هل ما نراه الآن من شروخ وتصدعات فى جدار الأحزاب الإسلامية هو تحول استراتيجى أم خلاف تكتيكى عابر كما أشار أحد قادة جبهة الإنقاذ؟! وهل ساهمت أطراف من خارج التيار الإسلامى فى تأجيج هذا الخلاف وتوسيع الصدع لإضعاف هذه الكتلة الأقوى على الساحة السياسية.. قبيل الانتخابات البرلمانية القادمة؟ وهل يمكن القول بأن أسس الاتفاق والتوافق بين الأحزاب الإسلامية أقوى كثيراً من عوارض الاختلاف الظاهرة؟ وهل نحن أمام مرحلة جديدة من إعادة فك وتركيب الساحة السياسية عموماً.. والإسلامية خصوصا؟.. أسئلة كثيرة نطرحها ونجتهد للإجابة عنها هنا.. بشكل جاد وصريح.. دون مواربة أو تلميح!! بداية يجب الاعتراف بوجود قضايا كثيرة اختلفت حولها الأحزاب الإسلامية عموماً.. وحزب الحرية والعدالة وحزب النور خصوصاً، كما أن حزب النور أو التيار السلفى شهد بعض الانقسامات التى أدت إلى خروج بعض قيادات النور وتشكيل حزب الوطن تعبيراً عن تعدد التوجهات داخل التيار السلفى.. حديث العهد بالعمل السياسى.. وقليل الخبرة بألاعيب فن السفالة الأنيقة!! ولعل ما تشهده الساحة السياسية المصرية عامة حالياً وخلال الفترة الماضية.. ومستقبلاً أيضاً.. يعكس كل فنون السفالة السياسية.. بدءاً من التمويل الأجنبى.. والمؤامرات التى تستهدف أمن مصر ومصالحها القومية.. ومروراً بالبلطجة السياسية والإعلامية.. والمخدرات بكل أنواعها.. سياسية.. وحقيقية! وهناك قيادات ورجال أعمال يتآمرون فى الخفاء لضرب استقرار البلاد.. ويمتلكون عشرات المليارات من الدولارات التى نهبوها من دماء الشعب البائس.. ويستخدمونها ضده.. ويمولون كل أشكال العنف والتخريب تحت شعارات سياسية وبواسطة أدوات إعلامية مدمرة. المهم أن اختلافات التيارات الإسلامية - خاصة السلفية منها - نشأ عنها بروز أحزاب وتكتلات وتيارات جديدة.. قد يبدو بعضها قريباً من جبهة الإنقاذ.. ويبدو جانباً منها متناقضاً معها.. بل مضاداً لها، كما أن إقالة المستشار خالد علم الدين واستقالة المستشار بسام الزرقا من مؤسسة الرئاسة وما صاحبه وتلاه من تراشق إعلامى حاد يعكس حالة من عدم التنسيق أو التوافق داخل الهيئة الاستشارية المعاونة للرئيس، وكنا نتصور أو نتوقع أن تتم معالجة هذه المشكلة بأسلوب أكثر هدوءاً وحكمة وألا تخرج إلى العلن إلا بعد حسم كل الجوانب القانونية والرقابية والسياسية أيضاً، فليس من الحكمة الآن - ولا من مصلحة مؤسسة الرئاسة أو مصلحة مصر - بروز انشقاقات وخلافات جديدة فى هذا التوقيت الخطير الذى تشهده البلاد ويقاسيه العباد، بل كان من الضرورى والمُلح أن يحدث حوار جاد داخل المؤسسة الرئاسية ذاتها.. يتناول كل المسائل الخلافية (الإدارية والقانونية والشخصية) وأن يتم التوصل إلى حل موضوعى عقلانى لها، ولا يمكن أن نطالب بحوار جاد بين مؤسسة الرئاسة وبقية الأحزاب، بينما لا يوجد مثل هذا الحوار داخل المؤسسة الرئاسية ذاتها، والدليل ما حدث من استقالات أو إقالات لبعض معاونى ومستشارى الرئيس. وللأسف الشديد فإن الخلافات داخل البيت الرئاسى خرجت إلى العلن بشكل واضح وحاد.. وتطورت إلى اتهامات متبادلة وانفعالات قوية.. قد يكون بعضها عفوياً وتلقائياً.. وجانباً منها غير منضبط ومرفوض أيضاً، بل إن التيار الإسلامى عموماً مطالب بتقديم نموذج راق فى أدب الخلاف.. هكذا يأمرنا ديننا الحنيف ويدعونا رسولنا الكريم عليه أزكى الصلوات والتسليم. وقد يكون من أسباب الخلاف داخل البيت الإسلامى.. تباين الخبرات بين الأحزاب الإسلامية.. خاصة السلفية حديثة العهد بهذه المعمعة الطاحنة.. وهى التى تمارس السياسة بأخلاق الدين وقيمه الرفيعة والسامية.. بينما بعض الساسة يمارسونها بلا أخلاق ولا أدب ولا ضمير!! بل إن بعضهم يقتل بالكلمة.. ولا يُقدِّر خطورة الألاعيب والمؤامرات التى يحكيها ضد مصر وضد نفسه فى نهاية المطاف كما أن العدد الكبير للأحزاب الإسلامية فى مصر - نحو 17 حزباً - خلق حالة من الحراك والتفاعل الشديد.. وربما أدى ذلك إلى تجاوزات وصدامات غير محسوبة أو غير مقصود. لذا فإن التيار الإسلامى يحتاج إلى هيئة عليا للتنسيق وتحقيق التوافق على الأسس المشتركة لمصلحة مصر أولاً ولمصلحة التيار الإسلامى ذاته، ونحن نقترح إنشاء هيئة إسلامية عليا تعقد مؤتمراً عاجلاً لرأب الصدع والشروخ التى نراها الآن ولا تخفى على أحد.. بل إن بعض أطياف المعارضة لم تخف سعادتها بهذه الشروخ.. وساهمت فى توسيعها وتأجيج نيرانها. والأهم من ذلك كله أن التيار الإسلامى بتنويعاته وتبايناته يحظى بأسس قوية للاتفاق.. ومنها: * التوافق الفكرى والأيديولوجى والعقائدى.. فكل الأحزاب الإسلامية سُنّية المذهب.. ولا خلافات عقائدية جوهرية بينها، بل لا نبالغ إذا قلنا إن هناك اتفاقاً كبيراً فيما بينها فى ذلك المجال. * التحالفات الانتخابية والسياسية السابقة تؤكد أن التوافق والاتفاق والتجمع فى إطار واحد هو الأفضل لجميع الأطراف.. بل إن هذه الأحزاب حققت نتائج ممتازة فى الانتخابات البرلمانية (الشعب والشورى) وانتخابات الرئاسة والاستفتاءات بكل مراحلها.. بفضل تحالفها وتنسيقها الوثيق. * إن مصلحة هذه الأحزاب الإسلامية أن تترابط وتتجمع وتتماسك فى مواجهة معارضة رافضة لكل الحلول والحوارات وتضع شروطاً تعجيزية متعمدة بهدف إسقاط التيار الإسلامى ككل.. وليس الإخوان أو الحرية والعدالة وحدهما. * هناك مشروع إسلامى مشترك بين هذه الأحزاب.. وقد تتباين بعض تفاصيله وأساليبه وتكتيكاته من حزب لآخر.. ولكنه فى نهاية المطاف يصب فى هدف واحد: مصلحة مصر والأمة العربية والإسلامية، إذاً فواجب هذه الأحزاب الإسلامية أن تعى خطورة المرحلة وجسامة المسئولية التى تتحملها.. لمستقبل مصر وأمتها، فلو سقط المشروع الإسلامى - لا قدر الله - بسبب أخطاء تكتيكية أو نتيجة صراعات حزبية أو مصالح فردية.. فإن الأمة بأسرها - وليس مصر وحدها - سوف تدفع ثمناً تاريخياً غالياً نتيجة سقوط هذا المشروع لا قدر الله. يجب أن تدرك كل الأحزاب الإسلامية أن أعداء الأمة يعملون بكل همة فى الداخل والخارج لإسقاط المشروع الإسلامى وإجهاضه بكل السبل القذرة وغير الشريفة، لذا فإن مسئوليتها - وعلى رأسها الحرية والعدالة والنور - تقتضى تجاوز كل الخلافات الهامشية وأن تدرك أن هذه هى المرحلة الأخطر فى تاريخها وتاريخ أمتها، فالأعداء متربصون على الأبواب.. ومنهم من يرتدى عباءة الصداقة والقرابة والشراكة.. ويطعننا فى ظهورنا للأسف الشديد. لذا فإننا نقدم روشتة لعلاج هذه الشروخ.. وعدم توسيعها حتى لا تصبح صدعاً كبيراً لا قدر الله: * يجب وقف التصريحات الإعلامية والسياسية بين أطراف التيار الإسلامى عموماً وبين النور والحرية والعدالة - أو الإخوان - خصوصاً.. اقتداء بقول الرسول الكريم: «وهل يكب الناس على وجوههم فى النار إلا حصائد ألسنتهم»، وهناك قوى كثيرة سعيدة بهذا التراشق الذى يصب فى مصلحة المعارضة المنافسة.. والإعلام الفاسد الذى يقتات على المشاكل ويصنع الأزمات ويؤجج نيرانها. * تجاوز الأخطاء التكتيكية البسيطة بعد الاعتراف بها، فكلنا نخطئ.. وخير الخطائين التوابون، وإذا كانت بعض الأخطاء قد خرجت إلى الإعلام.. فإنه لا يجب السير فى ذات الاتجاه وأن يتم احتواء هذه المشاكل بروح الود والصداقة والأخوة.. داخل البيت الإسلامى الواسع، فليس منطقياً أن تدعوا الأحزاب الإسلامية الجميع إلى الحوار والمصالحة وألا نتحاور وألا نتصالح مع أنفسنا ومع بعضنا البعض. * محاسبة المخطئ أياً كان موقعه أو انتماؤه الحزبى أو الأيديولوجى.. «ولو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها»، هكذا علّمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، بل إن من شيم الكبار الاعتراف بالخطأ والاعتذار عنه وطلب الصفح والمغفرة من الله، والحساب الدقيق والحاسم يجب أن يشمل الجميع دون استثناء.. حكومة ونظاماً ومعارضة.. وشعباً أيضاً، رغم أن الشعب يحصل على حسابه فورياً.. بنيران الأسعار وغياب الأمن وسقوط هيبة الدولة للأسف الشديد. * نحن ندعو الأحزاب الإسلامية عموماً للإعداد والاستعداد للمعركة البرلمانية القادمة.. فوراً.. ودون إبطاء أو تراخ.. فهناك من يستعد بالمال.. ومن يتأهب بالمؤامرات.. ومن يقاتل من أجل «كوتة» أو حصة من كعكة البرلمان القادم، فلا تضيعوا الفرصة على أنفسكم.. بل لا تضيعوا إنجازاتكم الانتخابية السابقة.. بخلافات هامشية عابرة. * يجب أن تقدم الأحزاب الإسلامية نموذجاً للعمل الوطنى البنّاء والجاد، ويكفيها شرفاً أنها لم تنخرط فى أعمال العنف والتخريب بعد الثورة.. وحتى الآن، بل التزمت الحكمة والهدوء وضبط النفس من أجل مصلحة البلاد والعباد. نعم نحن ندرك أن الساحة السياسية المصرية والإقليمية شديدة التفاعل والاضطراب وسريعة التغير، ولعل ما نراه الآن من شروخ.. قد يكون دافعاً لإعادة البناء والتوحد من أجل مصلحة مصر، وفى السياسة لا يوجد مستحيل.. ولا يوجد خلاف دائم.. أو طلاق بائن!!