ما بين ضرورات الأمن والاستقرار، والحرص على مشاركة كل التيارات والقوى السياسية فى خارطة المستقبل توجد مساحة للحوار والمصالحة والتعايش داخل المجتمع. ولكن هذا الحوار وهذه المصالحة يجب أن تكون بشروط واضحة قاطعة لا يختلف على تفسيرها أحد. نحن لسنا ضد الحوار من حيث المبدأ، ولكننا ضد الحوار والمصالحة ضد المتورطين فى أعمال عنف وقتل من أعضاء وقيادات الجماعة. ويجب أن تكون هناك مؤشرات إيجابية من الجماعة بأن لديها النية الحقيقية فى أن تعيد الجماعة إنتاج نفسها بالشروط التى يقبلها المجتمع. كما يجب أن يكون لدى الجماعة قيادة واعية عاقلة تدعو لمراجعة شاملة لكل أفكار الجماعة وسياساتها، وتعلن خروجها عن طاعة هذا الجيل من قادتها الذى قادها للتهلكة. نعم.. هناك شروط موضوعية للمصالحة، أولها أن يتوقف العنف والإرهاب، وعندما تهدأ الأعصاب ويقل التوتر، عندها سيكون الوقت مناسبا لبدء المصالحة. وثانيا: ضرورة المصارحة والمحاسبة قبل أى حديث عن المصالحة، ثالثا: أن تبذل الأطراف التى أخطأت بحمل السلاح والأطراف التى دعمت الخروج على الأمة وترويعها الجهد لإثبات حسن النية والعودة للصواب. ورابعا: وضع القواعد الدستورية التى تكفل مدينة الدولة، وترسخ مبادئ الحرية والعيش والكرامة والعدالة الاجتماعية، وتحظر قيام الأحزاب على أساس دينى.. هذا هو المطلوب قبل حديث المصالحة. ولكن يبدو أن الكثيرين من أنصار جماعة الإخوان وبقية المتحالفين معها لم يفهموا بعد حالة الرفض الشعبى لهم، وبخاصة عندما لا تستطيع الجماعة أن تحشد سوى بضع مئات محدودة، تنهى مظاهراتها بسرعة وفى شوارع جانبية خوفا من الصدام مع جماهير الشعب. كما يبدو أيضا أن هناك حالة من الإصرار لدى الجماعة على إقصاء نفسها ورفضها كل الأيادى الممدودة بالحوار، حيث مازالت بعض رءوسها الهاربة فى الداخل وامتدادتها التنظيمية فى الخارج تراهن على إمكانية إعادة عقارب الساعة إلى الوراء. وللأسف مازالت هناك عناصر شديدة الغباء والحماقة تصر على المضى قدما فى مسلسل «حرق مصر» وفى النهاية هم الذين سيحترقون بالنيران التى يلعبون بها، هؤلاء لن يرحمهم الشعب وسيكون حسابهم عسيرا، ولن تنفعهم محاولات الاستقواء بالخارج، فالشعب المصرى لن يسمح لأحد مهما كان أن يملى عليه إرادته أو يقرر مصيره. لكن الكثير من العقلاء المنتمين لتيار الإسلام السياسى تنبهوا إلى خطورة مواجهة الدولة المصرية شعبا وجيشا، وتبرأوا من الجماعة إنقاذا لأنفسهم ولمستقبلهم. وهنا أؤكد على أهمية وقف الدعوات الإقصائية لأى فصيل سياسى والإكتفاء بما سيقوله القضاء بشأن من رفعوا السلاح فى وجه الدولة والمجتمع، حتى يمكن التفرقة بين كوادر تنظيمية متورطة فى القتل والتحريض على العنف وبين قواعد انخرطت فى هذه التنظيمات بدافع دينى تغلفه حسن النوايا. ولايختلف أحد على أنه فى حالة قبول الإخوان عدم الاستمرار فى العنف، فلا بديل عن إجراء حوار وطنى شامل، لأنه أفضل الوسائل لتسوية الأزمة، وعلى الإخوان أن يراجعوا أنفسهم ويبحثوا عن حلول واقعية، لأنهم مازالوا يطرحون الحل الذى سبب الأزمة وهو رجوع مرسى وعودة الدستور ومجلس الشورى، متناسين أن حقائق جديدة تولدت على أرض الواقع أساسها الإرادة الشعبية التى تجلت يوم 30 يونيو. والآن تدرس الحكومة وعدد من الأحزاب وضع نص انتقالى ضمن الدستور المعدل، يقضى بضرورة اتفاق القوى السياسية المشاركة فى العملية الديمقراطية على نبذ العنف والحفاظ على الأمن وسلامة المجتمع. وتهدف الوثيقة إلى إجراء مصالحة وطنية حقيقية بين جميع الفصائل المشاركة فى العملية السياسية، والغرض من إعداد الوثيقة هو مشاركة الإخوان فى العملية السياسية وإمكانية خوضهم للإنتخابات البرلمانية المقبلة. ويرحب التيار الإسلامى بالوثيقة،وبأى مبادرة تؤدى لوقف العنف الدائر بين المصريين. وتواجه الجماعة حاليا حالة من الإنقسام، حيث يوجد فطريق يؤيد فكرة التفاوض، خصوصا بعد انهيار الجماعة وانكسارها نتيجة الضربات الأمنية المتلاحقة واعتقال قيادات الصف الأول والثانى، بينما يرى الفريق الأخر الاستمرار فى الفعاليات الميدانية على أمل نجاح الضغط الدولى أو أن تتغير موازيين اللعبة. وللجماعة نقول.. أن عليهم استغلال المبادرة، لتحسين صورتهم التى ارتبطت بالعنف، وهى فرصة لهم وللمجتمع للم الشمل، والتوحد نحو بناء الوطن.