طرقت الأزمة السورية آثاراً بعيدة المدى وخاصة فى قطاعين أساسيين هما المصالح الأمنية السورية والمجال الثانى هو ميزان القوة بين إسرائيل والفلسطينيين على أساس أن الصراع لم يعد عربياً إسرائيليا وإنما هو صراع فلسطينى إسرائيلى رغم أن الثورات العربية يمكن أن تجعله صراعاً بين إسرائيل والعالم العربى وأرجو أن تدرك القيادة السورية هذه المخاطر التى ينتجها استمرار الأزمة فى سوريا. أما المجموعة الأولى من المخاطر على الأمن السورى فهى عديدة أولها إضعاف قدرة سوريا على تحرير الجولان أو التفاوض من أجل هذا التحرير ووضع سوريا الضعيفة المتكافأة على الداخل فى مرمى الاستهداف الإسرائيلى كما أن مقاومة سوريا للضغوط الأمريكية والإسرائيلية لن تستمر إذا كانت هذه الضغوط والمشاركة فى الأزمة تهدف إلى تخيير النظام بين تحالفاته الحالية مع إيران والمقاومة مع ما جره ذلك من ضغوط عربية على سوريا بمناسبة الأزمة وبين قبول النموذج المصرى مع إسرائيل والولايات المتحدة أى أن تكون سوريا خاضعة للإملاءات الأمريكية والإسرائيلية وخاصة التخلى تماماً عن فلسطين لصالح مخططات التهويد الكامل بما فى ذلك القدس. وتلحق الأزمة بالغ الضرر بالمصالح السورية فى لبنان وبحلفاء سوريا فيها، على أساس أن لبنان فى تقديرى أهم من الجولان من وجهة نظر المصالح الاستراتيجية السورية من ناحية أخرى تسببت الأزمة السورية فى تبدل موازين القوة فى المنطقة لصالح إسرائيل ولذلك فليس هناك ما ينفى أن لإسرائيل دوراً ما فى هذه الأزمة رغم إيمانى العميق بأن الأزمة حتى لو كانت من صنع المؤامرة ستظل دائماً أكبر اخفاقات النظام فى سوريا وأن الجمود فى معالجتها والتحصن بالقوة العسكرية هو الطريق الأقصر إلى هلاك الوطن. ولذلك فإنى أرجو مخلصاً الالتفات إلى مؤشر المصلحة الوطنية فى هذه النقطة وألا تندفع القيادة السورية مع إغفال أن كل قطرة دم تراق تدخل الوطن فى دائرة الخطر. صحيح أن إسرائيل يئست من أن تحول النظام فى سوريا إلى النموذج المصرى وأن النظام احتفظ بدور فى دعم المقاومة ضد إسرائيل ولذلك أدت الأزمة إلى إضعاف المقاومة وإلى إحراج إيران أمام العالم لأن حديث المؤامرة لا يبرر أنهار الدماء، كما أن هذه الأنهار من الدماء ليست الدافع الوحيد أمام الغضبة المضارية العربية. فى التحليل الأخير كانت المقاومة وإيران هى أهم أوراق سوريا للمحافظة على أمنها فى لبنان ومع إسرائيل كما كانت سوريا هى الحلقة الوسيطة الخطيرة بين إيران والمقاومة مما يعنى أن سقوط النظام فى سوريا لا يمكن أن يؤدى إلى نشأة نظام بنفس هذه التحالفات وإنما يؤدى إلى أن يكون للنظام الجديد تحالفات جديدة هى بالطبع الدول التى تساعد على إسقاط النظام. إذا كان النظام فى سوريا بدأ وطنياً عروبياً مقاوماً للضغوط والإملاءات فإن كسر النظام ليس بالضرورة مؤدياً إلى نظام جديد بنفس القدر من الوطنية أو الممانعة ويكون سقوط النظام هو المكافأة الكبرى لإسرائيل والولايات المتحدة ولمعسكر الاعتدال العربى الذى خرجت مصر عنه بعد الثورة عدة خطوات وهذا يفسر التناقض بين موقف وزارة الخارجية المصرية وبين مجلس الشعب المصرى من الأزمة السورية. وليس معنى ما تقدم أننى لا أقر حق الشعب السورى فى الديمقراطية والحرية وأننى شديد الحرص على دماء كل الشعب السورى وعلى الوطن السورى كما أننى أقيس جودة النظام أو سوءه بمدى حرصه على هذا الدم وعلى هذا الوطن وأصر على أن النظام فى سوريا يجب أن يبادر الآن قبل الغد إلى وقف أعمال القتل وأن يحتوى الموقف لأن النتائج بالغة الخطر على الوطن السورى، كما أن النظام لا يستطيع عقلاً ومنطقاً أن يستمر فى ظل هذه الظروف ولا أن يدعى أنه انتصر على المؤامرة، فالمؤامرة أدخلته فى دومتها وتوشك أن تعميه عن قراءة الوقائع بعقل مفتوح كما كان ممكناً أمس لم يعد ممكناً اليوم أو غداً. ويترتب على ما تقدم أن اختفاء النظام فى سوريا يفقد إيران الطريق إلى دعم حزب الله وحماس لأن الدول العربية التى تناهض النظام ليست داعمة للمقاومة ضد إسرائيل ولذلك فإن هذه الدول ليست بديلاً عن إيران فى دعم المقاومة وفى هذه الحالة تتحول المقاومة إلى حركة سياسية مما يعيد رسم خريطة لبنان ومن الصعب التمييز فى الحسابات السياسية بين النظام فى سوريا والدولة السورية من وجهة نظر المقاومة ولما كانت مصالح إيران والمقاومة حاسمة فى هذه المعادلة فقد كان هذا الاعتبار هو الذى سمح بالحديث عن حياد إيران أو حزب الله فى الأزمة أو عدم حيادهما لأن المصلحة لهما فى النظام متحققة وهى أيضاً مصلحة للوطن السورى. وخلاصة القول أن استمرار الأزمة مع استمرار الضغوط والتدخلات وخاصة تسليح المعارضة السورية سوف يؤدى إلى سقوط الوطن قبل سقوط النظام كما يؤدى ذلك إلى إضعاف المقاومة أو القضاء عليها مما يضعف الجانب الفلسطينى ويجعل إسرائيل القوة المسيطرة ويفتح الباب أمام تصفية القضية الفلسطينية وتدجين لبنان. فهل هذا كله مصلحة عربية؟! إننى أرجو أن تهتم الجامعة العربية والحكومات العربية وفى مقدمتها الحكومة السورية بهذه التداعيات وهى مفتاح الموقف اليوم ولكنها لن تكون كذلك فى المستقبل وعليها أن تعيد النظر فى معايير الكسب والخسارة قبل فوات الأوان وقبل أن يطبق الخطر بكامله على حسابات الأزمة. وبذلك تكون الضغوط قد نجحت فى وقف النزيف مما يسعد الدول العربية والشعوب العربية كما يحبط ذلك آمال إسرائيل فى سوريا الضعيفة المقسمة، والتى تصبح بذلك لا قدر الله عبئاً جديداً على العالم العربى.