أصبحت المطالبة بالعدالة الاجتماعية ورفع الظلم ووضع حد للبطالة والحياة الكريمة، تهمة يسوقها نظام البشير ضد البسطاء من أبناء الشعب السودانى بأنهم لصوص ومخربون. إن الشعب السودانى عندما يخرج إلى الشارع فلأنه يطالب بحقه المشروع فى أن يعيش بكرامة وحرية، وعلى الحكومة أن تستجيبب لمطالبه، لا أن تتحول إلى طلقات رصاص فى صدره أو سجون تفتح لاعتقاله. وكانت الحكومة قد بدأت فى الرابع والعشرين من سبتمبر الماضى إجراءات اقتصادية جديدة شملت رفع الدعم عن المحروقات وزيادات فى الضرائب والجمارك رغم اعترافها بصعوبتها ورفضها من المواطنين. ويوم الجمعة قبل الماضية نزل آلاف السودانيين بكثافة إلى الشوارع للتعبير عن غضبهم من الإجراءات الحكومية بزيادة أسعار المحروقات متحدين الإجراءات الأمنية والعسكرية المشددة. وبينما اختار نشطاء تسمية تظاهرات الجمعة ب «جمعة الهوت دوج» ردًا على تصريح للرئيس عمر البشير». وأفاد الشهود بأن الآلاف خرجوا من المساجد من مختلف الأحياء بعد صلاة الجمعة وأن الشرطة استخدمت الرصاص الحى والغاز المسيل للدموع، ومن هتافات المتظاهرين «لا لا للغلاء.. ثورتنا سلمية»، «الشعب يريد إسقاط النظام»، «حرية سلام وعدالة الثورة خيار الشعب». ويشهد السودان منذ العام الماضى تظاهرات بين الحين والآخر ضد النظام. ومن جانبها أكدت السلطات السودانية تمسكها بقرار زيادة أسعار الوقود فى أول رد فعل على الاحتجاجات العنيفة. كما تواصلت حملة الاعتقالات بين النشطاء والقادة السياسيين، وتقدر أعدادهم بالمئات، وأكدت الهيئة السودانية للدفاع عن الحقوق والحريات ارتفاع أعداد المعتقلين وقالت إن عددهم تجاوز الألف معتقل. هذا وتنكر سلطات الأمن أنها من تسبب فى مقتل المتظاهرين وتتهم جهات مجهولة بتنفيذ عمليات القتل فى الوقت الذى تمنع فيه الإعلام من دخول المستشفيات لإحصاء القتلى والجرحى. وتمنع مديرى المستشفيات من الإدلاء بأى معلومات عن أرقام وحالة الضحايا. تنسيقية التغيير من جانبها أعلنت «القوى الثورية» فى السودان تأسيس «تنسيقية التغيير» وأكدت فى بيانها الأول أن الثورة السودانية مستمرة ولا عودة للوراء، وأوضح البيان «ضرورة أن تجمع كل الجهود لمواصلة هذه الانتفاضة إلى نهايتها، فقد اجتمعنا لتكوين تنسيقية لقوى التغيير من التجمعات الآتية: تحالف شباب الثورة السودانية، قوى الإجماع الوطنى، النقابات المهنية، وتحالف منظمات المجتمع المدنى». وترفع التنسيقية شعارات «تنحى النظام فورًا وحل كل أجهزته التنفيذية والتشريعية، وتكوين حكومة انتقالية تضم كل أطياف الشعب السودانى تتولى إدارة البلاد لمرحلة انتقالية مقبلة، والمحاسبة والقصاص لكل من شارك فى جرائم القمع والتعذيب والقتل فى حق أبناء الشعب السودانى، ووضع الأسس للسلام المستدام عبر عملية مصالحة وطنية شاملة. إضراب الصحفيين ونظم عشرات الصحفيين فى الخرطوم إضرابًا عن العمل، احتجاجًا على القمع الذى يمارسه النظام على الصحفيين والصحافة. وقال بيان صحفى أصدرته شبكة الصحفيين السودانيين: «لم يعد الصمت ممكنًا لاسيما فى ظل المنعطف غير المسبوق الذى تمر به البلاد فى أعقاب التظاهرات الجماهيرية التى اندلعت وانتظمت مدن البلاد كافة التى صاحبتها إجراءات حكومية أمنية تهدف للتعتيم الإعلامى على أخبار القتل والوحشية التى تواجه بها أجهزة الأمن التظاهرات، والرقابة على النشر التى فرضها الأمن على رؤساء التحرير والصحف». الخروج للشارع وفى تطور ملحوظ دعا حزب الأمة القومى بقيادة الصادق المهدى فى بيان، القوى السياسية للخروج للشارع واللحاق بالجماهير حتى يتحقق النصر. ويعد هذا البيان أقوى موقف يتخذه الحزب الكبير، الذى يتهم معارضون مواقفه بأنها موالية للنظام، بينما يصر حزب الأمة على أنه يعارض النظام وفقًا لرؤيته الخاصة. وصرح الحزب الشيوعى فى بيان آخر، بأن القمع المفرط والأكاذيب لن تقود إلى قمع الانتفاضة التى أصبحت تتنامى وتسير حثيثًا على طريق الإضراب السياسى والعصيان المدنى لإسقاط النظام. إلقاء التهم من جهته نفى رئيس المكتب الإعلامى للسفارة المصرية بالخرطوم المستشار عبدالرحمن ناصف، صحة ما أثاره خطيب مسجد الخرطوم الكبير الشيخ كمال رزق، بشأن حضور السفير المصرى بالخرطوم عبدالغفار الديب، إحدى الندوات التى نظمها حزب الأمة القومى وربط ذلك بالأحداث التى يشهدها السودان حاليًا. وأكد ناصف أن الندوة المشار إليها عقدت بمنزل الصادق المهدى رئيس حزب الأمة وحضرها القنصل العام المصرى بالخرطوم المستشار معتز مصطفى كامل، بناء على دعوة مسبقة من جانب منتدى الصحافة والسياسة. وكان خطيب مسجد الخرطوم قد انتقد حركة السفراء الأجانب فى الخرطوم دون قيود أو ضوابط، مطالبًا الحكومة بأن تكون تحركات السفراء بعلم الحكومة وموافقتها. قلق أممى وكانت المفوضة السامية لحقوق الإنسان بالأمم المتحدة نافى بيلاى قد أعربت فى بيان لها، عن قلقها البالغ إزاء تقارير تفيد بوقوع عدد كببر من القتلى خلال الاحتجاجات والتظاهرات فى السودان. وأضافت أن «التقارير أشارت إلى أن قوات الأمن قد استخدمت القوة المفرطة فى قمع الاحتجاجات، كما أن هناك مزاعم بأن رجال أمن أطلقوا الذخيرة الحية على بعض المتظاهرين وقاموا بضرب آخرين، وحثت المسئولين عن تنفيذ القانون فى السودان بإظهار أقصى درجات ضبط النفس والتأكد من الالتزام فى جميع الأوقات بالالتزامات الدولية لحقوق الإنسان والمعايير الدولية فى الحفاظ على الأمن». كما انتقدت الولاياتالمتحدة على لسان المتحدثة باسم الخارجية الأمريكية «القمع الوحشى» وغير المتناسب للتظاهرات المناهضة للحكومة فى السودان، والذى أوقع عشرات القتلى. وطالبت الخرطوم ب «توفير المناخ السياسى اللازم لإجراء حوار بنّاء مع الشعب السودانى بشأن التحديات الاقتصادية والسياسية التى يواجهها بلدهم».