مرة أخرى يصدم علاء عبد الفتاح المجتمع بآرائه المتطرفة، والحقيقة أن الصدمة لم تأت هذه المرة فقط من كلام عبد الفتاح ولكن من تأويل وقراءة الصحافة لكلامه حول الدستور وقد وضعت الصحافة عناوين لهذا الكلام مثل: «علاء عبد الفتاح يطالب بدستور يحمى الشواذ والملحدين وحقوق الإرهابيين» والعنوان لا شك مثير ومغر على القراءة وتعليق القراء على الخبر بصب اللعنات على عبد الفتاح وسبه بأقذع الشتائم ونعته بصفات قبيحة ، ولم يقتصر الأمر على عبدالفتاح فقط ولكن طال أسماء أخرى ضمتها لجنة الخمسين التى تضع الدستور الجديد أو تعدل دستور ?لإخوان (حسب المسمى المتعارف عليه لعمل اللجنة) اعتراضا على أصحاب هذه الأسماء الذين تنقصهم الخبرة اللازمة للعمل الموكل إليهم أو تتصادم أفكارهم وقيمهم مع القيم المقبولة للمجتمع المصرى. (1) على صفحته ب «الفيسبوك» كتب علاء عبد الفتاح: «الدستور اللى مبيحميش حرية العرى والشذوذ والإلحاد مبيحميش أى حريات خاصة، والدستور اللى مبيحميش حرية التنظيم السرى وحرية السعى لقلب نظام الحكم وحرية التبشير بالعرى والشذوذ والإلحاد مبيحميش أى حريات عامة. الدستور اللى مبيحميش الحقوق الأساسية للإرهابيين والبلطجية والخونة والعملاء وشمّامى الكُلّة مبيحميش أى حقوق لأى إنسان. الحريات والحقوق يا أما مطلقة يا أما السلطة دائمًا فى طريقها لأنها تبقى مطلقة.» واختتم عبد الفتاح كلامه قائلا: «لما يبقى عندكم استعداد تتخانقوا الخناقات دى نبقى نتكلم فى الدستور، غير كده يبقى بنضيع وقتنا فى معركة هنطلع منها دائمًا خاسرين». هذا كلام عبد الفتاح وهو - بالفعل - كلام مغر على الغضب، غضب أصحاب القيم الدنية والإنسانية والساعين إليها ، فهل يكفى أن نغضب ونسب ونلعن ونتجاوز مثل هذه الدعوات وهذا الكلام ولا نتوقف عنده بقليل من التفكير والبحث لننتقل إلى شأن آخر كما ينصح البعض: «لو مش عجباك القناة الريموت فى إيدك ؟!». سؤال آخر: هل صاحب هذا الكلام شخص شاذ يطلب من المجتمع أن يعترف له بالشذوذ ويسمح له بممارسته تحت الحماية القانونية.. ويطلب ذلك أيضا للبلطجية والإرهابيين والخونة والعملاء ؟! سؤال ثالث أو رابع: هل صاحب هذا الكلام شخص طبيعى وذو حيثية فى المجتمع حتى تتوقف الصحف ووسائل الإعلام عند كلامه وتنقله لنا فيثير هذا الاهتمام واللغط ؟! والسؤال الأهم: هل فهمنا ما وراء كلام عبد الفتاح أم اكتفينا بالتعبير عن الغضب والسب واللعن على ظاهره إهمالا منا أو كسل ذهنى أو عدم إدراك بأن ما وراء الكلام أخطر من الكلام نفسه؟! (2) إليكم الإجابات: أما أن كلام عبد الفتاح كلام خطير ويستحق التوقف عنده فهذه حقيقة - دون تهويل أو تهوين – وأما أن نفهم من ظاهر الكلام أن صاحبه يطلب حرية الشذوذ وحماية البلطجية والعملاء، فهذا ما لم يقله عبدالفتاح هذا المدون الذى عرفه رواد الإنترنت قبل ثورة يناير 2011 بعدة سنوات من خلال المدونة التى جمعته هو وزوجته وحملت اسم «منال وعلاء»، هذه المدونة الصادمة فكريًا واجتماعيًا ، والتى مثلت منذ انطلاقها صوتا متطرفًا للتمرد على كل التابوهات المجتمعية (الجنس والدين والسياسة) حين تعاملت مع هذه التابوهات بدون تحفظ أو حسابات أو حياء س?اء على مستوى الشكل أو المضمون ، الأفكار أو الألفاظ، وأتذكر أننى قرأت قبل عدة سنوات على هذه المدونة لمنال زوجة عبدالفتاح تجربة عاشتها على متن طائرة كانت مسافرة عليها وحكت فيها بالتفاصيل كيف كان جارها فى المقعد يمارس العادة السرية وعبّرت عن هذا بألفاظ يستخدمها أولاد الشوارع فى وصف هذه الأفعال،وتملكتنى الدهشة : ماذا يفيد هذا اللغو المقزز؟! وجاءت ثورة يناير وعلى خلفية أحدثها تم تقديم علاء عبد الفتاح إعلاميا وساهمت فى هذا الميديا الغربية التى احتفت به وبمن مثله من المدونين والناشطين وكلهم قاوموا السلطة ووقفوا ض?ها،وهو الأمر الذى استمر بعد الثورة ، أقصد معارضة هؤلاء الناشطين لأى سلطة وكل سلطة، وأتذكر أيضًا هذا المشهد العنيف الذى تم بثه وتداوله على اليوتيوب ضمن أحداث ماسبيرو التى قتل فيها عدد كبير من المصريين سواء من الأقباط أو جنود الجيش ، وفهم الجميع فيما بعد أن هذه المذبحة تستهدف بشكل أساسى إحراج المجلس العسكرى الذى كان يحكم الفترة الانتقالية الأولى بعد الثورة ، وهكذا أصبح علاء عبد الفتاح شخصًا مثيرًا للجدل على مستوى الأفكار والأفعال والأقوال. (3) ماذا يريد علاء عبد الفتاح بالضبط ؟! يريد الحريات والحقوق المطلقة ويضع فى مقابلها السلطة المطلقة، ولنعد لقراءة ما كتبه فى ال «ستتوس» المشار إليه: «الحريات والحقوق يا أما مطلقة يا أما السلطة دائمًا فى طريقها لأنها تبقى مطلقة» ومثل هذا الفكر ليس خاصًا بعلاء عبد الفتاح ولكن هناك فى المجتمع من يعتنقه ويبشر به وينظّر له ويطرحه بديلا لأيديولوجيات بل وشرائع سماوية، وهذا الفكر الذى نقصده يعرف اصطلاحًا ب «الأناركية» وهى أيديولوجية مستوردة تدعو وتأسس للتمرد على السلطة، كل سلطة وأى سلطة، تحت إغراء الحرية.. الحرية ال?طلقة التى ترفض تقييد السلطات، سلطة الأبوين، والدولة، والدين، والأعراف، والأخلاق كما تعارف عليها المجتمع.. ولا يقف الأمر عند التبشير بهذا ولكن اتهام من يرفض أو يقاوم هذا الفكر اللا سلطوى الفوضوى بأنه عبد للسلطة ورضيع يرفض الفطام ومقهور اعتاد القهر. والأناركيون يطرحون طرحا مشوشا بديلًا للدولة يقولون عنه : المجتمع المنظم ذاتيًا الحاكم بنفسه لنفسه (!!) والأناركيون حين يطرحون هذا ينسفون فكرتهم من الأساس فالمجتمع المنظم يحتاج إلى قرارات ، والقرارات تستلزم سلطة تتخذ هذه القرارات ويكون المعنى أننا عدنا إلى البدايات الأولى الساذجة لفكرة الدولة التى هى التجلى الأوضح لتطور الفكر السياسى والمجتمع البشرى المنظم فهل يريد الفوضويون حقًا أن يعودوا بهذا المجتمع للعصور الأولى.. عصور الغاب؟! ليست هذه القصة ولكنها فقط عناوينها وما وراء الأكمة شىء آخر. (4) على المستوى السياسى الأناركية تهدم الدولة، وتنظيماتها التى تبدأ بالأسرة الخلية البشرية الأولى، وعلى المستوى العقيدى تهدم الأديان وشرائعها وعلى المستوى الأخلاقى القيم الإيجابية ، فالأناركى تحكمه ثقافة اللذة وتسيّره فى الحياة غريزته فهو حر يفعل ما يشاء وقتما يشاء لا تحده سلطة إلا عدم الاعتداء على حرية الآخرين التى لن يستطيع فى هذه الحالة تقديرها، وفى حضارة الغرب تجد فى الواقع المعاش ترجمة لمثل هذه الأفكار فى الممارسة الحياتية أيضًا بدعوى الحرية، هذه القيمة التى منحها الله للإنسان لتقوده إلى الجنة فحولها الأن?ركيون إلى حفرة للنار؟! والذى يجب أن نعيه هنا هو أن مثل هذه الأفكار الشيطانية الهدامة لم تغادر البشرية منذ أن خلق الله آدم وأنها سوف تبقى أيضا إلى يوم القيامة، وأن مواجهتها لا يكون بالسباب واللعن أو التجاهل ودفن الرأس فى الرمال ولكن بنقدها ودحضها فهى فى ذاتها تحمل عوامل النقض والهدم. ولا أخشى ولا أعتقد أنك تخشى أن تضع لجنة الخمسين التى تمارس عملها الآن دستورا يسمح للشواذ بممارسة شذوذهم الجسدى أو الفكرى أو العقيدى تحت حماسة القانون لكن أخشى ما أخشاه أن تفلت كلمة أو عبارة تؤسس لهذا فى المستقبل، بدعوى محاربة الدولة الدينية ،والذين يضعون الدستور يفهمون ذلك جيدًا وأثق أن الأغلبية المطلقة للجنة الخمسين لا تتبنى ولا تعترف بمثل هذه الأفكار أو الأقوال الشاذة.