المشكلة أننا لا نعرف حجم المشكلة.. ولا أريد أن أبالغ وأقول إنه يبدو أننا لا نعرف حتى أنها مشكلة! لا أتكلم فقط عن التهوين والتهويل لموضوع سد النهضة الأثيوبى وتأثيره على حصة مصر من المياه.. وإنما أتكلم أيضًا عن المزايدات السياسية التى يمارسها المؤيدون والمعارضون للنظام باسم المشكلة.. والغمز واللمز ومحاولة كل فريق تسجيل هدف فى مرمى الفريق الآخر مستغلين المشكلة، ثم هذه التصريحات المتناقضة أحيانًا الغريبة للمسئولين المصريين والتى بسببها لا نعرف إن كان سد النهضة الأثيوبى خيرًا أم شرًا؟!.. والأعجب من كل هذا أن هذه التصريحات سبقت تقرير اللجنة الثلاثية المشكَّلة لتقييم السد. وليس غريبا بعد ذلك أننا لا نعرف ماذا سنفعل؟! ونبدأ بالتصريحات الغريبة العجيبة المتناقضة للمسئولين المصريين.. وعلى سبيل المثال نسمع تصريحًا من د. خالد وصيف مستشار وزير الرى يقول فيه: إن قرار تحويل مجرى نهر النيل الأزرق قرار متوقع.. وكان من المفترض أن يتم فى أغسطس الماضى إلا أنه تم التأجيل لحين الانتهاء من تقرير اللجنة الفنية الثلاثية. ونسأل مستشار وزير الرى: وهل انتظرت أثيوبيا لحين الانتهاء من تقرير اللجنة الثلاثية لتبدأ عملية تحويل مجرى النهر أم أنها ضربت باللجنة عرض الحائط وبدأت الخطوة الأولى فى تحويل المجرى واللجنة لم تنته بعد من إعداد تقريرها. ونسمع من د. محمد بهاء الدين وزير الرى والموارد المائية ما هو أغرب وأعجب.. نسمعه يقول إن مصر لم تعارض مطلقًا مشروع سد النهضة الأثيوبى باعتباره مشروعا تنمويا. لكن ما يثير الدهشة هو ما لم نسمعه من وزير الرى والموارد المائية.. فعندما أطلقت الحكومة الأثيوبية تصريحات تؤكد فيها أنها ماضية قدما لتنفيذ مشروع سد النهضة بغض النظر عن أى اعتبارات أخرى.. لم نسمع أى تعقيب.. ولا كلمة.. لوزير الرى والموارد المائية المصرى. ونسمع من السفير محمد إدريس سفير مصر فى أثيوبيا كلاما من نفس النوعية.. يقول السفير المصرى إن سد النهضة أمر واقع ومشروع جار تنفيذه فعلا وأن الحوار الدائر الآن بين مصر وأثيوبيا يسعى ليكون المشروع مفيدا للبلدين. ونسأل السفير محمد إدريس: هل يفيد مصر أن تنخفض حصتها من مياه النيل؟! وليس خافيًا أن مثل هذه التصريحات تضر بمصلحة مصر بأكثر مما تفيد مصلحة أثيوبيا.. وليس خافيًا أن أثيوبيا تستفيد من هذه التصريحات وتستمر فى خداعنا بتصريحات معسولة.. مع أن الخبراء يؤكدون أن السد الأثيوبى.. فيه سم قاتل لمصر! *** تصريحات وزير الدولة للشئون الخارجية الأثيوبى لا تثير الغيظ فقط، ولكنها تثير الريبة أيضًا.. يؤكد الوزير الأثيوبى أن الهدف من بناء السد هو إنتاج الكهرباء وليس لتخزين المياه لأغراض الرى، ومن ثم فإنه لا يجب على مصر أو السودان أن يشعرا بالقلق لأنهما يمكن أن يستفيدا من الكهرباء التى سينتجها السد! لكن هناك تأثيرات سلبية على مصر والسودان أهمها نقص حصتها من مياه النيل. لا تقلقوا.. الخبراء يبحثون هذه المسألة ولدينا قناعة فى أثيوبيا بأننا لم نؤثر على حصة مصر من مياه النيل وكل تحليلاتنا تشير إلى أنه لن يكون هناك تأثير كبير على مصر! الكلام يثير القلق.. أولا لأن أثيوبيا بدأت بالفعل فى تحويل مجرى نهر النيل قبل انتهاء اللجنة الثلاثية المكلفة ببحث النتائج المترتبة على إقامة السد من عملها.. ثم ما هو معنى أن يبدأ الخبراء فى بحث الآثار السلبية على مصر بعد إنشاء السد.. وأخيرًا فإن الوزير الأثيوبى يتحدث عن عدم وجود تأثير كبير.. ومعنى ذلك أن هناك تأثيرًا صغيرًا من وجهة نظره.. فما هو هذا التأثير «الصغير»؟!.. نسمع من الخبراء كلامًا يشيب له الولدان! *** يؤكد الخبراء أن مصر ستفقد 16 مليار متر مكعب من حصتها من مياه النيل لمدة 6 سنوات وحتى يمتلئ سد النهضة.. ويؤكدون أيضًا أن أثيوبيا تسعى لبناء أربعة سدود وليس سدا واحدا.. وأن مصر ستعانى فى كل الأحوال من نقص المياه.. والأرقام تثير الفزع.. فكل 4 مليارات متر مكعب عجزا فى المياه تؤدى إلى بوار مليون فدان وتشريد 2 مليون أسرة وفقد 12% من الإنتاج الزراعى، بالإضافة إلى زيادة الفجوة الغذائية بمقدار 5 مليارات جنيه.. تصور! كل هذه المصائب إذا نقص حصتنا 4 مليارات متر مكعب من المياه.. فما بالك إذا نقصت 19 مليارًا؟! الأغرب أن هناك خبراء يحذرون من أن السد الأثيوبى غير آمن من حيث هندسة البناء ويؤكدون أن معامل الأمان فيه يقل عن ربع معامل الأمان فى جسم السد العالى مما يهدد بانهياره.. وإذا إنهار السد الأثيوبى فستدفع الخرطوم ومدن الصعيد الثمن! ماذا نفعل؟! *** ليس سرًا أننا نواجه مأزقًا حقيقيًا.. خطرًا داهمًا يهدد مستقبلنا ومستقبل أبنائنا وأحفادنا وإذا كنا جميعا نتعامل مع قضية المياه باعتبارها قضية أمن قومى.. فقد حان الوقت لتحويل الشعارات إلى واقع فعلى.. وأمامنا ثلاثة خيارات كما يؤكد الخبراء.. أولها مواصلة الضغوط الدبلوماسية على أديس أبابا باعتبار أن بناء السد غير قانونى وفقا لأحكام اتفاقية عام 1959 واتفاقية 2012.. فإذا فشل هذا الضغط فإن الخيار الثانى هو تنشيط ودعم جماعات مسلحة لشن حرب بالوكالة على الحكومة الأثيوبية. الحقيقة أن مصر لجأت لهذا الأسلوب من قبل فى السبعينيات والثمانينيات عندما دعمت الجبهة الشعبية لتحرير أريتريا والتى انفصلت فيما بعد عن أثيوبيا فى عام 1994. أما الخيار الثالث كما يقول الخبراء، فهو التدخل العسكرى المباشر.. باعتبار أن نهر النيل هو شريان الحياة لمصر.. وليس مقبولا اللعب فى هذا الشريان! *** التصريح الذى أطلقه د.علاء الظواهرى عضو اللجنة الثلاثية لتقييم مشروع سد النهضة الأثيوبى له معنى ومغزى.. التصريح يقول: يجب على مصر الإسراع فى اتخاذ قرارات لوقف هذا المشروع.. لا بد أن يكون لها رد فعل حقيقى. متى نبدأ؟.. وماذا ننتظر؟!.. وإذا لم يوحدنا الخطر.. متى نتوحد؟!