من يعش فى مصر ويزر مصر يلاحظ المظاهر الرائعة للاحتفال بشهر رمضان، ومظاهر الاحتفال بهذا الشهر الكريم لم تبدأ فى العصور الحديثة بل ترجع إلى عصر الدولتين الأموية والعباسية، وعن مظاهر تلك الاحتفالات يقول المؤرخ إبراهيم العنانى عضو اتحاد المؤرخين العرب أن مظاهر الاحتفال بشهر رمضان بدأت تأخذ أسلوبًا مميزًا فى أواخر عهد الدولة الأموية، وشاعت واستقرت أكثر فى عهد الدولة العباسية خاصة فى عهد هارون الرشيد، ومن جاء بعده من الأبناء وكانت له طقوسه الكثيرة المتعددة فى مصر، ومن مظاهر الاحتفالات المتنوعة التى كانت تبدأ (بالرؤية) وهى عبارة عن طوابير من الجند تطوف ببعض أحياء مصر تسير خلفها جماعات الحرف المختلفة، وعلى رأس كل جماعة شيخها أى رئيسها ثم خلفهم بعد ذلك ما كان يطلق عليهم «بالرفاعية» وهى جماعات احترفت اللعب بالسيوف التى تخترق أفواههم وأذرعهم وأكتافهم هذا الموكب كان يتقدمه الحاكم وحوله قواد الجند وكبار رجال الدولة، ووسط هذا الكرنفال كانت تدق الطبول ويسمع أصوات المزامير والآلات الموسيقية. وأضاف قائلا: كانت قصور الحاكم والأمراء تستعد طوال النهار فى إعداد طعام الإفطار وكان الطعام نوعين: الأ ول يقدم داخل صالات كبيرة يجلس فيها عامة الشعب والفقراء، أما النوع الثانى من الطعام فكان يجلس فى صدر مائدته سلطان البلاد وحاشيته وقواد جنده ورؤساء الحرف، ولقد اشتهرت مائدة الإفطار فى شهر رمضان بما كان يقدمه السلطان من أطايب اللحوم وأنواعها والأرز بأنواعه وكانت الحلوى متنوعة تبدأ بالقطايف والكنافة وبلح الشام والمهلابية والفواكه المطبوخة واللوز والجوز وشرابهما والمشمشية والقراصيا وعين الجمل.. هذه الليالى الجميلة المباركة، كما أن الموائد فى مصر فى شهر رمضان كانت تمد بطول خمسمائة متر ومن أشهر هذه الموائد مائدة (الوزير المهلبى) الذى كان شغوفًا بالورد الذى كان يدفع فيه قرابة عشرة آلاف دينار ليملأ قصره وكان يضع فى «نوافير» الماء الدراهم والدنانير حتى يلتقطها المحتاجون تحت أعين ورقابة بعض البصاصين (رجال الشرطة). وكان أصحاب المخابز والبائعون الذين يقدمون الزلابية والحلوى الملونة يسهرون حتى أذان الفجر على راحة الأهالى الذين كانوا يعيشون أزهى وأحلى لياليهم فى أمسيات شهر رمضان، وفى شهر رمضان (الأيام الثلاثة الأولى) كان من عادة الخلفاء إرسال طبق فاخر مملوء بالحلوى وفى وسط الطبق صرة من الذهب، وقد سمى هذا الطبق (غرة رمضان) وفى شهر رمضان أيضًا أقام الفاطميون فى عهد الخليفة الفاطمى العزيز دارًا أطلق عليها (دار الفطرة) وكانت تقع بين القصر وباب يسمى «الديلم» وهو أحد أبواب قصر الخليفة الكبير وداخل هذه الدار كانت تخزن جميع المواد الخاصة بالطعام والشراب فى شهر رمضان مثل الغلال والأرز والسكر والبن والقرفة والزنجبيل والينسون والنعناع المجفف والعسل والسمن والدقيق والتمر، وكان الخليفة بمناسبة شهر رمضان يصرف رواتب إضافية للعاملين بأجهزة الدولة.