الاناركية كلمة يونانية تتكون من مقطعين: “أنا”، و”آركي”، حيث كلمة “أنا” تعني “دون”، وكلمة “آركي” معناها “رئيس” او “سلطة”، اي هي الفكرة الداعية الى مجتمع “دون رؤساء” او “دون سلطة”. لذا، فالاناركية في التحليل الاخير هي اسم اصطلح على اطلاقه على تلاوين شتى من تيار عريض من تيارات الحركة الاشتراكية الحديثة، نشأ من رحم الثورة الفرنسية الكبرى (1789 – 1815) التي كانت اهم العلامات الفارقة على اجتياح وسيادة النظام الرأسمالي مجتمعات الغرب بداية ثم توسعه وانتشاره حتى شمل مجتمعات الكوكب كله تقريبا. تفترض معظم بيانات تاريخ الأناركية أنها كانت مماثلة جوهريا للماركسية: برزت الأناركية كبنات أفكار لعدد معين من مفكري القرن التاسع عشر (برودون، وباكونين، وكروبتكين…)، واستمرت حينئذ في الهام منظمات الطبقة العاملة، والمضطهدين اجتماعيا، ودخلت في نسيج النضالات السياسية وانقسمت إلى شيعارتفعت راية الاناركية وسط اهم احداث التمرد الاجتماعي في تاريخ الغرب الحديث: من كوميونة باريس1871، وعبر الثورة الروسية 1917، الى الحرب الاهلية الاسبانية 1936-1939.
في كل عصر ومع كل مجتمع، تتغير ملامح الاناركية ويتغير وجودها المادي، “…حتى ان الاناركية الان كفكرة، وكأخلاقيات للممارسة العملية – قد تطورت لتصبح فكرة بناء مجتمع جديد 'من داخل قشرة القديم‘” . ومع ذلك، فالاناركية دون شك هي فكرة من اكثر الافكار التي ساء تصويرها في النظرية السياسية حيث يرفض الاناركيون القبول بفكرة ان تحتكر قلة من افراد المجتمع ايا كانت مبررات وجود هذه القلة امتيازات يترتب عليها حصولهم على منافع وفوائد لا تنعم بها الاغلبية. ويرون ان هذا الاحتكار سوف يمكن هذه القلة من تملك سلطة اتخاذ القرار في مختلف اوجه المعيشة على حساب مصلحة الاغلبية.
على ان كلمة “الاناركية” في معظم اللغات الاوروبية، فضلا عن كونها اسم لهذه المدرسة من الاشتراكية، فهي تستخدم لغويا ايضا بمعنى “الفوضى”. او، على حد تعبير اريكو مالاتيستا : “حيث ان المعتقد الشائع هو ان الحكومة امر ضروري وانه دون حكومات لا يمكن وجود سوى الفوضى والاضطراب، من الطبيعي والمنطقي ان الاناركية، والتي تعني غياب الحكومة، يجب ان تعني غياب النظام العام" .
وعند ترجمة الصحافة السياسية العربية لهذا المصطلح السياسي حول بدايات القرن العشرين، لم تستعمل هذه الصحافة المصطلح السياسي – الاناركية – ولكنها استخدمت الاستعمال اللغوي الاوروبي الشائع للكلمة، “الفوضى”، واشتقت منه اسما للحركة – “الفوضوية”. ولهذا اصبح من الطبيعي ان تشتق اسما للداعين لها وهو “الفوضويون” اي الداعون الى الفوضى وشريعة الغاب. وهكذا اتفق الشرق والغرب على امر وهما نادرا ما يتفقان.
فالأناركية مقارنة بحجم إنتشارها المحدود تعتبر أكثر التيارات السياسية تعرضا للهجوم و التشويه و يعد الإتهام بممارسة العنف أكثر الإتهامات الكاذبة شيوعا عن الأناركيين رغم أن الحقيقة التاريخية تثبت أنهم أقل التيارات السياسية ممارسة للعنف و بفارق كبير عن غيرهم. و برغم أن الفئة الضئيلة من الأناركيين الذين آمنوا بأن أعمال العنف تصلح سبيلا لحفز الجماهير على الثورة عاشت و مارست عنفها فى بداية القرن الماضى ثم إختفت و لم يعد لها وجود بين تيارات الإناركية المعاصرةولكن ببساطة، لم يكن ابدا المعنى الاصلي الضيق لكلمة اناركية هو “لا حكومة” وفقط. الاناركية معناها هو “دون رؤساء”، او المعنى الاكثر شيوعا، “دون سلطة”، وهو المعنى الذي يستخدمه الاناركيون باستمرار. مثلا نرى كروبتكين يدافع عن الاناركية بمنطق أنها “لا تهاجم فقط الرأسمال، ولكنها تهاجم ايضا المصدر الاكبر لسلطة الرأسمالية: القانون والسلطة والدولة ".
لهذا السبب، بدلا من كون الاناركية مناهضة للدولة او للحكومة بشكل صرف، فهي اوليا حركة ضد التراتب الهرمي في المجتمعات. لماذا؟ لان التراتب الاجتماعي الهرمي هو الهيكل التنظيمي الذي يجسد السلطة. وحيث ان الدولة هي الشكل “الاعلى” للتراتب الهرمي، فالاناركية، بحكم التعريف، معادية للدولة؛ ولكن هذا لا يصلح ان يكون تعريفا كافيا للاناركية.
فالاناركية لا تعني الفوضى ولا يسعى الاناركيون لخلق الفوضى او حالة انعدام النظام العام. على العكس، يرى الاناركيون انهم يرغبون في خلق مجتمع يقوم على اساس الحرية الفردية والتعاون الطوعي. بكلمات اخرى، هم يقولون بفكرة ان النظام العام يبنى من اسفل لاعلى، وليس النظام المختل المفروض من اعلى على من هو ادنى بواسطة اشكال متنوعة من السلطة. مثل هذا المجتمع سوف يكون مجتمعا اناركيا حقيقيا، مجتمعا بلا رؤساء.
وقد لخص نعوم شومسكي الملمح الرئيسي للاناركية في حوار له حول الاناركية، عندما قرر انه في مجتمع حر عن حق “اي تفاعلات بين البشر في مستوى اكثر من كونه تفاعلات شخصية – بمعنى تفاعل يتخذ اشكال مؤسسية من نوع او اخر – في المجتمع المحلي، او في مكان العمل، او في العائلة او في المجتمع الاوسع، مهما يكون شكله، يجب ان يخضع هذا التفاعل للسيطرة المباشرة للمشاركين فيه. وبالتالي، الامر يعني إنشاء مجالس العمال في الصناعة، وإقامة الديموقراطية الشعبية في التجمعات السكانية المحلية، والتفاعل بين هذه الاشكال، وإنشاء جمعيات حرة للجماعات الاكبر، حتى نصل الى تنظيم المجتمع الدولي ذاته".
نعم، من المؤكد ان العديد والعديد من اليساريين في منطقتنا قد قرأوا عنها ويعرفون عن عدد او اخر من شيعها العديده. الا ان افكارها الاساسية لم تتبد في اي حركة احتجاج او مقاومة شعبية في تاريخ المنطقة الحديث، حتى ولو بالقدر الذي تبدت فيه افكار التيارات الماركسية في نضال البلدان العربية ضد الاستعمار والامبريالية خصوصا أثناء وفيما بعد
الحرب العالمية الثانية ولكن السؤال اللذي يطرح نفسه هنا هو لماذا وصفت جريدة حزب الحرية والعدالة شباب مصر الثوري بالاناركية ؟؟؟؟وهل يمكن وصف من نزلو اليوم الى ميدان التحرير بالاناركية ؟؟؟؟