أظن أنه آن الأوان لكى يدرك العرب أن ما يحدث فى سوريا هو اتفاق ضمنى على الشعب السورى. فى هذه اللحظة لا يهمنى توزيع المسئوليات ولكن بعد كل ما عاناه الشعب السورى يجب أن نتوقف جميعاً لكى نضع حداً لهذا العبث، فلم يعد مقبولاً الحديث فى أية حسابات مادام الشعب والوطن فى سوريا والأمة كلها تدفع ثمن الحماقة السياسية أو التواطؤ الإجرامى ولا يجوز السكوت بعد اليوم على استنزاف الوطن والشعب فى سوريا وعلى هذه الحماقة العمياء التى ينتحر فيها العالم العربى بلا مبرر مقبول. وإذا عدنا إلى الساحة السورية لوجدنا أنه بعد عامين من الصراع فى سوريا، فقد أصبحت القضية لا تهم الشعب السورى، وإنما تهم أطرافاً خارجية ولا يمكن القول بأن الصراع الآن يقوم بين الشعب والحكومة وأنه سوف يحسم وفق معايير القدرة العسكرية لأننى أرى بوضوح أن أطرافاً كثيرة تتصارع على الأراضى السورية وتنشأ تحالفات غريبة، كل منها يريد أن يفوز بسوريا ليس لمصلحة الشعب، وإنما لمصالح ضيقة خارجية. ولا أظن أننى بحاجة إلى اطلاع المواطن العربى على أحشاء الصراع وإن كان لازما لإيقاظه على المأساة ولكنى بحاجة إلى الاسراع باطلاعه على الخسائر الفادحة والنتائج المذهلة لهذا العبث الذى يجرى على الأراضى السورية. النتيجة الأولى، أن مجمل الصراع يؤدى إلى تفتيت سوريا ودخولها فى حرب أهلية تختفى بعدها سوريا من الخريطة السياسية فى المنطقة. النتيجة الثانية، هى أن الذين يتدخلون من العرب فى المشهد السورى يتجاورون مع تركيا وإسرائيل والولاياتالمتحدة وفى ذلك خسارة فادحة لأن تركيا كانت قد أصبحت حليفاً لسوريا والقضايا العربية وكانت العلاقات قد توترت بينها وبين إسرائيل بسبب الصدام بين المشروع التركى والمشروع الإسرائيلى، وإذا كان العرب يعولون على الدعم التركى لقضاياهم فأنا أظن أنه لم يعد هناك قضايا مشتركة كما أن العرب كلمة تشير إلى قوم انقسم وتفرق وتشرذم حتى قال أحد شعرائهم فى نبرة حزينة «متى يعلنون وفاة العرب» وأنذر بعضهم بأن العرب قد خرجوا من التاريخ، وأظن أن هذه المقولات تصور الوضع العربى الراهن وهى تشبه الحالة فى العصور الوسطى التى ساند فيها بعض المسلمين الصليبيين ضد دول المشرق الإسلامى وهو نفس الانقسام الذى حدث فى الأندلس وأذن بغروب شمس الدولة الإسلامية المزدهرة بعد أكثر من ثمانية قرون. النتيجة الثالثة، هى أن إسرائيل تكتب لنفسها أكبر انتصار على هؤلاء القوم الذين تعتبرهم دائماً لا يستحقون الحياة أو الاحترام. لذلك فمن العبث مضيعة الوقت فى الحديث عما كان يسمى صراعاً عربياً إسرائيليا بعد أن أصبح انتحاراً عربياً تحت أقدام إسرائيل. وسوف يظهر باحثون فى المستقبل ليدققوا فى السؤال الآتى: هل إسرائيل هى التى رسمت خريطة الصراع واستدرجت إليه كل أعدائها ولو على الورق وأنها نجحت فى أن تواجه إيران فى سوريا، وكذلك حزب الله وهى تبدو وكأنها تقف مع الشعب السورى ضد النظام الذى استعان بإيران وحزب الله فتحدث بذلك خلطاً هائلاً فى الأوراق، وتبقى غزة وحماس وحدها رهنا بحسابات المشهد المصرى بكل ما يمثله من عجز وضياع ومؤامرة ودعوات مخلصات من بسطاء الناس أن يزيل الغمة ويرفع الكرب. النتيجة الرابعة، هى أن العرب وإسرائيل والتيار الإسلامى وتركيا يقفون فى جانب وتقف إيران وحزب الله مع النظام فى جانب آخر. قضية الصراع بين المعسكرين متشعبة، فكل له ليلاه، ولكل معسكر حلفاء المصالح علي المستوي الدولى، فواشنطن وموسكو وبكين تقف وفق حساباتها مع أطراف الصراع، والنتيجة هى أنه بعد عامين من الصراع أصبح فى المشهد السورى خاسر أكبر وفائز أكبر، أما الخاسر الأكبر فهو الشعب والوطن فى سوريا وإيران والمقاومة وأما الفائز الأكبر فهو إسرائيل. النتيجة الخامسة، هى أن ضحايا الصراع ليسوا هم الذين يرسمون مستقبل سوريا، فإذا انتصر النظام ومعه حلفاؤه بصرف النظر عن الضحايا خرجت سوريا من الصراع جريحة مهشمة ولكن رمزية الخروج فى نظر النظام هى نجاحه فى صد المؤامرة ونجاحه فى الإفلات من السقوط الذى خططت له إسرائيل عوضاً عن تطويعه وفقاً للمخطط الأمريكى. رمزية هذه النتيجة فى نظر إيران هى انتصارها على الخليج الذى ساند إسرائيل وحاربها وفق المنطق الإيرانى فى ساحة بعيدة مما يؤدى إلى نتائج أخرى فى العلاقات الإيرانية الخليجية، وهو هزيمة لمخطط إسرائيل باستنزاف إيران خاصة وأن إيران تعتقد وأن هزيمتها فى المسرح السورى يمكن أن تجعل ضربها كقوة إقليمية بعد قطع خطوط اتصالها والقضاء على حلفائها أمراً ميسوراً. أما إذا سقط النظام، فتلك بالحسابات الإقليمية هزيمة إيران ولحزب الله وانتصار كبير لإسرائيل ولكنه فصل جديد من المأساة السورية. ولذلك سوف يتبين العرب نتيجة مواقفهم فى سوريا خصوصاً بعد قمتهم الأخيرة فى الدوحة.. فالقضية لم تعد ارهاب الكتاب واتهامهم بالانحيار لطرف ضد آخر فى الصراع لأن المأساة تجاوزت هذه التصنيفات البلهاء. النتيجة السادسة هى أن تأرجح الصراع بين حدين: التسوية السياسية والحسم العسكرى هو انعكاس لأوهام وحسابات لا تضع المصلحة السورية العليا فى أى اعتبار فليس صحيحاً أن الصراع يقوم بين الثورة السورية وبين نظام فقد إحساسه بالوطن ويحارب من أجل البقاء ولكن الصحيح أن الجميع فقدوا إحساسهم بالوطن ويحاربون كأدوات فى حسابات القوى الأخرى. وكان يمكن لمصر أن تقوم بدور المخلص وأن تضع حلاً لهذه المأساة لولا أن الكثير من العوامل والظروف جعلت مصر نفسها بحاجة إلى حل لمشاكلها حتى تتصدر الساحة وتأخذ بيد سوريا الشعب والوطن. وأرجو أن تتشكل نخبة عربية مستنيرة تجتمع فى أى مكان وتتحلى بالشجاعة وتتسلح بالرؤية للمصلحة العربية العليا حتى تعلن حلاً للحالة العبثية التى يتم بها القضاء على الشعب والوطن فى سوريا. النتيجة السابعة، وهى أن استمرار الصراع واستماتة كل جانب لأكثر من عامين قد جعل المطالبة بإنهاء العبث بقطع النظر عن خطأ أو صواب أحد الأطراف أمراً مطلوباً وذلك فى ضوء الآثار المؤلمة داخلياً وخارجياً وفى إطار الأسرة العربية الواحدة، بينما أعداؤها يضحكون على جهلها المستمر عبر التاريخ، ولكن لا يجوز أن يستمر جهل الحكام بينما تصاعد وعى النخب والشعوب وأصبح الفارق بين وعى الحكام وشعوبهم فى بعض الأحيان لا يبرره سوى الحسابات السياسية للحكام وهى بحاجة إلى مراجعة جذرية. وهناك عشرات الأمثلة على ذلك مما يضيق به المقام ولا يتسع له السياق ولا تنحل به المشكلة. يكفى انهيار المرافق الأساسية فى سوريا وتشوه معالم المدن والقرى وتدميرالمنشآت والآثار والمساجد التاريخية وإضعاف قوة الدولة السورية وسقوط عشرات الآلاف قتلى وجرحى ضحايا لهذا الصراع العبثى بين طرف يرى أن يصد المؤامرة بأى ثمن والعدوان بكل الطرق وإنقاذ سوريا من هذه الهجمة، وطرف آخر يعادى النظام ولكنه لا يهتم بتدمير الوطن. يكفى أيضاً أن ملايين السوريين الكرماء الذين كانوا يحتضنون اللاجئين من فلسطين ولبنان والعراق قد أصبحوا هم أنفسهم لاجئين فى أرض عربية لم يعد مصيرها بيد العرب وطالبوا بالمساعدات الدولية بعد أن كانوا أعزة فى أوطانهم. النتيجة الثامنة، هى أن ارتفاع وتيرة الصراع قد أنهك الجيش السورى الذى دفع إلى المعركة العبثية ضد أشباح يشترك معها القاعدة ولهذه قصة، لان الولاياتالمتحدة التى أقنعت العالم بأنها تحارب القاعدة لا تجد غضاضة فى أن تحارب النظام فى سوريا مع القاعدة التى تضرب فى العراق والجزائر والمغرب واليمن والسعودية وغيرها، والأطرف أنها تتهم بأنها تتحالف مع القاعدة حتى صارت القاعدة شبحاً لا يعرفه إلا المتعاملون معه ولكنها كلمة نالت من الشيطنة ما يكفى لإثارة القلق لمجرد النطق بها. ومن الطبيعى أن يكون لدى سوريا الدولة أسلحة كيماوية بل ومن الطبيعى والمأمول أن يكون هناك أسلحة عربية بقرار عربى تدافع عن المصالح العربية ولكن أصبحت إسرائيل التى تمتلك كل أنواع الأسلحة هى التى تتهم سوريا بامتلاك الأسلحة النووية وأصبح امتلاك إسرائيل لكل الأسلحة بما فيها النووى والكيماوى أمراً مشروعاً عند العرب بينما تنهمر دموع التماسيح الإسرائيلية والأمريكية على شبهة استخدام هذه الأسلحة ضد المدنيين السوريين. ونسارع إلى القول بأن كل الأسلحة مشروعة فى حوزة الدولة ضد أعدائها ولكن استخدام هذه الأسلحة لأى سبب ضد المدنيين جريمة كبرى لا تبررها أى أسباب حتى لو كان الطرف الآخر فى الصراع يتخفى ويلتحف بالمدنيين وفى هذه الحالة تصبح جريمة مزدوجة، جريمة من استخدم السلاح وجريمة من احتمى بالمدنيين واتخذهم دروعاً بشرية. والأخطر من ذلك أن موضوع الكيماوى قد أصبح يقدم كذريعة جديدة للتدخل العسكرى الإسرائيلى والأمريكى. فهل بعد كل ذلك لا يزال العرب سائرين نحو هدفهم وتآمرهم على الشعب السورى بحجة نصرته؟. يجب أن تنعقد قمة عربية عاجلة بعقلية جديدة وفى ضوء هذه المحاذير للتوصل إلى حل سياسى يبرئ ساحة من دفعه جهله أو حساباته الي المشاركة فى الحالة العبثية السورية ولابد أن يقف الصراع فوراً وأن تشرف الدول التى ليست طرفا فى الصراع على وقف الصراع وعلى التسوية وأن يلتقط الشعب السورى أنفاسه بحكومة تتعاون مع الكتلة العربية غير المتورطة وأن تجرى انتخابات حرة فى سوريا بعد عدة أشهر وأن يرحم الجميع السوريين وكفى ما عانته سوريا عندما دخلت دائرة الصراع الجهنمية.