحابها؟.. الإفتاء تجيب    الاتصالات: إضافة 1000 منفذ بريد جديد ونشر أكثر من 3 آلاف ماكينة صراف آلى    «أبناؤنا في أمان».. كيف نبني جسور التواصل بين المدرسة والأهل؟    تأجيل محاكمة عامل بتهمة قتل صديقه طعنًا في شبرا الخيمة للفحص النفسي    «الصحة» تعلن تقديم أكثر من 1.4 مليون خدمة طبية بمحافظة البحر الأحمر خلال 11 شهرًا    محافظ الجيزة يتابع الاستعدادات النهائية لإطلاق القافلة الطبية المجانية إلى الواحات البحرية    "البحوث الزراعية" يحصد المركز الثاني في تصنيف «سيماجو» لعام 2025    وزيرا التعليم العالي والرياضة يكرمان طلاب الجامعات الفائزين في البطولة العالمية ببرشلونة    ماريسكا: إستيفاو وديلاب جاهزان ل أستون فيلا.. وأشعر بالرضا عن المجموعة الحالية    وزير الري: الدولة المصرية لن تتهاون في صون حقوقها المائية    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الأربعاء 24-12-2025 في محافظة الأقصر    فاضل 56 يومًا.. أول أيام شهر رمضان 1447 هجريًا يوافق 19 فبراير 2026 ميلاديًا    ضياء السيد: إمام عاشور غير جاهز فنيا ومهند لاشين الأفضل أمام جنوب إفريقيا    الأوقاف: عناية الإسلام بالطفولة موضوع خطبة الجمعة    وزير الخارجية يتسلم وثائق ومستندات وخرائط تاريخية بعد ترميمها بالهيئة العامة لدار الكتب    فنزويلا: مشروع قانون يجرم مصادرة ناقلات النفط    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



«هاتولي راجل».. نكتة ضعيفة عن أشباه الرجال
نشر في إيجي برس يوم 21 - 10 - 2013

وسط العديد من الأفلام المبتذلة التي تزدحم بها دور العرض في موسم عيد الأضحى، يأتي فيلم «هاتولي راجل» كتجربة وحيدة نظيفة، بالمعني الحرفي وليس الصحفي، رغم ما يتسم به من سطحية وركاكة وقلة فكر.
صحيح أن تريلر الفيلم قام بحشد الإفيهات الجنسية والجريئة كمحاولة لجذب الجمهور، خاصة شرائح الشباب والمراهقين، إلا أن مشاهدة التجربة ككل تشعرنا أن التريلر حاول أن يلصق بالفيلم سمة الابتذال كي لا يبدو شاذًا وسط النفايات الأخرى من المحاولات السينمائية التي يطلق عليها مجازًا أفلام العيد.
نحن أمام فكرة مكررة قدمت أكثر من مرة في السينما المصرية والعالمية عن سيطرة النساء على العالم وتراجع دور الرجل، أي تيمة تبادل الأدوار والمواقع الإنسانية، وهي تيمة جيدة وعميقة لو تم تناولها من قبل كاتب لديه من الثقافة والمرجعية الاجتماعية ما يجعله يقدم عمل ذو إطار مسل وشيق، وفي نفس الوقت يمكنه من طرح بعض الأفكار الجيدة حول وضع المرأة خاصة في المجتمع الشرقي الذكوري.
ترتبط هذه التيمة في المعالجة الكوميدية بسياق من الفانتازيا الدرامية يلخصه الكاتب بشكل مدرسي جدًا في مشاهد البداية حيث يجلس عزت أبوعوف في دور طبيب تأهيل رجالي، مع الشخصيات الذكورية الثلاث الرئيسية كي يحكي لهم تاريخ نقطة التحول الرهيبة في العالم عندما قررت النساء أن تحول دون تكاثر الرجال هرمونيًا، وبالتالي تتحول المرأة من أقلية لأغلبية وتمسك بزمام العالم والبشرية.
بالطبع ما يحكيه الطبيب النفسي معروف بالنسبة للشخصيات الثلاث لأنه واقعها ولكنها يقصه علينا نحن الجمهور الأعزل من تلك المعلومات وهو بالطبع ما يعكس مستوى الكاتب المتواضع في تقديم معلوماته الأساسية في سياق سردي جيد أو راق، فما الداعي أن يحكي الطبيب لتلك الشخصيات ما تعرفه بالتأكيد عن سر سيطرة المرأة على العالم؟
يستعرض السيناريو أحداثه بعد ذلك عبر نوعين من السرد الزمني، الأول هو الفلاش باك من خلال حكايات الشباب الثلاث والذي يحكي كل عن فتاته ومشاعره تجاهها، والثاني هو الزمن الحاضر بعد أن تلقى كل منهم التأهيل النفسي اللازم كي يواجه فتاته ويعيد إصلاح وضعه كرجل.
هنا نتوقف أمام الطرح العام للفيلم، فهل تتحدث الفكرة بالفعل عن ماذا لو تبادل الرجال والنساء الأدوار في العالم أو على الأقل في مجتمع ذكوري كمجتمعنا؟
لا ننس أن لدينا تجربة عميقة وشديدة القوة في فيلم «آنساتي سيداتي» لرأفت الميهي حيث تناول نفس الفكرة وإن كانت من مدخل اجتماعي، فهو رجل يتزوج من أربعة سيدات نتيجة العنوسة فيضطر إلى أن ياخذ هو دور المرأة في حياتهن ويصبحن هن الرجل، ولكن تجربة «هاتولي راجل» تدخله من منطلق فانتازي، والعنوان بالطبع للجملة الشهيرة للشيخ محمود شعبان وهو نفسه عنوان ملتبس إذا ما نظرنا إليه على ضوء أحداث الفيلم.
إذن ما السؤال الذي يحاول الفيلم طرحه وكيف منحنا فرصة الإجابة عليه؟
في البداية يقول لنا الطبيب الذي يحكي خلفية التحول إن الرجال استغلوا قلة عددهم وطمعوا في عدد أكبر من النساء وقد رأينا هذا بالفعل في مشهد الرجل الكهل الذي يجلس وحوله عدد كبير من الفتيات صغار السن، ورأيناه في محاولة التحرش التي تحدث للشاب الخجول أحمد الفيشاوي في الشارع والذي يشكو لسائقة التاكسي أنه لا الملابس الضيقة نافعة، ولا الملابس الواسعة تحمي من التحرش، بالإضافة إلى الجملة التي يطلقها الطبيب المعالج لهم في البداية حين يقول: «مفيش على لسان كل ست إلا كلمة واحدة هاتولي راجل» وهي بالمناسبة مسألة واقعية لا علاقة لها بكثر عدد الرجل أو قلتهم.
إذن تبدو فكرة تبادل الأدوار هنا فقط مجرد إفيه مطروح لذاته، وليس كإطار عام لتقديم أي رؤية اجتماعية أو انسانية، رغم أن التيمة تؤهلنا لذلك، فكل ما فعله الكاتب أن جعل الرجال في الفيلم أقرب للمخنثين منهم للرجال الحقيقين، فأحمد الفيشاوي هو الفتاة العذراء الخجول التي يستغلها أول ذكر مجرب يقابلها مع حلمها بالتمثيل والشهرة، «هنا الذكر تمثله أنثى جامحة هي يسرا اللوزي» أما كريم فهمي فهو الفتاة المتزوجة حديثا والتي تتعرض لقهر زوجها، «هنا الزوج إيمي سمير غانم»، وفي نفس الوقت تفتح أذنيها لصديقتها / صديقه كريم محمود عبدالعزيز الذي «ينفسن» عليه لمجرد أنه تزوج قبله، ويأخذ «كريم» على عاتقه مسؤولية الإفهيات الجنسية في الفيلم خاصة عند حديثه غير المبرر عن مراحل حياة الرجل الجنسية، من المرحلة الحديدية إلى المبنية حيث يبدو أيضًا مجرد إفيه للكاتب استخدمه لزوم تسخين الحوار حتى ولو لم يكن له موضع من الإعراب الدرامي في المشهد.
أما شريف رمزي فهو العاهرة الصغيرة التي تلتقي بالضابط، «هنا ميريت ضابطة مكافحة المخدرات التي تظن أنه مجرد ممرض ابن ناس وليس من العاملين بالدعارة».
هذه هي أولى مشاكل الفيلم، أنه انساق وراء الإفيه دون أن يراعي حجم الشطحات التي يصعب السيطرة عليها حتى تصل إلى حد التناقض مع الدراما والطبيعية الإنسانية بل والاجتماعية ككل، فالقصة التي يحكها تقول إن الرجال صاروا أقلية في العالم ولكنهم لم يتحولوا إلى مخنثين، لا جنسيًا أو نفسيا، وليس معنى الأقلية أن يصبح الرجل هو الطرف الأضعف في العالم، بل على العكس لأنه سيصبح عملة نادرة الكل يريد الفوز بها أو الأستحواذ عليها، «بالمناسبة هناك فيلم يدعى «آدم والنساء» لحسن يوسف تناول تيمة شبيهة عن رجل يحتفظ بذكورته في الوقت الذي يفقدها كل رجال العالم، وبالتالي هذا ما يجعل للرجل بحسب منطق «هاتولي راجل» اليد العليا، تمامًا مثل النفوذ الأنثوي في عالمنا الواقعي عبر الجسد والجنس.
في مشهد بالفيلم نرى هاجس الخوف من الطلاق يلح على كريم فهمي في شبه حلم يقظة فيجعله ينهض كي يخدم زوجته بكل تقديس، وهو أيضًا منطق مناقض لمنطق «هاتولي راجل» فلو أن الرجال قلة والنساء كثرة فلن يعدم بطلنا امرأة تعيش تحت أقدامه لو طلق زوجته المتسلطة، ولكن السعي وراء الإفيه دون منطق أو عقل هو ما يجعل الكاتب يرفض التخلي عن أي مشهد يقدم تنويعه على الإفيه الرئيسي.
يقول «ماركيز» إن الكاتب الجيد يعرف بما يحذفه وليس بما يضيفه، وفي واقعنا فإن المرأة تخشى الطلاق لأسباب اجتماعية واقتصادية بالأساس كما أنه فعليًا وحسب الإحصاءات فإن جزء من زيادة نسبة العنوسة هو أن نسبة النساء أكبر من نسبة الرجال فواقع الفيلم ليس فانتازيًا تمامًا.
ثانيًا، لم يغير كون الرجل أقلية من صفاته الفسيولوجية، فهو يظل قادرًا على النشاط الجسدي بفحولة كيفما يريد دون أن يكون لديه مفهوم «الشرف» بالمعنى الشرقي والذي نراه في مشهد مضاجعة يسرا اللوزي لأحمد الفيشاوي بينما يقول لها «انا ولد ولود»، وهي جملة بلا معنى تأتي في مقابل «بنت بنوت»، وهي اللفظة الاجتماعية والشرقية الشهيرة الدالة على العذرية ولكنه السعي وراء الإفيه فقط.
كذلك لا يغير هذا من طبيعة العملية الجنسية بين الرجل والمرأة كما نرى في العلاقة ما بين إيمي غانم وكريم فهمي حيث تتحدث هي كالرجال على اعتبار أنها «فرهدته»، ويتحدث هو كالفتيات بالإضافة إلى اسقاط الكاتب تمامًا لفكرة العذرية التي هي شرف البنت بالمفهوم التقليدي على اعتبار أن من حق النساء في عالم يسيطرن عليه أن يمارسن الجنس كما يحلو لهن قبل الزواج تمامًا مثل الرجال في المجتمع الذكوري، وهو ما تحقق بالفعل في المجتمعات الغربية دون الشرقية لاعتبارات دينية واجتماعية كثيرة.
والسؤال هنا: هل يجوز التعامل بجدية المنطق مع طرح فانتازي الغرض منه الإضحاك والتسلية وربما بعض النقد الاجتماعي؟
الإجابة هي أجل بالطبع، لأن التيمة تحمل جانب رمزي خاصة في المستوى الفانتازي، وكما هو معروف لا يمكن للرمز أن يقدم إجابة على أي سؤال في العمل الفني لو لم يكن قابلًا للإسقاط على الواقع بمنطقية تامة تقنعنا بتطابق الشخصية في مستواها الرمزي مع مستواها الواقعي كما يقول أبانا سامي السلاموني.
هنا نصل لمشكلة الفيلم الثانية وهي أنه لم يقدم نقدًا اجتماعيًا لمشكلة المرأة في المجتمع الذكوري من خلال وضع الرجل مكانها أمام المتفرج، لقد فقد ميزة التوحد والتعاطف مع مشاكل المرأة التي من الممكن أن تثيرها التيمة داخل نفسية المتلقي الرجل تحديدًا والذي يرى رجال مثله في مواقف أنثوية ذات بعد اجتماعي وجسدي في نفس الوقت فيسأل نفسه: «ماذا لو حدث هذا بالفعل؟» وبالتالي يصبح لدى الفيلم ميزة تنويرية واجتماعية جيدة.
الأزمة أن الفيلم جنح باتجاه البارودي تاركًا أفق الفانتازيا المفتوح خاليًا بلا توظيف حقيقي أو قوي، وهو أيضًا ما يعكس ضعف الكاتب الشديد وعدم قدرته على التمييز بين الأنواع وانسياقه وراء الإفيه وليس الفكرة.
والبارودي هي المحاكاة الساخرة، وفي الفيلم نرى العديد من المشاهد التي تسخر من مشاهد لأفلام شهيرة في السينما المصرية مثل «النوم في العسل» في مشهد الضعف الجنسي الشهير بين عادل إمام وزوجته دلال عبدالعزيز والمعروف بإفيه «نضحك شوية نهزر شوية».
كذلك مشهد أخذ شرف أحمد الفيشاوي والذي يسخر من مشاهد الشرف الشهيرة في السينما المصرية، ويسخر الفيلم من تيمة العاهرة الشريفة التي تلتقي بضابط البوليس فيظن بها الخير وهي مجرد إمرأة رخيصة وذلك في علاقة شريف رمزي بميريت، وبالتالي تحول الفيلم من فانتازيا اجتماعية ساخرة إلى بارودي خفيف عن صورة المرأة في السينما المصرية من خلال تبادل الأدوار وجمل الحوار بين الرجال والنساء، وهو ما أفقد التيمة الكثير من عمقها وتأثيرها المفترض.
وأبرز دليل على فكرة السعي الأعمي وراء الإفيه أن الكاتب يتجاهل القاعدة الفقهية التي تقول إن العصمة في يد الزوجة لا تعني عدم قدرة الزوج على طلاقها، بل يعني منحها ميزة تطليق نفسها وقتما تشاء دون انتظار يمين الطلاق من الزوج، ولكن الكاتب يقدم لنا مشهد يسترحم فيه الزوج زوجته كي تطلقه لمجرد أن يضحك الجمهور دون وعي أو دراية بكون ذلك يناقض الشرع في حد ذاته.
والغريب أنه يعطي الزوج الحق الشرعي في تعدد الزوجات وهو ما يفعله كريم فهمي بالفعل أو يوهم زوجته أنه فعلها مما يمنحه إذن ميزة هائلة في عالم مليئ بالنساء، وبالتالي يهدم كل ما قدمه عن علاقة «كريم بإيمي» وتسلطها عليه وتسخيرها له كخادمة.
إن معالجة الفكرة في مجتمع شرقي ومحافظ دينيا كمجتمعنا تختلف كثيرًا عن معالجتها الأمريكية يا عزيزي الكاتب لأن ثمة اعتبارات لدينا لا يمكن إغفالها بل كان يتوجب بذل جهد في التفكير حول كيفية صياغتها في إطار الفانتازيا الكوميدية التي لا تعلم عنها الكثير للأسف.
ومن نفس المنظور من الصعب أن نتصور أن الفيشاوي سوف يعدم العثور على فتاة وأكثر بعد أن هجرته يسرا اللوزي وأخذت «شرفه» المزعوم وهو ما يحدث بالفعل في النهاية فيحول العلاقة بينهما إلى مجرد قصة حب عادية انتهت بالفشل دون أن يكون لها أي اسقاط نفسي أو اجتماعي على وضع الفتاة في العلاقة في حال ما كان الشاب أول تجربة بالنسبة لها وهكذا.
الخلاصة أن الفيلم على مستوى السيناريو مجرد نكتة ضعيفة يمكن أن تضحك عند سماعها للمرة الأولى ولكن مع تكرارها تفقد قيمتها ومنطقها وأسباب وجودها من الأساس لأنها لا تذهب بنا إلى شئ فنحن لم نر العالم تغير في ظل سيطرة النساء بل أن كل ما حدث أن المرأة تحولت إلى كائن متوحش وعنيف ومنحل مهووس بالجنس ويصطاد الرجال ويقهرهم طوال الوقت فأين هو السلام الذي تحدث عنه الطبيب أنه سيعم العالم بعد أن صارت المرأة أكثرية؟ وترى هل هذه أحد رسائل الفيلم أم أن الكاتب لا يشغل باله بتلك التفاهات الفلسفية العميقة؟
إخراجيًا حاول المخرج محمد شاكر خضير في أولى تجاربه السيطرة على النوع قدر الإمكان ولكن السيناريو لم يسعفه وقام بجره إلى مساحة البارودي بسهولة شديدة والتي يبدو أنها تحولت إلى هدف لصناع الفيلم، ورغم ذلك لم يستفد من البارودي عندما وجبت له فائدة ونقصد بذلك مشاهد الأكشن بين «ميريت» وشريف رمزي، حيث حاول أن يستعرض فيها عضلاته على مستوى التصوير والمونتاج وكأنه يقدم لنا سيرة ذاتية فربما يقبله المنتجون كمخرج أكشن في تجاربه المقبلة، وكان الأولى أن يقدم لنا تلك المشاهد بشكل ساخر مثلما أعاد تقديم مشاهد أخرى في سخرية من أصلها السينمائي كما أشرنا، وفي فقه الدراما «إذا حضر البارودي بَطُل الأكشن».
كما أن فيلم «بنات العم» لم يكن تجربة ناجحة بمقاييس كثيرة كي يضع «خضير» بعض من روحه في «هاتولي راجل» خاصة في مسألة الشعور المبالغ فيه بتخنث الرجال وحتى لو كان كريم فهمي شقيق أحمد فهمي أحد مؤلفي «بنات العم»، فكان على «خضير» كمخرج أن يتخلص من تأثير الفيلم السابق على تجربته الأولى ويكفي ما قدمه من محاكاة ساخرة لمشاهد كثيرة من السينما المصرية.
وباستنثاء «ميريت» التي تعتبر خارج السياق التمثيلي المطلوب للفيلم، رغم أنها فاجئتنا في مسلسل «الرجل العناب» في رمضان الماضي، فإن اختيارات الممثلين جيدة وكل منهم صنع بصمته الخاصة على شخصيته ووضع قناعها بدون افتعال أو ركاكة حتى كريم فهمي نفسه في أولى أدواره.
أما «ميريت» فكانت أرق مما تحتمل شخصية الضابطة القوية وبدت تجاهد طوال الوقت كي تبدو عنيفة وقاسية وصلبة ولكن حتى مخارج ألفاظها لم تسعفها فما بالنا بملامحها الشفافة الملونة ولم يكن المخرج ليعدم ممثلة تناسب الدور حتى لو كان يتطلب فتاة رقيقة المظهر قوية الجوهر لأن هناك فارق بين رقة المظهر ورهافته، و«ميريت» ممثلة رهيفة الطلعة لا تناسبها هذه الأدوار على الأقل في المرحلة الحالية.
يحسب للمخرج عدم الإسراف في استخدام الموسيقى خاصة في مشاهد البارودي لأنها كانت ستعطي انطباعًا ميلودراميًا سخيفًا وإن كان لم يتخلص من ذلك في مشاهد أخرى خاصة في الفصل الأخير عندما تفشل علاقة أشباه الرجال بالفتيات الثلات، فالتأثير المراد من الموسيقى في الفانتازايا ليس تحريك مشاعر الجمهور وتعاطفه بل السخرية من الوضع كله في إطار من الكوميديا السوداء ولكنها قلة الخبرة التي تصاحب عادة التجارب الأولى.
في النهاية تظل التجربة تحمل شيئا من الأمل في أن تقدم السينما المصرية خلال انتكاستها الحاضرة أنواعًا من الدراما خارج إطار سينما التركيبة الحالية «الراقصة والبطلجي» وأغاني المهرجانات، وليست ملاحظاتنا عليها سوى رغبة في تطوير الأسلوب وتعميق الرؤية لدى صناعه من شباب السينمائيين الجدد.

هذا المحتوى من «المصري اليوم»..


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.