من حق كل إنسان أن يعيش.. أن يحلم كيفما يشاء.. فالحياة جميلة رغم صعابها.. والحلم وردى بالرغم من استحالة تحقيقه فى بعض الأحيان.. «ونجاة» شابة كانت تعيش بالفعل بين الأحلام الوردية.. وكانت أمها تعيش معها هذه الأحلام.. ولكن الأحلام التى طالما حلمت بها تحطمت كلها على أرض الواقع المرير.. «نجاة» رقيقة بالرغم من ملامح وجهها الصعيدية.. ذات وجه أصفر.. وعيون زائغة.. جسدها نحيل.. ترى علامات المرض واضحة عليها.. واهنة.. ضعيفة.. تحتاج لمن يمسك بيديها ليصل بها إلى بر الأمان.. هى فتاة لمم تتعد العشرين من عمرها وبالرغم من ذلك تشعر أنها ربما تخطت الأربعين أو أكثر.. تمشى مستندة على ذراع أمها.. تشعر للوهلة الأولى أن قلب أمها يتمزق وأن الحياة انطفأ نورها وأصبحت مظلمة جدا.. بل إنها كانت دائما تتمنى الموت قبل أن ترى زهرة شباب الابنة تزبل وتتساقط أوراقها..كانت دائما تتمنى أن يظل عودها أخضر نديا.. ولكن ماذا تقول وماذا تفعل؟.. غير قدر الله وماشاء فعل.. إنها إرادة الله الذى لاراد لقضائه.. الأم تقول إن «نجاة» هى أول فرحة دخلت قلبها.. هى زرع عمرها الذى كانت تشتاق لحصاده .. دائما ما كانت تحلم بها شابة جميلة.. عروسا يوم عرسها.. تقول الأم أن «نجاة» منذ أن كانت صغيرة لم تبلغ بعد السادسة وأنا أعد العدة لزواجها كل جنيه أستطيع توفيره أقوم بشراء شىء من جهازها كان قلبى يكاد يطير من الفرح عندما مر عليها خراط البنات و بدأت ملامحها تظهر وتؤكد لمن حولها أنها ستكون ست البنات.. كنت أحلم أحلاما كثيرة وكبيرة.. ولكن لم أكن أعلم ما تحمله لنا الأيام.. كان يوما عصيبا لم تظهر الشمس فيه عندما استيقظت الابنة من النوم وهى واهنة.. ضعيفة.. تكاد تجر قدميها غير قادرة على الوقوف على ساقيها.. عندما سألتها عما تشعر به كان الجواب أنها تشعر بآلام فى ساقها اليسرى.. قلت ربما سقطت عليها وقمت بدهنها ببعض الزيوت وحاولت تدفئتها.. أعطيتها قرصا مسكنا وكوب شاى لمساعدتها حتى تتغلب على الآلام.. ولكن مرت الأيام لتعود نفس الآلام مرة أخرى ولكن هذه المرة كانت أشد ولم يفلح معها لا زيت.. ولا تدفئة.. أو حتى مسكن.. طلب منى الأب أن أصطحبها إلى الوحدة الصحية.. وهناك أكدت الطبيبة أنها مصابة بآلام روماتيزمية ووصفت الدواء ولكن لم يمر يوم إلا وزادت الحالة سوءا عدنا للطبيبة مرة ثانية حاولت تغيير الأدوية إلا أنها لم تأت بنتيجة فهى أصبحت غير قادرة على وضع ساقها وقدمها على الأرض أو حتى تحريكها.. كانت تصرخ من الآلام هنا طلبت الطبيبة الذهاب بها إلى المستشفى المركزى حتى يتم إجراء أشعة على الساق.. عندما ظهرت النتيجة وقرأ الأطباء التقرير المرفق بالأشعة رأيت فى عيونهم نظرة لن أنساها طوال عمرى كانت نظرة غريبة عرفت معناها فيما بعد.. فقد طلب منى الأطباء اصطحابها إلى المعهد القومى للأورام بالقاهرة حتى يتم عرضها على أطباء متخصصين يستطيعون تشخيص الحالة وتقديم المساعدة والعلاج المطلوب.. كانت رحلة صعبة على النفس.. ركبنا قطار الليل أنا وابنتى وأبوها.. وصلنا فى الصباح نتجه مباشرة إلى المعهد القومى للأورام تم إجراء التحاليل والأشعة.. وعرفنا وليتنا ما عرفنا فقد أخبرنا الأطباء أنها مصابة بورم سرطانى بالساق اليسرى وتحتاج إلى جلسات علاج كيماوى وإشعاعى.. كانت الدموع هى الملاذ والسلوى.. كنت أتساءل ماذا فعلت فى هذه الدنيا؟.. ولكن هذه مشيئة الله ولاراد لمشيئته.. عامان كاملان لم أر فيهما النوم وتحولت الأحلام إلى كوابيس تفتك بى كل ليلة.. حاولت أن أخفى حقيقة المرض عن الأهل والجيران مراعاة لشعور الابنة.. وحتى لا يصيبها الاكتئاب ولكن القرية الصغيرة التى نعيش فيها لا يوجد بها سر عرف الجميع ولكنهم وقفوا بجوارنا خوفا على مشاعر الأبنة.. رحلة العلاج والمرض استنزفت طاقتنا وجاءت على الأخضر واليابس صرفنا كل جنيه كنا ندخره من أجلها وأجل أخواتها حتى قراريط الأرض التى كان يمتلكها الأب والتى لاتتعدى أصابع اليدين لا تفى باحتياجاتها واحتياجات الأسرة وأصبحنا نعيش فى ظل ظروف صعبة علينا وكما نهش المرض الابنة «نجاة».. نهش الفقر وذل الحاجة الأب والأم. هذه الأسرة تحتاج إلى من يساعدها ويأخذ بيدها ويقف بجوارها من يرغب يتصل بصفحة مواقف إنسانية.