«اللى يأكل من فأسه قراره من رأسه» .. هكذا يقول المثل الدارج الذى يوضح بصورة جلية حقيقة الأزمة المصرية – الأمريكية الأخيرة، فالولاياتالمتحدةالأمريكية دوما لا تجد غير المعونات مسلكا للتأثير على القرار المصري، فكلما اتخذ الجانب المصرى قرارا لا يروق للإدارة الأمريكية تعالت الأصوات الأمريكية المهددة بوقف أو إلغاء معونة «أبناء العم سام» لحلفائهم «أحفاد الفراعنة»، والغريب أنه على الرغم من تكرار هذه التهديدات لم يتخذ الجانب المصرى عبرة من التجارب السابقة، ويبدو أنه لم يستعد لهذا اليوم الذى تتخذ فيه الولايات قرارها بوقف المعونة عن مصر، عقابا لها على خروجها عن المسار المحدد لها سلفا. وفقا للأرقام الرسمية، قدر المتوسط السنوى للمعونات والمساعدات الأجنبية، التى تلقتها مصر خلال الفترة (2000 – 2010) بنحو 8 مليارات دولار، وعلى جانب المعونة الأمريكية يبلغ إجمالى من تلقته مصر من معونات ومساعدات اقتصادية خلال الفترة (1975 – 2000) نحو 24.3 مليار دولار مقسمة كالتالي: 6.7 مليار دولار فى هيئة واردات أمريكية (بضائع، ومعدات الصناعة، ومستلزمات تشغيل المشروعات)، و5.9 مليار جنيه تم ضخها لتمويل مشروعات أساسية، و4.5 مليار دولار لتنفيذ مشروعات خدمية فى قطاعات الصحة وتنظيم الأسرة والتعليم، و3.9 مليار دولار فى المعونات الغذائية، و3.3 مليار جنيه عبارة عن تحويلات لتدعيم برنامج الاصلاح الاقتصادي. تقارير رسمية ووفقا ل»وزارة التعاون الدولي»، تلقت مصر منذ عام 1948 إلى 2000 بلغ 52 مليار دولار، وأن المعونات الأمريكية التى تلقتها مصر بين عامى 2001 و2006 بلغت 11.8 مليار دولار، فيما تتلقى من المفوضية الأوربية حوالى 500 مليون يورو سنويا نصفهم تقريبا يذهب لتحديث الصناعة وتطويرها. وكشف تقرير التعاون الدولى أن إجمالى المنح والمعونات التى تتلقاها مصر سنويا من 31 مؤسسة تمويل دولية تتجاوز 7 مليار دولار، إضافة إلى مليار دولار تحصل عليها الحكومة المصرية سنويًا لدعم الديمقراطية وحقوق الإنسان ومكافحة الفساد، وأنه بذلك تصبح مصر من أكثر الدول تلقيا للمساعدات الأجنبية بموجب اتفاقيات متفردة أو جماعية. فيما ذهب دراسة اقتصادية إلى أن إجمالى ما تلقته مصر خلال الفترة (1955 – 2010) بنحو 200 مليار دولار من مختلف الجهات المانحة كمعونات ومساعدات لمشروعات البنية التحتية وللإنفاق على الجيش وفى تدريب وتنمية البشر. وكشفت أن الحكومة حصلت على 9 مليارات دولار من الدول العربية خلال الفترة من 1971 - 1979 بواقع مليار دولار كل عام، وكان ذلك بقرار من القمة العربية عام 1971 بعد وفاة الرئيس عبد الناصر، وحصلت على 50 مليار دولار من الولاياتالمتحدة بواقع مليارين و150 مليونا سنويا منذ انتظام المساعدات الأمريكية لمصر عام 1979، وإن كان هذا الرقم يتناقص بمقدار 50 مليون دولار سنويا. وأشارت الدراسة إلى أن الحكومات المتعاقبة خلال العقود المتتالية حصلت على 25 مليار دولار فى شكل مساعدات وقروض مجانية من البنك الدولى ومجموعة الصناديق والمؤسسات المالية الدولية، وحصلت على 25 مليار دولار من الاتحاد الأوروبي، و10 مليارات من اليابان، بالإضافة إلى 27 مليار دولار من الدول العربية بعد انتهاء المقاطعة العربية لمصر، إضافة إلى 50 مليار دولار خصمت من الديون الأجنبية على مصر طبقاً لاتفاقية نادى باريس، لتكون مصر بذلك حصلت على قرابة من 200 مليار دولار. حكاية معونة الأمريكان هكذا رغم تباين الأرقام إلا أنه على أقل تقدير يمكن القول بأن متوسط ما كانت تتلقاه الحكومة سنويا يقدر بنحو 8 مليارات دولار منها أقل من مليارى من الجانب الأمريكى، وبالتالى كان من الممكن وضع خطة جادة للاستغناء عن هذه المعونة لما تمثله من مساس بالسيادة الوطنية المصرية، فضلا عما تمثله من ضغوط خارجية تؤثر سلبا فى القرار الوطني. وها هى الإدارة الأمريكية تقرر مؤخرا تعليق تعليق جزء كبير من المساعدات العسكرية والاقتصادية للجانب المصري، مما أثار أزمة دبلوماسية بين البلدين. تأثيرات اقتصادية القرار الأمريكى قرار تعليق المعونات لمصر، فى رأى د. فرج عبد الفتاح، أستاذ الاقتصاد بمعهد الدراسات الأفريقية بجامعة القاهرة، لن يكون نهائيا، لكنه سيمر بعدد من المراجعات خلال الفترة القادمة، لأنها تصب فى صالح الولاياتالمتحدة أكثر من مصر. وتخفيض بند المساعدات الأجنبية بشكل عام هو توجه يدفع به الرئيس باراك أوباما فى الموازنة العامة الجديدة للولايات المتحدةالأمريكية التى أثارت أزمة عالمية، حيث شهدت النفقات فى هذه الموازنة طفرة غير مسبوقة نتيجة تضمينها نفقات برنامج الرعاية الصحية، وبالتالى كان لابد من النظر فى تقليص بنود الانفاق الأخرى التى منها بند الانفاق على المعونات والمساعدات الخارجية، وفى هذا الإطار جاء قرار تعليق المعونات الأمريكية لمصر. ووصف د. عبدالفتاح تأثير قرار خفض المعونة أو قطعها، بالضعيف على الاقتصاد المصري، لأنه يعتمد على الموارد الذاتية أكثر منها على المعونات والمنح، خاصة أن جزءا كبيرا من المعونة الأمريكية كان يعود للولايات المتحدةالأمريكية فى صورة شراء سلع عديدة على رأسها الأسلحة والمعدات والأجهزة. الاستفادة من المعونة الأمريكية منذ سبعينات القرن الماضى، كما كانت د. دينا جلال الباحثة الاقتصادية بالمركز المصرى للدراسات الاقتصادية، كانت محدودة وذلك بسبب القيود المفروضة من الولاياتالمتحدة وبعض القيود والمحددات الأخرى. وخلال الأيام الماضية ارتفع الجدل مجدداً حول المعونة الاقتصادية الأمريكية لمصر بعد تهديد بعض السياسيين الأمريكيين بقطعها بعد الأحداث الأخيرة للإخوان فى مصر، وأن وقف المعونة الاقتصادية الأمريكية سوف تكون له آثار سلبية على مصر فى المدى القريب وذلك فى ظل الوضع الاقتصادى المتدهور بعد الأحداث الأخيرة ، لكن على المدى طويل الأجل ستكون إيجابية . هناك شواهد كثيرة للعديد من الدول التى استفادت من المعونات الدولية، لكن التاريخ يطفح أيضاً بالشواهد التى تدل على أن هذه المعونات قد أفسدت البيئة الاقتصادية ولم تحقق فائدة مستدامة بل كرست روح الاعتمادية على الغير ولم تستفد منها سوى جيوب بعض المتنفذين المحليين الذين أصبحوا يمثلون طبقة اقتصادية واجتماعية جديدة ذات ارتباط بالكيانات التجارية الخارجية الكبرى، إضافة إلى إشعال النزعة الاستهلاكية وتدمير أخلاقيات العمل المنتج. النتائج الكارثية النتائج الكارثية لبعض أنواع المعونة الاقتصادية الأجنبية رأى د. جلال كانت بسبب فساد دوائر اتخاذ القرار فى الداخل وتحويل هذه المعونة من القنوات التى يمكن أن تحقق الفائدة المستدامة للاقتصاد إلى قنوات ذات صبغة ريعية محدودة الفائدة ، بمعنى أن هذه المعونة كان من الممكن توظيفها بما يعود على الاقتصاد القومى بأقصى فائدة لكن ذلك لم يحدث لأن الإرادة السياسية كانت غائبة فى الداخل ولم يكن مانحو المعونة الأجنبية أشد حرصاً من أصحاب القرار المحلى . ورأى الدكتور شريف دلاور رئيس قسم الاقتصاد بجامعة الإسكندرية، المعونة المالية الأمريكية قررت منذ إتفاقية كأمب ديفييد بين مصر والولاياتالمتحدةالأمريكية ، وكان هناك شروط لها بأنها ستخفض إلى عدة مراحل هى من مليار دولار ، إلى 450 مليون دولار ، إلى 250 مليون دولار ، إلى جانب إنها ستنتهى فى فترة من الفترات نهائياً. ولم تصبح هذه المعونة مؤثرة، وأن جزءا منها يذهب إلى الحكومة لاستكمال مشروعات البنية التحتية، وجزءًا آخر معونات للمنظمات غير الهادفة للربح ، وجزءًا آخر يذهب لمراكز الأبحاث الأمريكية التى تقوم بعمل الدراسات اللأزمة . والعائد وفقا للدكتور دلاور، من اتفاقية كالكويز أهم من تلك المعونة الأمريكية، التى « توزع ويتفرق دمها بين القبائل»، مشيراً إلى إن مصر لن تستطيع على المدىالقصير أو المتوسط أو البعيد على تلك المعونات سواء كانت من دول عربية أو أجنبية ، بدليل إن المعونات العربية التى جاءت لمصر تعتبر أكثر من 10 معونات أمريكية وغيرها . وبالنسبة للمعونة العسكرية الأمريكية فهذا موضوعاً ليس سهلاً أن تخاطر به الولاياتالمتحدةالأمريكية لأن جميع المعدات والأجهزة الخاصة بألة الحرب المصرية هى من صنع الأمريكان، فلا يمكن أن تعمل تلك المعدات بدون صيانة أو قطع غيار أمريكية الصنع. السفير جمال بيومى مساعد وزير الخارجية الأسبق وقال الولاياتالمتحدةالأمريكية تقدم لمصر مساعدات مدنية بمقدار 250 مليون دولار سنوياً ، بينما تمثل واردات مصر السنوية من الولاياتالمتحدةالأمريكية مقدار 7 مليارات دولارات أى أنها تمثل « 66 « مرة ضعف ما تقدمه أمريكا من مساعدات لمصر. وتمثل صادراتنا لأمريكا مقدار 4 مليارات دولار أى نصف ما نستورده منها ، أما بالنسبة للمساعدات العسكرية والبالغة 1.3 مليار دولار فهى تصب بالكامل فى جيب صانعة السلاح «أمريكا» ولا أتصور أن تقدم الإدارة الأمريكية على منع هذا التمويل عن صناع السلاح لديها، فضلاً عن المقامرة بأنه من المحتمل أن تغير مصر من قواتها المسلحة وتتنوع من مصادرها بما يؤثر ذلك فى منظومة التسلح بدول الشرق الأوسط والمنطقة العربية بصفة خاصة ، وهذا تأثير سلبى سيضر فى غير صالح المصالح الإستراتيجية والأمن القومى الأمريكى. التهديات بقطع المساعدات أمر، رأى بعوت لا يمثل تهديدا، لأن تلك المساعدات لا تمثل سوى 8 فى آلاف من حجم الناتج القومى المصرى. برامج سنوية المعونات الأجنبية، فى رأى د. حسن عبيد، أستاذ الاقتصاد بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية جامعة القاهرة، عبارة عن مبالغ مالية توضع فى ميزانيات الدول الكبرى المانحة فى إطار برامج سنوية ملزمة كجزء من الفائض الاقتصادى لتوسيع نطاق الأسواق فى البلدان النامية، ومن ثم فهى لها فلسفتها الخاصة، فالمعونة الأمريكية مثلا هى برنامج تعتمده الحكومة الأمريكية من الكونجرس، وتتولى وكالة التنمية الأمريكية تنفيذها، وذلك لأغراض مختلفة سواء لتوسيع نطاق الأسواق أو لأغراض الجوار كمساعداتها لبلدان أمريكا اللاتينية أو لأغراض خاصة بدفع عجلة التنمية فى بعض البلدان. وتنقسم المعونات التى تتلقاها مصر من الجانب الأمريكى إلى معونات خاصة بالبنية الأساسية كبرامج الصرف الصحى أو برنامج إنشاء محطات لتنقية مياه الشرب أو برامج انشاء محطات الطاقة، ويتم إنفاق هذه المعونات فى البرامج المتفق عليها مع الجهة المانحة للمعونة، ويكون الإنفاق عن طريق توفير الآلات اللازمة للمشروع وتدبير سبل الإنفاق على التنفيذ والخلوص إلى مشروع نهائى قائم، وغالبا ما تشترط الدولة المانحة لمثل هذه البرامج أن يتم شراء الآلات اللازمة للمشروع من منتجاتها وأن يكون الخبراء أيضا من أبنائها. ولم ينكر د. عبيد صحة ما يقال إن هذه المنح التنموية التى تقدمها البلدان باليمين تأخذها مرة أخرى بالشمال، وقال إن البلدان المانحة تقوم بتدوير هذه الأموال لصالح شركاتها الأجنبية القائمة فى هذه الدول، وبالتالى تحصل على جزء كبير منها كأرباح وكمكافآت للخبراء المشرفين، إلا أنه من الإنصاف أن نقول بأن الدولة المتلقية للمنحة فى كل الحالات هى المستفيدة، وبالتالى لا مانع من ذلك. أما النوع الثانى من المعونات، وفق د. عبيد، هى تلك التى تمنح للبلدان النامية تحت مسميات التنمية البشرية أو استثمار البشر أو منح التدريب والتعليم، وكل هذه المنح لا تعود على الاقتصاد بأى نفع اقتصادي، والله الغنى عن هذه المعونات، لأنه من الأجدى أن يتم تنفيذ مثل هذه البرامج التدريبية والتعليمية عن طريق أبناء البلد، نظرا للخصوصية الثقافية لكل مجتمع فى هذا الإطار، فلا يليق أبدا أن يوفر الاتحاد الأوربى مثلا معونة لمصر فى شكل منحة لتعليم النشء اللغة العربية، بل الأنفع أن يتعلم النشء المصرى على يد المصريين ذاتهم لأنهم هم الأجدر على تعليمه وتدريبه أيضا فى كل المجالات. لذلك كله، يجب أن تعزز الحكومات جهودها لزيادة المعونات العينية، التى يتم الاستعانة بها للنهوض والارتقاء بالمجتمع فى مختلف المجالات التنموية، مثل منح مشروعات البينة الأساسية، لكن الاستفادة من هذه المعونات يستوجب أن تكون الحكومة واضعة صوب عينيها خطة استراتيجية للاستغناء عن كل هذه المساعدات، ولا لمنح التدريب والتعليم، التى من الممكن أن تستخدم لأغراض غير اقتصادية، ولا لمنح التدريب والتعليم لمحاولة القائمين عليها خلق بيئة اجتماعية لا تتناسب والبيئة المصرية. اكتفاء ذاتى معونات الدول لمصر، كما يرى د. حمدى عبد العظيم، الرئيس الأسبق لأكاديمية السادات للعلوم الإدارية، هى بمثابة وسيلة تكميلية لنقص الاكتفاء الذاتى من السلع الضرورية، ومن ثم فهى فى إحدى صورها سلع غذائية ضرورية كالقمح وزيت الطعام وغير ذلك من السلع التموينية، هذه السلع التى يتم الحصول عليها كمساعدات ومعونات من بعض الدول المانحة الساعية وراء توسيع أسواق لها بمصر كالولاياتالمتحدةالأمريكية وغيرها من بلاد أوربا. ومشروطية هذه المعونات أمر منطقى لا يمكن الجدال حوله، فالدول المانحة فى الغالب الأعم تشترط قصر شراء ونقل وتوزيع هذه المواد الغذائية على مقدرات الدولة المانحة، فقمح الإعانة الأمريكية لا يمكن الحصول عليه إلا من السوق الأمريكية، ولا ينقل إلا على البوارج الأمريكية والعاملين على نقله من الأمريكان، وبالتالى غالبا ما يكون لهذه المعونات أهداف غير فتح الأسواق كمواجهة الكساد والحفاظ على مستوى معين للسلع بالسوق. «المعونة الأوربية» التى تحصل عليها مصر، الكلام ل» د. عبدالعظيم، تم استبدالها منذ قرابة عشرة سنوات بالمشاركة، تلك التى تعثرت مع الولاياتالمتحدةالأمريكية لأسباب وضغوط سياسية من الداخل ومن قبل إسرائيل أيضا واستبدلت هذه المشاركة المصرية – الأمريكية باتفاقية «الكويز»، التى تشترط تطبيع العلاقات الاقتصادية المصرية – الإسرائيلية كمقدمة لفتح أسواق أمريكا للبضائع الأمريكية، ولكن رغم ذلك كله يستفيد الجانب المصرى من المعونات الاقتصادية التى تضاربت أرقام الحكومة حولها لتداخلها وتقاطعها فى حالات كثيرة. لكنه من الممكن فى ذات الوقت يمكن الإستغناء عنها عن طريق توفير موارد مالية بديلة للنقد الأجنبى وحسن استغلال الموارد الاقتصادية المتوافرة حاليا، كموارد قناة السويس وناتج مزادات بيع الأراضى وحصيلة بيع شركات القطاع الخاص، إضافة إلى الموارد السيادية للاقتصاد القومي. والتفكير فى التخلص التدريجى من هذه المعونات والمساعدات، وفقا للدكتور عبدالعظيم، أمر ضرورى للغاية لأنه على الرغم من الاعلانات المتكررة والناتجة عن هذه البلدان المانحة إلا ان اعتماد الاقتصاد عليها فيه خطورة كبيرة، نظرا لعدم توافر آليات إنتظامه فإنه من الممكن أن تقطع الولاياتالمتحدة معوناتها عن مصر لأية أسباب سياسية، وقد سبق أن فعلت ذلك سابقا عندما رفضت توفير القمح المنحة لمصر عام 1965تأديبا للرئيس عبد الناصر، مما أربك الاقتصاد المصرى فى ذلك الوقت. بالإضافة إلى أن هذه المعونات فى غالبها لا تعود بالنفع الكبير على الاقتصاد خاصة تلك التى تدخل إلى مصر بعيدا عن أعين وزارة التعاون الدولى فتذهب إلى مراكز أبحاث لا دور لها سوى تجميل وجه السياسات الأمريكية أو الأوربية أو تلك الجمعيات الأهلية التى تضع على عاتقها مواجهة مشكلات لا وجود لها فى المجتمع المصرى كقضايا زنا المحارم أو خلافه من القضايا التى لا تهم المواطن العادي، الذى هو فى أمس الحاجة إلى هذه المعونات. وأرجع د. عبدالعظيم تقلص الدور التنموى لهذه الإعانات رغم ضخامة حجمها إلى أنها توجه للوزارات بعيدا عن الميزانيات، ويكون إنفاقها تابعًا فى الأساس إلى سلطة الوزير وبالتالى يذهب الجزء الغالب منها فى الضيافات والمجاملات ومكافآت الخبراء، الذين انتشروا فى وزارات مصر بشكل أصاب الجهاز الإدارى فى مصر بالشلل التام، لذلك أرى أن عصر المعونات المفيدة ولى، لأن هذه المعونات كانت تستغل فى مشروعات البنية الأساسية، والآن بدأت هذه الإعانات تحيد عن الأهداف التنموية، وبالتالى لا بد من التفكير فى سبل التعامل مع هذه المعونات بشكل يعظم الاستفادة منها، وربما يكون ذلك بانتهاج سياسة الشفافية فى إنفاق هذه المعونات وإخضاعها للرقابة كغيرها من موارد الميزانية فى الدولة، وليكن لها ميزانية تقديرية منفصلة. تقليل المساعدات وفى رأى د. محمد رئيف مسعد، أستاذ الاقتصاد الدولى بجامعة القاهرة، أن المعونات الخارجية فى الاقتصاد لا تقتصر فقط على هذه المنح والمعونات المالية فقط، بل هذا المصطلح يشمل فى داخله تلك التبرعات العينية والمالية، التى يتم تلقيها من حكومة أجنبية أو وكالة مانحة أجنبية، وربما يكون المتلقى فى هذا الصدد نظما أى دول أو منظمات أهلية، وذلك حسب ما ينظمه القانون. وبالفعل لا تصدر هذه المعونات الأجنبية عن دول فحسب، بل من الممكن أن تكون هذه المعونات والمساعدات التى تحصل عليها الدول أو المنظمات الأهلية الكائنة بها صادرة عن منظمات دولية كهيئات التمويل والتنمية المتعددة، وأهمها، هيئة التنمية الدولية التابعة للبنك الدولى، والتى توفر القروض للدول الفقيرة جدا بشروط أكثر سهولة، وكذلك مؤسسة التمويل الدولى التى تهدف للمساعدة فى التنمية الاقتصادية للبلاد الأقل تقدما بتشجيع نمو القطاع الخاص، كذلك من أنشطة البنك الدولى أيضا تقديم المعونة الفنية كدراسات الجدوى للمشروعات وإعداد خطط التنمية ورسم السياسات الاقتصادية. والتوجه السائد اليوم، كما قال د.مسعد، سواء من الكونجرس الأمريكى أو من البرلمانات الأوروبية هو التقليل من مساعدات التنمية، ومن ثم فقد تغيرت أوضاع المساعدات عما كانت عليه فى الماضى حيث ظهرت مقولة جديدة تنادى بالتجارة وليس المساعدات وأن تكون الدولة النامية شريكا وليس متلقيا، موضحا أن الطرح الجديد كما يقدم مزايا فهو أيضا يطلب مزايا فى المقابل.