**45 سنة مرت في مارس علي رحيل مطربة مصرية بلا نظير ولا شبيه حتي اليوم.. رغم أنها اعتزلت الفن مرغمة قبل وفاتها بحوالي20 سنة لانصراف الناس عنها. مع انها تعتبر من الرائدات المصريات لاقتحامها مجالا لم تجرؤ عليه سواها, لأنه كان مهانا حيث الرجال العاملون به مفتقدون للأهلية والاحترام من الجهات الرسمية كالمحاكم ولكنها لم تبال واقتحمت المحظور وأصبحت أول مصرية تغني وتمثل علي المسرح أمام الجمهور. إنها منيرة المهدية التي اطلقوا عليها لقب سلطانة الطرب لأنها كانت الأحلي صوتا والأجمل والأشهر بين مطربات عصرها وأيضا طربا. ثم انها كانت إلي جانب ذلك ممثلة قالوا عنها انها كانت الأجرأ بين الممثلين والممثلات علي أداء الأدوار الصعبة, بما فيها أدوار الرجال حيث كانت تلعبها! منيرة المهدية فنانة طواها النسيان حتي وهي علي قيد الحياة. رغم قيمتها الكبيرة, خاصة أنها أول وأهم نجمات المسرح الغنائي في مصر. ولذلك ونحن نعيش الذكري الدائرية التاسعة لرحيلها فمن حق الأجيال الشابة أن تتعرف علي بعض ملامح تلك الشخصية. إنها من مواليد1884 بقرية مهدية التابعة لمركز ههيا بالشرقية. واشتهرت منذ طفولتها بحلاوة الصوت وعذوبته. غنت في القري ثم في مدينة الزقازيق عاصمة المحافظة وسمع بها أحد أصحاب الملاهي بالقاهرة فأغراها بالانتقال إلي العاصمة. فجاءت وعملت في مقهاه. في نفس الوقت الذي كانت تتعلم فيه أصول المغني علي يد أشهر مطربات مطلع القرن العشرين سيدة اللاوندية وبعد فترة قررت أن يكون لها مقهاها الخاص فافتتحت قهوة نزهة النفوس وأصبحت المكان المفضل لكبار تجار القطن واعيان الريف ومن أشهر أدوارها في تلك المرحلة( اسمر ملك روحي) و( ياحبيبي تعالي بالعجل) وغيرها من الأدوار التي لا تزال التسجيلات تحتفظ بها. ثم دخلت مرحلة جديدة لتصبح أول مصرية مسلمة تقف علي خشبة المسرح الغنائي ثم تؤكد ذاتها كأشهر مطرباته. وكانت هي أنجح من تتلمذ من السيدات علي يدي سلامة حجازي أول مصري تفتح له الحكومة دار الأوبرا الخديوية في العقد الثاني من القرن العشرين ليجري تقديم عروض عربية بها, بعد ن كانت مخصصة فقط للفرق الأجنبية. حيث كانت بداية المسرح العربي مرتبطة بالموسيقي والغناء. وكان الفضل لسلامة حجازي من الرجال, ومنيرة المهدية من النساء. وكان مولد المسرح الغنائي في مصر بحديقة الأزبكية. كانت بداية ظهورها علي المسرح بالغناء بين فصول المسرحيات التي كانت تقدمها الفرق في العقد الثاني من القرن العشرين مثل فرق عزيز عيد وجورج أبيض وسلامة حجازي. وكان ما تغنيه تقليدا لأغاني المطرب الشهير والنجم الغنائي الأول الشيخ سلامة حجازي, ثم اغراها النجاح علي تكوين فرقة أسمتها فرقة( الممثلة المصرية) فقامت باعادة عروض سلامة حجازي بمساعدة مخرج فرقتها عبدالعزيز خليل فقدمت أشهر اعمال سلامة حجازي ومنها( صدق الاخاء) و(صلاح الدين) وأوبرا( عايدة). وكانت تؤدي بها أدوار الرجال التي كان يلعبها سلامة حجازي وذلك بعد رحيله عام.1917 كما كانت أول مصرية تغني باللغة العربية أوبرا( كارمن) وأوبرا( تاييس) ولكن مع نهاية العشرينيات بدأ نجم منيرة المهدية في الأفول لانهيار المسرح الغنائي بسبب الأزمة الاقتصادية العالمية, ولكن ما إن بدأ العالم يتعافي من الأزمة, حتي كانت أم كلثوم قد استحوذت علي الاسماع. مما تعذر معه عودة منيرة المهدية بالشكل الجماهيري الكبير وهو ما أدي إلي انزوائها تدريجيا ثم غروبها وهي علي قيد الحياة, بعد أن حاولت عام1948 احياء موسم لها تقدم خلاله بعض اعمالها.. ولكن لم تنجح محاولتها.. فانزوت بالكامل حتي رحيلها سنة1965. ولم يشفع لها ان عظماء الموسيقي في مصر لحنوا لها أيام مجد مسرحياتها الغنائية وأوبريتاتها ومنهم: سيد درويش وكامل الخلعي وزكريا أحمد ومحمد القصبجي والدكتور أحمد صبري النجريدي ومحمد عبدالوهاب ورياض السنباطي. كثيرا ما كنت أراها في بداية ستينيات القرن الماضي في مقهي الفيشاوي بحي سيدنا الحسين تدخن النارجيلة احيانا, وكنت أنا وأصدقائي وجميعنا من شباب الصحفيين ندردش معها وأحيانا ما يكون معنا واحد من أصدق الذين ارخوا لها وهو المرحوم عبدالحميد توفيق زكي. فنجلس نستمع لذكرياتهما وقلت لها يوم خميس ونحن نهم بالانصراف, هل تسمحين لنا حتي نستريح قليلا لنستطيع السهر مع حفل أم كلثوم ثم اردفت.. هل تسهرين مع حفلاتها. أجابت بابتسامة طيبة تضيء وجهها الأبيض الجميل المشوب بالحمرة رغم الثمانين عاما.. وهل هناك من يستطيع ان ينام وست الكل تغني علي المسرح.. رحم الله منيرة وأم كلثوم وزمنا نقيا أصيلا!؟ وبمناسبة ذكراها الدائرية التاسعة ليت التليفزيون يقدم لنا شيئا من تسجيلاته لها خاصة أنه كان قد صورها عام1960 بمناسبة منحها وسام الفنون وليت الراديو يقدم شيئا من أغانيها في سهرة.