فى هذا اليوم تتوحد القلوب والمشاعر.. ويتسابق الناس.. يلبسون أكفانهم على أجسادهم العارية.. يولون وجوههم وأفئدتهم ويرفعون أكف الضراعة إلى رافع السماء بلا عمد وباسط الأرض على ماء جمد. إنه يوم المشهد العظيم.. فى هذا المؤتمر يتخلص الحجيج من أوزار وذنوب العام كله ويسألون الغفار الستار الحليم الرحمن الرحيم أن يشملهم بواسع رحمته.. يوم لا ظل إلا ظله. فرض المولى سبحانه وتعالى على أمة الإسلام حج بيته المعمور فى العام التاسع للهجرة وهو بذلك آخر أركان الإسلام.. فقد فرضت الصلاة فى ليلة الإسراء والمعراج قبل الهجرة وتم فرض الصيام والزكاة فى العام الثانى للهجرة فى حجة الوداع انطلق النبى الكريم محمد صلى الله عليه وسلم.. من المدينة فى اليوم الخامس والعشرين من شهر ذى القعدة فى السنة العاشرة للهجرة وأحرم بالحج والعمرة من منطقة تسمى "ذى الحليقة" وخلفه أكثر من مائة ألف من المسلمين كان يقودهم بكل التواضع والبر والرحمة والمودة وفى يوم عرفات وقف سيد الخلق صلى الله عليه وسلم يخطب فى الجمع.. وتحولت كلماته إلى دستور وميثاق لكل مسلم إلى يوم الدين. كانت الجموع تتطلع إلى رسولهم المطهر المعصوم وهو يعلمهم مناسك الحج فلا رفث ولا فسوق ولا جدال "وقال لهم: خذوا عنى مناسكم.. وقد سار ركب الحج ودخل مكة وطاف طواف القدوم وسعى بين الصفا والمروة وفى يوم التروية (الثامن من ذى الحجة) توجه إلى منى فصلى بها الظهر والعصر والمغرب والعشاء وحج يوم عرفة وبعد الظهر توجه إلى عرفات وهناك ألقى إليهم بكلماته الخالدة. ..أيها الناس اسمعوا قولى فإنى لا أدرى لعلى لا ألقاكم بعد عامى هذا فى هذا الموقف أبدا. أيها الناس.. إن دماءكم وأموالكم عليكم حرام إلى أن تلقوا ربكم كحرمة يومكم هذا فى شهركم هذا وأنكم ستلقون ربكم فيسألكم عن أعمالكم فمن كانت عنده أمانة فليؤدها إلى من ائتمنه عليها وإن كان كل ربا موضوع ولكن لكم رءوس أموالكم لا تُظلمون ولا تَظلمون قضى الله أنه لا ربا وأن ربا عباس بن عبد المطلب موضوع كله وأن كل دم كان فى الجاهلية موضوع وان أول دمائكم أضع دم ابن ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب (ابن عمر النبى) وكان مسترضعا فى بنى ليث فقتلته هذيل فهو أول ما أبدأ به.. دماء الجاهلية. فى خطاب محمد صلى الله عليه وسلم التاريخى أوضح قواعد الإسلام وشرائعه هادمًا قواعد الشرك والجاهلية موضحًا تحريم المحرمات التى اتفقت جميع الشرائع السماوية على تحريمها وهى الدماء والأموال والأعراض ووضح أمور الجاهلية كلها تحت قدميه وأوصاهم بالنساء خيرا وحذرهم من الفتن. وأعقلوا أيها الناس قولى فإنى قد بلغت وقد تركت فيكم ما إن اعتصتم به لن تضلوا أبدًا كتاب الله وسنة نبيه أيها الناس اسمعوا قولى واعقلوه تعلمن أن كل مسلم أخ للمسلم وأن المسلمين أخوة فلا يحل لامرئ من مال أخيه إلا ما أعطاه عن طيب نفس منه فلا تظلمن أنفسكم اللهم هل بلغت؟ فقالوا جميعًا فى صوت واحد: اللهم نعم فقال اللهم فأشهد. المؤتمر والمتآمرون .. يحرم رسولنا صاحب الخلق العظيم دم المسلم وماله وعرضه.. فإذا بنا نرى من يخرج ليقتل أبناء بلده من رجال الجيش والشرطة ويمثل بأجسادهم فى جاهلية ما بعدها جاهلية وتكتمل حلقات الغباء بأن يفعل كل ما يفعل بحجة أنه يدافع عن الإسلام ويرفع رايته بلا خجل.. حتى اتفقت معظم الآراء على أن هؤلاء فعلوا ما يفوق أفعال الصهاينة وأعداء الدين. والعجيب أنك ترى هؤلاء الذين يرفعون أصابعهم الأربعة بعقولهم الخاوية الفارغة وأعينهم العمياء الضالة.. وقد ظهر أن الانتماء الأكبر لتنظيم القاعدة قبل الولاء للوطن الذى يأويهم ويحتضنهم ويطعنونه من الأمام والخلف جهارًا نهارًا. بل أمتد فجورهم للتهديد برفع شعارهم الأجوف العبيط فى مؤتمر الحج الأعظم يريدون إفساد اليوم المقدس الذى جعله الله سبحانه وتعالى يوم اجتماع أمة الإسلام على قلب رجل واحد فكيف نصدق هؤلاء وهم يظنون للأسف أنهم يحسنون صنعا وبئس ما يفعلونه بأهلهم.. يخرجون ويحرقون ويقتلون باسم الدين ويريدون ليوم الحج الأعظم أن يتحول إلى صدام واشتباك.. وجدال وفسوق هؤلاء ينسون أن الدين سماوى وهو تمام الصحة.. بينما آراء المسلمين شتى وتحتمل الصواب والخطأ.. الدين تسليم بالإيمان.. والرأى تسليم بالخصومة فمن جعل الدين رأيا فقد جعله خصومة ومن جعل الرأى دينا فقد جعله شريعة. فهل قنابلهم التى يرهبون بها الأبرياء فى الشوارع وعند المدارس.. دعوة جليلة للإسلام وهل الذين حملوا السلاح وأعلنوا الجهاد فى أفغانستان وباكستان والصومال والعراق ثم فى سوريا.. افلحوا فى نصرة الدين وإقامة دولة الخلافة فى عالم كافر اسمعوا إلى قول الشاعر أحمد شوقى: مضت الخلافة والإمام فهل مضى ما كان بين الله والعباد والله مانسى الشهادة حاضر فى المسلمين ولا تردد شادى والصوم باق والصلاة مقامة والحج ينشط فى عناق الحادى