لم تبالغ صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية ولم تتجمل عندما نشرت قبل أيام خريطة لتقسيم خمس دول عربية إلى 15 دويلة!! فالواقع يشير إلى أن هذا المخطط الشيطانى للتقسيم بدأ يتحقق فعلًا على الأرض.. بدءًا من العراق ومرورًا بالسودان وسوريا وليبيا حتى بعض الدول العربية الكبرى التى نراها مهددة بالتشرذم والتمزق وخطر انفراط العقد. وحتى نكون أكثر واقعية فإن أعداء الأمة يستغلون وجود أسس وأسباب تساعدهم على تحقيق مخطط التقاسيم الشيطانية، ومن هذه الأسباب الخلافات المذهبية التى تصل إلى درجة العداء الحاد بين بعض فرق الشيعة وأهل السُنّة، وما يحدث فى العراق من قتل على الهوية والانتماء المذهبى وفرز جغرافى حاد نراه فى مناطق كاملة للسُنّة وأخرى للشيعة.. كما هو الحال فى لبنان حيث الشيعة فى الجنوب والسُنّة فى الشمال.. بل إن العاصمة بيروت نفسها مقسمة على هذا الأساس. وإذا كان التقسيم المذهبى هو الوسيلة الأبرز والأخطر لتمزيق العالمين العربى والإسلامى.. فإن أحدث هذه الوسائل هو الحرب على الإرهاب التى اخترعها الغرب وساهم بقوة فى بناء هذه التنظيمات التى كانت تساعده فى محاربة الاتحاد السوفيتى السابق ثم انقلب عليها بعد انهياره وحولها إلى ما يشبه خيال المآتة أو العدو الهلامى الإسلامى! وللأسف الشديد فقد انخرطت بعض الدول الإسلامية فى هذه الحرب المزعومة.. وساهمت فيها بكل قوة.. بل إن بعضها وفّر السجون الثابتة والطائرة للعم سام.. حتى لا يقع فى محظور مخالفة القوانين الأمريكية. كما برزت أسلحة الدمار الشامل كوسيلة أخرى من وسائل التمزيق والتقسيم.. بدءًا من العراق الذى زعموا أنه يمتلك أسلحة دمار شامل.. ثم سوريا التى تنازلت كرهًا وقسرًا عن سلاحها الكيماوى.. والبقية تأتى.. فالهدف الاستراتيجى هو إضعاف الجيوش العربية والإسلامية.. والإبقاء على السيطرة والتفوق الغربى الأمريكى الإسرائيلى! وإسرائيل هى الرابح الأول والأكبر من إضعاف سوريا.. المهلهلة أصلًا والتى تحولت إلى ساحة صراع للقوى الكبرى والإقليمية، وجاء نزع سلاح سوريا الكيميائى هدية مجانية ذهبية لتل أبيب. وسائل التقسيم والتمزيق شماعة الدفاع عن حقوق الإنسان.. وللأسف الشديد لا نرى هذه الحماسة الغربية إلا عند بروز المصالح وليس المبادئ والقيم والأخلاقيات التى يتشدقون بها ولا يطبقونها، فكم تغاضت هذه الدول عن حقوق الإنسان.. بل وداست عليها بالأقدام فى كل مكان.. بدءًا من فلسطين.. أكبر جرائم العالم وليس الغرب وحده فى العصر الحديث، فالولايات المتحدة والغرب يدافع عن حقوق الإنسان عندما يتعلق الأمر بأصدافه ومصالحه الاستراتيجية.. ويتوارى صوتهم بل وربما يختفى تمامًا عندما تتعارض المبادئ مع المصالح!! وترسانة أسلحة التمزيق والتقسيم كثيرة ومتنوعة ومنها الدفاع عن حقوق الأقليات.. فالمسيحيون مضطهدون.. هكذا يزعمون.. رغم أننا نعيش فى وطن واحد منذ آلاف السنين.. وكان المسلمون أول المدافعين عن الأقباط الذين اضطهدهم الرومان.. بل إن أشقاءنا المسيحيين ينعمون بحريات وأمن وأمان يفوق ما يحظى به المسلمون فى الغرب عامة. وكم سمعنا وشاهدنا وتابعنا وقائع التجاوزات والتعديات على حقوق الأقليات المسلمة هناك.. لمجرد ارتداء زى معين أو لون أو عرق ينتمى إلى المسلمين!! ثم تأتى المرأة كواحد من «أجمل» وسائل التمزيق والتقسيم!.. والمرأة مستغلة للأسف الشديد فى كل الأغراض.. رغم أنها أكرم ما خلقه الله.. إنها مهانة فى الغرب كوسيلة للابتزاز الجنسى والاستعباد العملى.. وكأداة للاستخبارات وجلب المال.. إلخ، ولكنهم يستغلونها فى العالم العربى والإسلامى كوسيلة من وسائل التدخل السافر وإشاعة الفوضى والانحلال الخلقى.. وليس دفاعًا عن كرامة المرأة وتكريمها كأم وأخت وابنة وزوجة.. إلخ.. إذًا يتم استغلال المرأة ليس حبًا فى المرأة أو دفاعًا عنها أو تقديرًا لها.. بل كأداة من أدوات الصراع والحرب الضروس الممتدة عبر القرون، وللأسف الشديد تنساق بعض الجماعات المدافعات عن حقوق المرأة وراء هذه الدعاوى الغربية الباطلة.. وتوفر لها وسائل للتدخل فى الشئون الداخلية للدول. وعندما نستعرض خريطة العالمين العربى والإسلامى.. نلاحظ أن أغلب هذه الدول لم تكن مقسمة جغرافيًا أو سياسيًا أو دينيًا أو حتى مذهبيًا.. بل كان هناك نوع من التواصل الجغرافى القبلى الديموغرافى الطبيعى.. لم تكن هناك حدود أو قيود على حركة البشر والدواب.. وكانت القبائل تنتقل فى ملك الله.. بمنتهى الحرية.. ثم جاء الحكام والمستعمرون ليقسموا ويمزقوا ويقطعوا أوصال الأمم ويستغلوا ثرواتها.. ويستعبدوا شعوبها.. بل ويقهروا إرادتها ويفرضوا عليها أنماطًا ثقافية وحضارية وسلوكية لا تتناسب معها، ولا يدرك هؤلاء أو يتناسون أن طبيعة البشر هى الاختلاف.. وأن سُنّة الحياة تقتضى التنوع والتمايز بين الأمم والشعوب چ ? ? ? ? ? ?چ صدق الله العظيم. وإذا كان الاستعمار القديم قد ساهم فى هذا التقسيم والتمزيق.. فإن الاستعمار الحديث يواصل ذات المهمة بوسائل جديدة: إعلامية وثقافية واقتصادية أيضًا. فالإعلام يقوم بدور أخطر فى تكريس التقسيم الدينى والمذهبى والعرقى، وكلنا يشاهد القنوات الشيعية والسنية والمسيحية.. تطل علينا ليل نهار تبث سموم الفرقة والخلاف والتعصب للأسف الشديد، فتدمر هوية الأمة وتزرع بذور التشتت والكراهية والعداء، كما تحولت الثقافة إلى ساحات للصراع الفكرى والأيديولوجى، الكل يستعرض مهاراته وحضاراته وأفكاره باعتبارها النموذج الأسمى والأفضل والأحق بالاتباع!! بل أن آليات المؤسسات الاقتصادية والتجارية الدولية تعكس هذا الانقسام والسيطرة على مناصبها معروفة ومحددة مسبقًا.. فقيادة صندوق النقد أو البنك الدولى - على سبيل المثال - حكر تقريبًا على العالم الغربى.. ولا يسمح للعرب والمسلمين بالاقتراب من هذه المناصب المحجوزة مسبقًا لعلية القوم الغربيين أو حلفائهم الشرقيين!. ? ? ? وحتى نفسد هذا المخطط الشيطانى لتقسيم عالمنا العربى الإسلامى - ومصر ليست بعيدة عنه بل فى القلب منه وهدفه الرئيسى - حتى نفسده يجب أن نبدأ بإعادة بناء وترتيب البيوت والديار العربية من الداخل، كل قطر يعمل على تنظيم أوضاعه ورص صفوفه وحل مشاكله.. حتى يستطيع مواجهة طوفان التقسيم الآن.. وليس بعد فوات الأوان، ثم نعيد بناء النظام العربى على أسس جديدة تقوم على التكافؤ والندية والاحترام المتبادل والمصالح المشتركة.. وما أكثرها. نحن بحاجة أيضًا إلى زعامة جديدة قادرة على تجميع العالم العربى الممزق الذى يكاد يضيع تحت ضغط المؤامرات والخطط الشيطانية الرهيبة لتقسيمه وتمزيقه، وقد يرى البعض أن زمن الزعامات الكاريزمية السوبر قد انتهى وأننا نكاد نعانى من فقر فى الزعامات القادرة على انتشال الأمة من هذه الهاوية السحيقة.. ولكن إمكانية بناء نظام داخلى قوى فى كل دولة عربية ثم نظام عربى جديد متماسك قد يكون البديل الوحيد للنجاه من شباك المتآمرين.