انتفاضة فريدة من نوعها ضد الاحتلال الإسرائيلى تشهدها مدينة القدسالمحتلة الآن، فبعيداً عن أى معنى من معانى الديمقراطية التى تزعمها إسرائيل لنفسها من حين لآخر، صعدت إسرائيل هجمتها التى تهدف إلى محو الهوية الفلسطينية ضد المناهج التعليمية، الأمر الذى كشف عن الوجه الآخر لترسيخ فكرة شعب الله المختار المزعومة فى عقول اليهود طوال القرون الماضية، فلم يصبح مفهوماً دينياً بل أصبح مفهوماً صهيونياً سياسياً لم يهدف إلا إلى فرض هوية جاءت من عدم تدعى الهوية اليهودية لتحل محل هوية عربية أصيلة يشهد لها التاريخ وهى الهوية الفلسطينية التى بمحوها ستصبح القدس أرضا غير عربية بلا شعب . وعلى الصعيد الفلسطينى لاقت الهجمة الإسرائيلية على المناهج الفلسطينية هجمهة أشرس منها بكثير من جانب المجتمع الفلسطينى المقدسى، بالإعلان عن الإضراب الجزئى فى القدس وإصدار نشرات توعوية لجميع أولياء الأمور والطلبة والمعلمين وإدارة المدارس توضح خطورة التحريف والعبث فى المناهج الفلسطينية، كما وجهت دعوى قانونية ضد بلدية الاحتلال لمخالفتها تحت مبدأ مادة مخالفة قوانين حقوق الملكيه الفكرية بإعادة طباعة تلك المناهج بعد التحريف فيها وحذف أسس الهوية الفلسطينية من داخلها. وعلى الرغم من أن الجانب الفلسطينى إستطاع اتخاذ خطوة ايجابية أمام المخطط الإسرائيلى لمحو الهوية الفلسطينية من المناهج التعليمية إلا أنه، بدون النظر إلى الوضع نظرة تشائمية، هجوم يخشى أن يعيد التاريخ نفسه عليه مرة أخرى، فقد استطاعت إسرائيل منذ ضمها للقدس عام 1967 استهداف العقول الفلسطينية الصغيرة بالتعليم مستكملة فى هذا ما أنهاهه الانتداب البريطانى الذى شوه التعليم بالقدس فى بداياته بتعديل المناهج الفلسطينية وإلغاء القيم القومية والوطنية والدينية للمواطن الفلسطينى واستبدال الذاكرة الفلسطينية بالذاكرة اليهودية عن طريق تحديد موازنة التعليم وجعلها موازنة ضئيلة تحجم عدد المدارس والطلبة الفلسطينيين المتعلمين مما أدى إلى حرمان 67% من الأطفال الفلسطينيين من التعليم مقابل 3% فقط من اليهود مما سيؤدى إلى طمس الهوية الوطنية للشعب الفلسطينى وتوجيه الشباب إلى سوق العمل الإسرائيلى كأيد عاملة رخيصة. وقد استطاع التعليم الفلسطينى الصمود أمام هذا المخطط حينها بتأسيس الأوقاف الإسلامية التى أتت كحل فورى لإنقاذ التعليم الفلسطينى من أيدى الاحتلال، الأمر الذى جعل إسرائيل تتراجع عن مخططها لفترة وجيزة بسبب ترك الطلبة الفلسطينيين المدارس الإسرائيلية والتوجه إلى الأوقاف الفلسطينية مما جعلها تحدث تغييرا فى المناهج الأردنية التى كانت تدرس حينها وجعلت اللغة العبرية لغة أجنبية ثانية بجانب الإسرائيلية ولكن لم يستمر الأمر طويلاً ففى تقرير أصدرته حركة فتح الفلسطينية بمكتبها بالقاهرة، تم رصد مبالغ باهظة ينفقها الفلسطينيون سنوياً على التعليم تصل إلى مليون مليار دولار قيمة تكاليف الاستئجار السنوية لمدارس الأوقاف، هذا إلى جانب الضرائب التى تفرضها الحكومة الإسرائيلية ببلدية القدس مقابل أى تغييرات أو تطويرات تحدث داخل المدارس لتوفير كافة سبل الراحة للطالب الفلسطينى مثل توسيع الفصول أو وضع مظلات لحمايتهم من الشمس، مما جعل المدارس الفلسطينية تفتقر لجميع الخدمات الطبية والتعليمية المطلوبة. ورغم الدراسات الإسرائيلية التى تزعم أن المناهج الفلسطينية لا تريد إلا تسلل الدعايا الإسلامية المتطرفة فى عقول الأطفال وتجاهل مبادئ السلام والتسامح فى التعليم، استطاع الاحتلال الصهيونى أن يفرض على 28 % من الطلبة الفلسطينيين الالتحاق بالمدارس الخاصة والأهلية بالقدس ذات الأقساط الباهظة وهى المدارس التى تفرض مناهج خالية من جميع معانى القومية والوطنية الفلسطينية وتهتم بالتركيز فقط على مناهج تدعيم القومية اليهودية بإحياء الذاكرة الصهيونية وترسيخها وزرع مفاهيمها وقيمها فى عقول الطلاب الفلسطينيين مقابل حذف كل ما له علاقة بالانتماء الوطنى الفلسطينى مثل الآيات القرآنية وأبيات الشعر العربى وكل ما يتعلق بحق العودة والقضية الفلسطينية والانتفاضة.