مريم.. محمود.. جمعهما الحب.. جمعهما المرض.. جمعهما اليتم.. كما جمعتهما نفس المحافظة التى ينتميان لها فى شمال الصعيد.. التقيا لأول مرة فى صالة الاستقبال بالمستشفى.. كانت كلمة «سلامتك» أول كلمة خرجت من بين شفتيه لتواسيها وكانت مثلها له.. وكان المكان المفضل لهما ليلتقيان بين حجرات المستشفى.. كان كل واحد منهما يشعر بآلام صاحبه ويشاركه فيه.. ويتوجع معه وله.. اشتركا فى الآلام.. كما اشتركا فى الأمل.. كان أملهما فى الله كبير ليساعدهما فى النجاة من الغول الذى ينهش فى جسديهما.. هى سمراء.. نحيلة.. هدها المرض.. عرفته منذ كانت تلميذة صغيرة بالمدرسة الإعدادية كان خراط البنات قد مر عليها بالرغم من صغر سنها مما جعل نظرة الإعجاب تلمع فى عيون شباب الحى وتقدم الكثير لخطبتها.. ولكن الأب الذى يعمل بالفلاحة رفض أول الأمر لأنها مازالت تدرس ولكن النصيب كان جاهزا.. ومجرد حصولها على الشهادة الإعدادية خطبت لقريب لها واشترط الأب عليه أن تستكمل دراستها أولاً التحقت بالمدرسة التجارية كانت البنت سعيدة بالخطبة كأية بنت سعيدة بدراستها.. شهور قليلة وانتقل الأب إلى الرفيق الأعلى ولم تجد الأم بداً من عقد قران الابنة حتى لا تتعرض للقيل والقال.. ولكن ما حدث كان مفاجأة، بل صدمة مدوية للجميع.. الابنة تشعر بآلام فى بطنها.. لم تأخذ ذلك فى بالها.. الآلام تتزايد حتى أصبحت لا تطاق وكانت تواجهها ببعض المسكنات.. أو بعض الوصفات الشعبية، وفى أحد الأيام استيقظت على وجود شىء ما يؤلمها فى جسدها وضعت يدها لتتحسس مكان الألم.. ما هذا؟. إنها أورام صغيرة.. نادت أمها لترى ما بها.. طلبت منها الذهاب إلى المستشفى.. فحص الأطباء جسدها.. طلبوا منها بعض الفحوصات والأشعة، وعندما سألت ما بها طمأنها الأطباء وأكدوا لها أن هذه الفحوصات روتينية للتأكد من أن كل شىء على ما يرام وهذا لا يدعوها إلى القلق، ولكنها رأت فى عيونهم شيئاً آخر.. وبالفعل قامت بإجراء ما طلب منها، ثم طلب الأطباء من الأم اصطحابها إلى المعهد القومى للأورام بالقاهرة وكانت رحلة قاسية على النفس، وزادت من قساوتها عندما أخبرها الأطباء أن الابنة مصابة بورم سرطانى بالغدد الليمفاوية بالبطن وأنها تحتاج إلى جلسات علاج كيماوى وإشعاعى.. وفى هذه الأثناء فى دوامة المرض والسفر من وإلى المعهد بدأت تلاحظ تباعد الخطيب عنها حتى انقطعت أخباره، انتابها الحزن والأسى وخاصة عندما جاء اليوم الذى أخبرها فيه أحد الأقارب بأنه لن يستطيع مواصلة المسيرة معها لأنها مريضة ومرضها سوف يطول وقد لا تشفى منه أبداً وما هى إلا أيام حتى وصلتها ورقة الطلاق، وكانت صدمة للابنة المريضة زادت من حدة المرض.. حاول الجميع التخفيف عنها ولكن الشرخ كان عميقا وكبيرا ولكنها سلمت أمرها إلى الله فإنها إرادته وقدر الله وما شاء فعل وبدأت رحلة العلاج رحلة شاقة وطويلة، وبمرور الأسابيع والشهور التقت به.. وهو شاب من نفس محافظتها.. يعيش نفس آلامها.. يبلغ من العمر ثلاثة وعشرين عاما حاصل على ثانوية أزهرية.. توفيت أمه بعد ولادته بعامين وتركته مع أبيه الذى عاش من أجله سنوات وعندما حصل على الإعدادية والتحق بالثانوية تركه أبيه ليعيش وحيداً لحق بزوجته شعر الابن بالوحدة وتدهورت حالته النفسية فقد أصبح يتيم الأبوين.. وحيداً فى هذه الدنيا الصعبة حاول أن يتماسك ولكن القدر لطمه على خده.. لطمة أطاحت به وبمستقبله وبحياته فقد أصيب بورم سرطانى بالفخذ الأيمن وحوله الأطباء بالمستشفى العام بمحافظته إلى المعهد القومى للأورام وخضع لجلسات علاج كيماوى وإشعاعى، ثم جراحة لاستئصال الورم.. ولكن المرض الخطير امتد إلى الرئة وظهرت ثانويات بها وزادت جرعات الكيماوى لمحاصرة المرض وفى هذه الأثناء التقت البنت والولد بردهات المعهد ونشأت قصة حب كبيرة بينهما.. عرفتها الممرضات والأطباء والمرضى والأهل وباركها الجميع وخاصة أن الأطباء أكدوا أن الحالة النفسية السعيدة سوف تؤثر على المرض وتساعدهما فى الشفاء وبالفعل اتفقا على الارتباط والزواج.. وتم عقد القران أول شهر مارس الماضى وهما الآن يطلبان العون فهل يجدا من يقف بجانبهما من يرغب يتصل بصفحة مواقف إنسانية.