من الخطأ السياسي الفادح الظن بأن الموقف الإيراني من إسرائيل أو الولاياتالمتحدة هو موقف أيديولوجي تمليه ولاية الفقيه ونظام الحكم علي السياسة الإيرانية. والحقيقة هي أن المواقف الإيرانية من إسرائيل أو الولاياتالمتحدة هي مواقف تمليها المصالح الإيرانية وحدها إقليميا وعالميا, ولادخل للإسلام من بعيد أو من قريب بالتحركات والتصريحات الإيرانية. ونحن لاننكر هذا الحق علي إيران وقادتها, ففي عالم السياسة يكون الحكم للمصالح من قبل ومن بعد. وكل ما نرفضه من إيران هو خلط الأوراق بين المصالح الإيرانية والدين الإسلامي. بالأمس اختار الرئيس الإيراني موقعا لصراخه في الخليج العربي ليعيد ويزيد ويهدد ويتوعد وينتقد ويهاجم.. وقف محمود أحمدي نجاد علي الشاطئ العربي من الخليج في قطر بالقرب من العرب في شهر رمضان يتوعد إسرائيل بالفناء التام إن هي هاجمت إيران. وينتقد الفلسطينيين الذين يسعون للحصول علي حقوقهم ودولتهم وبناء مؤسساتها عبر التفاوض مع إسرائيل وحلفائها في أمريكا وكافة دول الغرب في كل المحافل والدوائر والأوساط. المسألة بسيطة وسهلة ومفهومة, وهي أن إيران لاتريد سلاما في المنطقة, وإن أرادته فلا بد أن يحظي بمشاركتها ومباركة ملاليها.. ولغة نجاد ليست جديدة علينا, فهو يحاول أن يضع طهران علي مائدة أي مفاوضات تتعلق بمنطقة الشرق الأوسط, وأهدافه واضحة للجميع. فهو يريد أن يخرج من كل حدث وكل تفاوض بما يدعم موقف إيران ويعزز مصالحها, دون أي اهتمام بمصالح الآخرين. وإيران تعبث بأصابعها وسياساتها بل بمخابراتها وميليشياتها وجماعاتها المسلحة والطائفية في أنحاء المنطقة.. والأمثلة بينة وقاطعة, فأياديها وألاعيبها ضد أمن واستقرار لبنان معروفة للجميع عبرتهديدات حزب الله اليومية لشركائه في الوطن مستخدما سلاح المقاومة, كما أن إيران متورطة في الفوضي التي ضربت العراق, ولاتريد لهذا البلد العربي الكبير أن يعود قويا صحيحا ومتصالحا. وتنتظر كل فرصة لتأجيج الصراع الطائفي بين السنة والشيعة والطوائف الأخري. كما أن نيران إيران مشتعلة في جبال اليمن, تشعل الفتنة مع الحوثيين في الشمال, وتجدد النزاع بين الشمال والجنوب اليمني. إيران تحتل الجزر الإماراتية وتهدد الإمارات يوميا, وإيران تهدد قطر نفسها.. ومطامعها في البحرين لن تهدأ, وكذلك الكويت.. إيران حاضرة في كل صراع بالمنطقة. وحروبها الخفية غير المعلنة مع دول الخليج وفي مقدمتها السعودية, وصراعاتها معها غير خافية علي أحد.. وإستخدام الأقليات الشيعية لإثارة الفتنة والقلاقل من جانب إيران أوضح من أن تخطئه العين!. أيضا فإن موقف إيران من استخدام القضية الفلسطينية لمصلحتها معروف للجميع, فهي وراء الانقسام بين غزة والضفة.. وعندما تجد نفسها في موقف صعب في المجتمع الدولي تلجأ إلي سياسة مازالت تتصور أنها تروق للشارع العربي وتدغدغ بها مشاعره.. فالعرب الذين تخلوا منذ زمن عن لغة الوهم وخطاب الخديعة ومفردات محو إسرائيل من الوجود والزج بها في عرض البحر لتموت غرقا, يجدون أنفسهم اليوم في مواجهة طرف جديد, أراد أن يرث ذلك الخطاب الذي جاءنا بأكبر الهزائم في تاريخنا.. وحتي صدام حسين حينما أراد بعث ذلك الخطاب في تسعينيات القرن الماضي دفع ثمنه باهظا, وأدخل العراق في دوامة لايزال الخروج منها صعبا. وإيران تعلم أنها لن تفعل شيئا مما تهدد به, ولكنها تتصور ذلك خطابا يروق للعرب.. ولاتعلم أن الشارع العربي تعلم كثيرا وطويلا مغزي تلك الكلمات, ولن يكون غريبا أن يتهكم العرب بالخطاب التعبوي الإيراني. نجاد لا يقصد إسرائيل, فالرسالة موجهة إلي دول الخليج العربي, وهو يهدد أمريكا عبر تهديد الخليج..أما عند الحديث عن إسرائيل فيستخدم لغة غوغائية يستند إليها بحثا عن تابعين له في بلاد العرب.. يهددنا ويبحث عن الشعبية في منطقتنا!. وتلجأ طهران عندما تواجه العزل والضعف والحصار إلي استخدام الشعارات في استخفاف واضح بالعقل العربي, فليس من بين العرب من يصدق إيران ومن يصدق حقيقة أنها راغبة في محو إسرائيل لحساب العرب أو الفلسطينيين.. وعلي الإيرانيين أن يخرجوا من ملف الشرق الأوسط, وأن يعرفوا أن ملفهم النووي غير مطروح للمقايضة بالقضية الفلسطينية أو أي قضية عربية أخري, فالعرب لن يتركوا حقوقهم للإيرانيين أو الأمريكيين, وبالقطع لن يتركوه للإسرائيليين. الإيرانيون يلعبون لعبة ساذجة أو إذا شئنا الدقة فإن نجاد عبر جماعته المتطرفة وليس الإيرانيين كلهم هو الذي يلعب تلك المسرحية القديمة, حيث إن أغلبية الشعب الإيراني ليست معه, فهم يدركون عواقب التطرف وعدم احترام حقوق دول المنطقة ويستمعون لصوت العقل ويعرفونه جيدا.. أما معالجة الملف النووي أو المشروع الإيراني النووي فيجب أن تتم بعيدا عن المقايضات والألاعيب ضد دول المنطقة العربية, أوباستخدام شماعة إسرائيل.. وعليهم أن يتفاوضوا مباشرة مع أمريكا والغرب لمصلحة إيران, ولأن المنطقة لا تحتاج إلي تكرار أخطاء وخطايا سابقة ولا أن ندفعها إلي الحروب. لا نريد حروبا جديدة أوعبثية علي طريقة صدام حسين ومن هم علي شاكلته.. فالشرق الأوسط جدير بالازدهار والتطور والنمو وسلام الأقوياء, وعلي إيران أن توقف أذاها وتورطها ضد الشعوب العربية في إثارة الفتن والقلاقل والتهديدات العبثية, وأن تحترم إرادة شعوب المنطقة العربية. نقلا عن صحيفة الاهرام المصرية