فى قصتها ثراء وفقر، غناء وحزن، حب وهجر، وأشياء أخرى كثيرة.. اعتزال فى قمة المجد ووحدة فى نهاية العمر. فيها تجمعت كل التناقضات الإنسانية ولا أحد يعرف السبب!. أما الشىء الباقى من قصتها فهو صوتها الساحر، وحكايتها مع أنور وجدى منذ أيام أعادت دار الشروق طبع كتاب «ليلى مراد» للكاتب الراحل صالح مرسى، وهو الكتاب الذى سبق لدار «الهلال» أن أصدرته فى ديسمبر 1995 بعد رحيلها بأيام، متضمنا سلسلة من الحوارات الصحفية التى أجراها مرسى مع ليلى. ويعتبره البعض من أهم المراجع التى يعتمد عليها لمعرفة تفاصيل حياة ليلى مراد، وتمت الاستعانة به فى المسلسل التليفزيونى «أنا قلبى دليلى» للمخرج السورى محمد زهير، وبطولة الأردنية صفاء سلطان. أكثر ما لفت نظرى فى كتاب صالح مرسى «ليلى مراد» أسلوبه الأدبى الرائع كأنه يكتب رواية لا سيرة ذاتية استخرجها من مجموعة حوارات أجراها مع ليلى مراد. قرأت الكتاب، وذهنى مشغول بقدرة مرسى على هذا، كما فعل أيضا «سليم نصيب» فى رائعته عن أم كلثوم. وفى النهاية قلت لابد أن تكون حكاوى ليلى مراد أدبا، يختلط بها الواقعى مع الخيال. وبالتوازى مع انشغالى بأسلوب صالح مرسى صاحب النصيب الأكبر فى أدب الجاسوسية، كان يشغلنى سؤال: لماذا اعتزلت ليلى مراد الفن، وهى فى قمة المجد؟! والسؤال يزداد إلحاحا، خاصة أن هذا الاعتزال تم وهى فى السابعة والثلاثين من عمرها، سنة 1955 وكانت مصر على مشارف عصر جديد زمن الثورة. ولم تكن ليلى ضد الثورة ورجالها بل تزوجت من أحدهم فى السر وهو وجيه أباظة. وأنجبت منه أشرف. قبل رحيلها صدر كتابان «رحلة حب مع ليلى مراد» لصلاح طنطاوى، نشرته مؤسسة روز اليوسف ضمن سلسلة الكتاب الذهبى سنة 1979، والكتاب الثانى «يا مسافر وناسى هواك ليلى مراد» لعادل حسنين صدر سنة 1973. وذكر الكتابان أشياء عن الاعتزال مثل أن زواجها من المخرج فطين عبدالوهاب هو السبب، لكن رغم ذلك قدمت ليلى بعد هذا الزواج فيلميها «الحياة الحب» و«الحبيب المجهول». وحاول كتاب عادل حسنين الإجابة فأتى بنص حوار ليلى مراد مع الإذاعية آمال العمدة التى قالت فيه مراد عن سبب الاعتزال: «هو خطأ المسئولين عن الفن فى الإذاعة والتليفزيون ومؤسسة السينما، الحقيقة أننى احتجبت نحو خمس سنوات لأنى أصبت فى وقت من الأوقات بالسمنة، ولكن بعدها عدت لرشاقتى ووزنى الذى لا يتعدى 61 كيلو وبذلت محاولات لدى مؤسسة السينما ولم يكن ينقص إلا أن يقولوا لى «فوتى علينا بكرة مش فاضيين النهارده»، فأنا أتذكر أننى تقدمت لمؤسسة السينما وذهبت لهم بنفسى بعد أن أخذت موعدا بالتليفون وذهبت وقابلت الأستاذ عبدالحميد جودة فرحب بى جدا وحدد لى موعدا ذهبت إليه فيه ووجدته ينتظرنى فعرضت عليه مسألة رجوعى للسينما فرحب جدا، وقال إنه سعيد لأن السينما والفن سيعودان مرة أخرى، وخرجت أنا بعد هذه المقابلة العظيمة وأنا فى منتهى السعادة، لكن مرت الشهور بلا رد، فاتصلت مرة أخرى وذهبت للمسئولين هناك فتحججوا بحجج كثيرة واستغرقت هذه المحاولات عامين كاملين مرة يقولون إنه لا يوجد سيناريو جاهز ومرة يقولون إنهم لا يستطيعون تحمل تكلفة الأفلام الاستعراضية التى تشبه أفلامى القديمة حتى انتهت هذه المحاولات بعد 13 سنة». وبعد رحيلها صدر الكتاب الثالث وهو كتاب صالح مرسى «ليلى مراد»، وهو حوار طويل أجراه الكاتب معها فى يوليو 1970. ولا أعرف لماذا لم يذكر كتاب صالح مرسى حكاية اعتزال ليلى مراد، بل إن الكتاب ينتهى ويتوقف عند خلاف ليلى مراد مع أنور وجدى. وكل التطورات اللاحقة بعده لا ذكر لها. والاعتزال أهم هذه الأحداث كلها. ينتهى الكتاب عند خلاف ليلى مع أنور وجدى، ويبدأ أيضا بخلاف من نوع آخر تم بين المطرب زكى مراد والد ليلى وزوجته جميلة، فهو دائم السفر والفراق، وكانت جميلة تكره عمل زوجها. حكى مرسى قصة ليلى، راجعا إلى المرحلة نفسها التى أسست لكل ما هو جديد ومصرى بفضل ثورة 1919، موضحا أنها كانت طفلة تنمو فى بيت يسهر فيه كل ليلة مجموعة من شباب الفن أمثال: رياض السنباطى، والقصبجى، وسيد شطا، وداوود حسنى، وزكريا أحمد، وفى بعض الأحيان كان يأتى حبيبها ومعشوقها وحلم أحلامها جميعا، مطرب شاب خلب الألباب اسمه محمد عبدالوهاب. فى هذه التربة، نمت ليلى مراد!. هى لا تذكر... غير أن الذى تذكره جيدا أنهم أوقفوها فوق مائدة صغيرة، وسألوها عن الأغنية التى تحبّ أن تغنيها؛ فقالت: «يا جارة الوادى». وبدأ العزف، العود مع القانون، وانسال صوت ليلى مراد يجيد ويجود، وكانت دهشة الأب شديدة، انتهت من الأغنية، فسألوها عن أغنية أخرى، فاختارت دور «ياما بنيت قصر الأمانى»! كان ذهول الجميع فوق كل تصوّر.. كان هذا الدور الذى أدّاه محمد عبدالوهاب من أصعب الأدوار فى الغناء، كان يحتاج إلى تمرّس وفهم، كما كان يحتاج إلى مران، لكن ليلى مراد أدّته. كانت هذه هى البداية الحقيقية لمطربة من أحلى وأجمل مطربات السينما العربية فى تاريخها كله؛ ففى تلك الليلة وُلِدت فكرة احتراف ليلى مراد للغناء... حتى كان يوم من أيام الربيع عام 1932، عندما فتح مسرح رمسيس ستاره عن حفل أحيته فتاة لا يتعدّى عمرها أربعة عشر عاما، ابنة لمطرب كان ذات يوم شهيرا، وكان اسمها ليلى مراد. «عاوزة تقولى إيه؟!... فيه واحدة تفرح لما تضبط جوزها مع واحدة تانية؟!» هكذا ختم صالح مرسى كتابه الذى ظل مشغولا بقصص حب ليلى مراد متوقفا طويلا أمام القصة الأشهر قصة حب ليلى وأنور وجدى. «أصل الناس كانوا دايما يقولوا لى إنى اتجوزت واحد مالوش قلب، ما يعرفشى يحب غير الفلوس، لكن أنا كنت باقول إن لك قلب وطلعت أنا صح!». «أنت فاكرة نفسك مين؟... شكسبير».. «ولا شكسبير ولا حاجة، أنا بأقول لك إللى أنا حاسة بيه... أشوف وشك بخير». كان هذا هو المشهد الختامى فى قصة حياة أنور وجدى وليلى مراد...لكن الغريب كما ألمح صالح مرسى أن القصة بقيت، ظلت تعيش رغم الطلاق والموت... تذكر الناس بأيام مضت، فى أفلام لاتزال تحمل دفء قصة حب ومغامرة.