تواجه الكثير من المشروعات فى مصر أزمة مالية ضخمة ومصيرًا مجهولًا وتكتوى بنيران هذه الأزمة الشركات الكبرى والمشروعات المتوسطة والصغيرة سواء بسواء، وكم طالعتنا الصحف والمواقع الالكترونية بأنباء عن تعثر بعض الشركات الكبرى وعدم قدرتها على الوفاء بديونها، وكم من شركة توقفت عن سداد القروض المصرفية، ولم تمكنها مواردها حتى من القدرة على سداد فوائد هذه القروض. والأمثلة كثيرة.. وما تعانيه المؤسسات الصحفية من أزمة بسبب تضخم ديونها ليس خافيًا عن متابع، فكم من قرض مصرفى تضخمت فوائده حتى فاقت أصل الدين بأضعاف كثيرة. ولكن ما يحزن له القلب وتدمع له العين أننا نلاحظ أن نسبة كبيرة من المشروعات التى أنشأها رجال أعمال مخلصون لمصر قد اضطرت إلى إغلاق أبوابها أو كادت أن تغلق بسبب عدم قدرتها على الحصول على الأموال اللازمة لشراء المواد الخام، وسداد فواتير الكهرباء وأقساط شراء الأرض أو إيجارها وأقساط ثمن آلات المصانع ومعداتها، وسداد رواتب عمالها. الأمر الذى تسبب فى قيام بعض هذه المشروعات إما بتخفيض أجور العاملين فيها أو بالاستغناء عن بعض أو كل العاملين بسبب عدم وجود موارد للإنفاق على مستلزمات الإنتاج. فهل للقارئ أن يذهب لزيارة المناطق الصناعية فى المدن الجديدة أمثال العاشر من رمضان - والسادس من أكتوبر - وبدر - والمنيا الجديدة - وأسيوط الجديدة - والفيوم الجديدة.. وغيرها؟ وهل لنا أن نذهب معًا لرؤية ما تعانيه قلعة صناعة الغزل والنسيج فى المحلة الكبرى، وصناعة الحديد والصلب فى حلوان، بل وصناعة البلاستيك وغيرها من الصناعات الخفيفة؟ وما وصلت إليه تجارة بورسعيد الباسلة من كساد وركود ليس خافيًا على أحد. فما هو الحل الأمثل إذن؟ هل الوسائل التقليدية للتمويل متاحة؟ إذا ذهب تاجر أو صانع للحصول على التمويل فهل سيجد آذانًا صاغية؟ إن التاجر أو الصانع أو مقدم الخدمات من المشروعات المملوكة للمال العام أو تلك المملوكة للمواطنين المصريين ليس أمامه - حاليًا - لتوفير الأموال اللازمة لاستمراره فى صناعته أو تجارته إلا سلوك أحد طريقين: * الأول: زيادة رأسماله بضخ المزيد من أمواله الخاصة فى المشروع. فإذا كانت لديه الرغبة فى استمرار مشروعه: هل يملك القدرة على ذلك؟! إذا وجهت هذا السؤال إلى الشركات كبيرها وصغيرها ستجد إجابة واحدة.. من أين؟! لقد دفعنا كل ما نملك وليس لدينا المزيد لندفعه. * الثانى: الحصول على تمويل إما من سوق النقد أو من سوق رأس المال. فإذا ذهب مدراء المشروعات إلى سوق النقد والمقصود بهذه السوق البنوك؛ فإن البنوك سوف تمتنع عن ضخ أموال فى هذه المشروعات بسبب عدم التأكد من قدرتها على الوفاء بالديون.. هذا بالنسبة لسوق النقد! أما بالنسبة لسوق رأس المال؛ توجد العديد من أدوات التمويل فى سوق رأس المال بخلاف زيادة رأسمال الشركة.. من هذه الوسائل إقدام المشروع على إصدار سندات.. ولكن هل إذا أصدر المشروع سندات بالأسلوب التقليدى هل سيكون هناك إقبال على الاكتتاب فى هذه السندات؟ وكيف سيتم تحديد سعر الفائدة على السند؟ إن سعر الفائدة على السند سيرتفع إذا كان المشروع يمر بضائقة اقتصادية.. لماذا؟! لأنه كلما كانت أزمة المشروع أكبر كلما زاد سعر الفائدة لأن سعر الفائدة المحدد يدخل فى تحديده عنصر المخاطرة.. وكلما كانت المخاطر أكبر كان سعر الفائدة أعلى! وقد يقول قائل: ما هى المشكلة؟.. إن المشروع سوف يربح ويسدد الفوائد وأصل الدين.. فالمشكلة تكمن فى أن ربط الفائدة بالمدة الزمنية هى التى تجر المشروع إلى التهلكة. فاليوم الأول الذى يحصل فيه المشروع على قرض من سوق النقد أو من سوق المال سيدخل فى احتساب الفوائد التى يلتزم المشروع بسدادها، وعلى المشروع أن يسدد أصل الدين وفوائده بغض النظر هل ربح المشروع أم خسر؟!.. فالممول هنا لا يتدخل فى إدارة المشروع ولكنه يشغل أمواله فقط. وإذا كان التمويل بهذا الأسلوب يثقل كاهل أصحاب المشروع.. فما هو الحل؟! أصحاب المشروع ليس لديهم مال يضخونه فيه.. أى لا يمكنهم زيادة رأسماله، والبنوك تمتنع عن إقراض المشروع، ..وأسعار الفائدة على السندات لا تساعد المشروع على الوفاء بها. فما هو الحل؟ الحل عزيزى القارئ فى الحصول على شريك مؤقت! ماذا نقصد بشريك مؤقت؟ نقصد أن يقبل الشريك الآتى: 1- أن يقوم بضخ أموال أو إعطاء المشروع أموالًا ولا يحصل على فائدة محددة على هذه الأموال. 2- أن يسترد الشريك المؤقت أمواله التى دفعها للمشروع بعد مدة زمنية محددة. 3- ألا يتدخل الشريك المؤقت فى إدارة المشروع. وهنا نخلص إلى السؤال الأهم: ما الذىيجبر الشريك المؤقت على دفع أمواله للمشروع رغم أنه لن يحصل على فائدة محددة على هذه الأموال، كما أنه ربما يخرج من المشروع وقد يحصل على جميع أمواله أو يخسر بعضها.. وللحقيقة فالمشاعر الدينية والإنسانية وحدها لا تكفى حتى تحمل من معه مال أن يدفعه لمن لديه مشروع. فما هو الحل؟ الحل هو ما ذهب إليه العالم من حولنا وهو الصكوك. فقد تم إصدار صكوك بما يزيد عن 200 مليار دولار ويبين الرسم البيانى رقم «1» تطور إصدار الصكوك التى ساهمت فى نمو اقتصاديات العديد من الشعوب. ونظرًا لأن المشاعر الإنسانية والدينية ليست هى القول الفصل ولكن نظريات التمويل وآلياته ومدى نجاحها وكيفية التخلص من الأزمات التى يتعرض لها الاقتصاد هى القول الفصل فقد أقبلت البنوك التقليدية الكبرى وأهمها HSBC على هذا النوع من الصكوك، ويبين الجدول التالى أن أكثر من 80% من إصدارات الصكوك أقبلت عليها بنوك غير إسلامية. ولكن ماذا سيجنيه مالك الصكوك؟ إن مالك الصك سيحصل على الآتى: 1- عوائد على استثماراته تقدر بنحو 20% من حجم العوائد التى يحققها المشروع. 2- استعادة رأسماله الذى استثمره بعد انتهاء مدة الصك «مدة الاستثمار». 3- يضمن أن أمواله المستثمرة فى جزء من المشروع أو المشروع بأكمله تضمنها الأصول التى يمولها الصك.. ولنضرب لذلك مثلًا: إذا كان الصك سيمول استيراد مواد لتصنيعها فى مصنع معين.. ستكون المواد المستوردة ملكًا لأصحاب الصكوك إلى أن تستخدم، ثم الأموال المتحصلة من هذه المواد عند بيعها ستكون ملكًا لأصحاب الصكوك، وسيقتسم أصحاب المشروع وأصحاب الصكوك العوائد بنسبة 80% لأصحاب المشروع.. و20% لأصحاب الصكوك «تقريباً». وما سبق عرضه يدفعنا إلى التساؤل التالى: كيف تنجح الصكوك؟.. هذا هو ما سنتناوله فى المقال التالى يوم الأحد القادم إن شاء الله.