فيارب إذ صيرت ليلى هى المنى فزنى بعينيها كما زنتها ليا وإلا فبغضها إلىَّ وأهلها فإنى بليلى قد ألقيت الدواهيا على مثل ليلى يقتل المرء نفسه وإن كنت من ليلى على اليأس طاويا خليلى إن ضنوا بليلى، فقربا لى النعش والأكفان واستغفروا لياهكذا كان حال قيس.. تارة يدعو الله أن يستمر حب ليلى له.. كما هو مستمر فى حبها.. وتارة أخرى يتمنى من الله ان يكرهها.. هى وأهلها.. بعد أن ذاق منها الأمرين.. المرض.. والجنون، ثم يفيق إلى نفسه ويتذكر حبها واستعداده لقتل نفسه لذلك.. وحتى بعد أن وصل إلى مرحلة اليأس من عودة الوصال. ثم يطلب من أصحابه أن يتعهدوا له أن يهيئوا له الكفن والنعش إذا ضن أهل ليلى بها عليه. وأحيانا ما كان يلتقى مصادفة مع أحد شباب الحى فيعاتبه الأخير على ما وصل إليه من حال.. ويذكره ببعض أشعاره ومنها: اتبكى على ليلى ونفسك باعدت مزارك من ليلى وشِعباكِما معا فيفيق قيس من ذهوله لبعض الوقت مستكملا: وما حسن أن تأتى الأمر طائعا وتجزع أن داعى الصبابة أسمعا وأذكر أيام الحمى ثم أنثنى على كبدى من خشية أن تصدعا ثم يهيم على وجهه فى صحراء نجد مع الوحوش والظباء.. وكثيرا ما شاهده البعض نائما فوق شجرة.. أو يلاعب الأغنام ويسابقها.. وكان لا يأمن لأحد.. ولا يسمح لغريب من الاقتراب منه.. ومع ذلك لم يكن يتوقف عن ترديد أشعاره فى ليلى مناجيا أو معاتبا.. وقد سمعه بعض أصحابه وهو يقول: وأدنيتنى حتى إذا ما سبيتنى بقول يحل الوحش سهل الأباطح تناءيت عنى حين لا لى حيلة وخلفت ما خلفت بين الجوانح وظل على حاله السابقة.. ويأس أهله من علاجه وكانوا يرسلون إليه الطعام مع حاضنة له كان يأنس إليها. وفى يوم ذهبت إليه وتركت له الطعام، وعندما أتته فى اليوم الثانى وجدت ما تركته له بالأمس على حاله، فأبلغت أهله.. فخرجوا جميعا للبحث عنه.. فلم يجدوه.. وأخذوا يبحثون عنه ويتتبعون أثره حتى وجدوه فى وادٍ كثير الحجارة وهو ميت بينها، فحملوه وغسلوه وكفنوه ودفنوه.. وتقول كتب الرواة إنه لم تبق فتاة من بنى عامر إلا خرجت حاسرة صارخة عليه تندبه، وكذلك فتيان الحى بكوا عليه أحر البكاء.. ثم حضر أبو ليلى للعزاء، وأخذ يبكى ويقول: لو علمت أن أمره سوف يجرى على هذا.. ما أخرجتها عن يده ولا احتملت ما كان فى ذلك، ويقال إنهم عندما حملوه وجدوا خرقة كتب فيها: ألا أيها الشيخ الذى ما بنا رضى شقيت ولا هنيت من عيشك الخفضا شقيت كما أشقيتنى وتركتنى أهيم مع الهلاك لا أطعم الغمضا وقد بكته ليلى بكاء مرا عندما علمت بوفاته، وظلت تندبه أياما عدة، وعاتبها زوجها «ورد» على ذلك فردت عليه بأنها لم تتزوجه رغبة فيه، ولكن أباها غلبها على أمرها.. ثم رحلت إلى بنى عامر وسألت عن قبر قيس وهى تبكى وتردد أشعاره: لقد عنيتنى يا حب ليلى فقع إما بموت أو حياة فإن الموت أيسر من حياة منغصة لها طعم الشتات وقال الأمرون تعزَّ عنها فقلت نعم إذا حانت وفاتى ثم دخلت فى بكاء طويل.. وهى تردد: أنى لا أتعزى عنك يا حبيبى ولا أسلوك أبدا.. ثم أنشدت: أيلى الثرى وتراب الأرض جدته وزادنى الموت أشجانا على شجنى أبكى عليه حنينا حين أذكره حنين والهة حنت إلى سكن أبكى على من حنت ظهرى مصيبته وطير النوم من عينى وأرقنى والله لا أنسى الدهر ما سجعت حمامة أو بكى طير على فنن واستمرت تتردد على قبره عدة أيام، وتظل عنده حتى الغروب، وحضر إليها زوجها واعتذر لها.. وبالغ فى ذلك فلم تقبل منه.. حتى مضت أربعون يوما.. وفى اليوم الأخير ألصقت خدها بقبره وصاحت: كفى حزنا أنى أروح حسرة وأغدو على قبر ومن فيه لا يدرى فيانفس ذوقى حتف عمرك عنده ولا تبخلى بالله يا نفس بالعمر فما كان يأبى أن يجود بنفسه ليفدينى لو كنت صاحبة القبر وانكبت على القبر تقبله.. وتعانقه، ثم شهقت شهقة طويلة وصمتت بعدها إلى الابد.. ??? رحم الله العاشقين..