انتشرت فرق العوالم فى نهاية القرن التاسع عشر يستأجرهن الأغنياء عند إقامة حفل للحريم يؤدين الأهازيج مع استخدام الدربكة فى الطار وممن عرفن أسماؤهن أمنية الصرفية وأمينة شخلع، وسيده صوانى ونفوسة السوسية والحاجة هدى والحاجة فهيمة وعزيزة البيضة وفاطمة حسنين وأسما الكمسارية وعزيزة هزو وهانم المشتولة، وفى أوائل القرن العشرين ظهرت أسماء كريمة العدلية وخيرية وسهام وسوسن وغيرهن. وبدأ شعاع النور يسطع فى ظلماء مصر بتأثير رواد التنوير من أمثال سعد زغلول ومصطفى كامل وأحمد لطفى السيد ومصطفى مشرفة ومحمود مختار وطلعت حرب وسيد درويش وأضف إليهم بيرم التونسى وبديع خيرى. وانشغل سيد درويش فى المسرح الغنائى ومعه بيرم وبديع ولم يكن لهذا الفن ميل إلى غناء المطربات حتى إن أبطال مسرحيات سيد درويش لم نعرف منهم بطلات إلا منيرة المهدية. وحياة صبرى التى قامت ببطولة المسرحيات الغنائية الخالدة «العشرة الطيبة» و «شهرزاد الباروكة» هى صاحبة صوت مسرحى جمهورى قوى، عملت فى فرقة على الكسار بمصاحبة تخت «مونت كارلو» ثم كونت فرقة تحمل اسمها. وظهرت السينما فى الإسكندريةوالقاهرة وفى فيلم «أنشودة الفؤاد» الذى تم إنتاجه عام 1933 غنت نادرة صاحبة القصيدة الغنائية يقولون ليكى فى العراق مريضة، قام الطبيب الملحن أحمد صبرى النجريدى بتدريبها على العزف على العود وساعدها فى ذلك أيضا محمد القصبجى اسمها الحقيقى أتاسى زخاريا ولدت عام 1906 فى القاهرة وسافرت للغناء فى سوريا ثم عادت. وكتب لها عباس محمود العقاد أربع قصائد لحن ثلاث منها رياض السنباطى وتوفيت عام 1990. أما فتحية أحمد فقد ولدت 1898 وكان والدها مطربا وملحنا للمونولوج الفكاهى كانت تلقى المتنوعات الغنائية بين فصول روايات نجيب الريحانى وعلى الكسار ولحّن لها سيد درويش مقطوعة «والله تستاهل ياقلبى» سميت «مطربة القطرين» عندما غنت فى سوريا أطلقوا عليها الشاعر خليل مطران وقد أدت اللحن المسرحى ياحلاوة الدنيا ياحلاوة من ألحان زكريا أحمد فى المسرحية الغنائية «يوم القيامة» اسمها فتحية أحمد الحمزاوى ولأولادها أسماء غريبة هى الكونت -جمال- البرنس- الباشا. أما فاطمة قدرى فأطلق عليها لقب «مطربة الصعيد ووجه بحرى» عندما سمعت عن مطربة ناشئة اسمها أم كلثوم طلبت رؤيتها فلما أتوا بها إليها لم تتكلم أم كلثوم فلم تجد ما تقوله وتندر بها الحاضرون وسخروا منها، وماهى إلا سنوات قليلة حتى تحولت السخرية إلى تكريم ومديح. أما المطربة نعيمة المصرية التى غنت قصيدة مطلعها «جن الظلام وهاج الوجد بالسقم... والشوق حرك ما عندى من الألم.. فكانت ترى أن منيرة المهدية لا يعلى عليها وأن فتحية أحمد لا بأس بها على ألا تغنى من أنفها أما أم كلثوم فلم تكن تتوقع لها مستقبلا!! عندما بدأت أم كلثوم تتفتح موهبتها فى ليالى القاهرة كان الغناء المنتشر ماجنا تمسه حمى الإباحية والمثال أغنيتى «ياحالى ع البدوية» و «الأفندى يانينة»، وكانت سلطانة الطرب منيرة المهدية تغنى للبوكر والدندرمة والزبدة، وتحدد فى غنائها سعر السلعة وعنوان بائعها واسمى زوجته وابنه فى حين كانت أم كلثوم القادمة من أعماق ريف السنبلاوين دقهلية وعلى وجه التحديد قرية طماى الزهايرة تقدم أغانى محتشمة، قبل أن يرتفع الشاعر أحمد رامى بمستوى كلمات أغانيه إلى عنان السماء، ولما ضحك عليها الشيطان وأغواها لتجارى التيارات الغنائية السائدة لحن لها صبرى النجريدى طقطوقة «الخلاعة والدلاعة مذهبى» سحبت الأسطوانة التى سجلتها عليها من الأسواق بعد أقل من أسبوع لطرحها إنها ابنة الشيخ إبراهيم الذى كان يحرم على ابنته أن تغنى «ياليل» لأنها كلمة لا يغنيها فى رأيه إلا المغنية الأبيحة وهو محافظ حريص على الحشمة والكمال. تعاقد مع كازينو البوسفور لتحيى أم كلثوم ليلة فن فوضعت إدارة المسرح صورتها على باب المسرح كإعلان مما أبكى أم كلثوم وأعلن الشيخ إبراهيم رفضه تنفيذ العقد إلى أن تدخل الشيخ عبد الرحيم بدوى صاحب مطبعة «الرغايب» ومزق الإعلان وطبع غيره خاليا من صورة الآنسة أم كلثوم مع إن مطربات ذلك العصر كن يعلن فى الصحف عند تغيير المسكن ونشر العناوين الجديدة مع صورهن. كان صوت أم كلثوم شعاعا منيرا فى ليلة ظلماء للغناء المصرى والعربى.