مثل ظهور الرئيس السابق حسني مبارك ونجليه ووزير داخليته وكبار مساعديه في قفص المحكمة مرحلة جديدة لثورة يناير المجيدة، وما علينا إلا أن ننتقل بهدوء إلى المرحلة التالية وهي بناء مصر الجديدة الحرة العزيزة المؤمنة المتقدمة القائدة، وهي مهمة لن يقوى تيار بمفرده على إنجازها مهما بلغت قوته وإمكاناته، ومن هنا ضرورة الحوار العقلاني بين كل أبناء الوطن لتحقيق هذه المهمة. لم يكن مناسبا – والحال كذلك – أن ينجرف الأخوة الصوفيون إلى معركة لاناقة لهم فيها ولاجمل، بل معركة تصادم معتقداتهم ومرجعيتهم، وهي ما أطلق عليه مليونية في حب مصر، والصحيح أنها مليونية في علمنة مصر، وهل حب مصر يحتاج إلى دليل أو إلى مليونية لإثباته أو تأكيده؟! . وحسنا فعل المجلس الأعلى للطرق الصوفية برفضه لهذه المليونية التي تستهدف الوقيعة بين أجنحة التيار الإسلامي في مصر من سلفيين وإخوان وصوفية إلخ حتى تخلو الساحة لدعاة العلمانية وسماسرة التمويل الأجنبي، وحسنا فعلت بعض الأحزاب والحركات السياسية القديمة أو الجديدة باعلان رفضها المشاركة في هذه المليونية، وحسنا فعلت التيارات السلفية بعدم لجوئها إلى التهديد بمليونية جديدة للرد على مليونية أبو العزائم. موقف المجلس الأعلى للطرق الصوفية العاقل يستحق أن ترد له التحية بأفضل منها من قبل فصائل التيار الإسلامي السلفي، وذلك عبر فتح قنوات للحوار والعمل المشترك بدلا من حالة الإحتراب والمناكفة، وصدقوني إذا حدث هذا الحوار سيكتشف الجميع أن الفوارق ليست كبيرة ، وأن الكثير من أسباب الخلاف والشقاق متوهمة ليس لها وجود على أرض الواقع، فلا السلفيين يخططون لحرق أضرحة ونبش قبور الأولياء، ولا الصوفية يعبدون هذه الأضرحة وما بداخلها من جثث الأولياء، كل ما في الأمر هو إجتهادات واختيارات فقهية من هذا الطرف أوذاك ما يلبث بعضها ان ينزوي بمجرد الحوار، شريطة أن يكون الحوار بقلوب مفتوحة لا بعقول متربصة. إن ما يجمع بين السلفيين والصوفية بالتأكيد أكثر ما يجمعهما معا مع التيارات العلمانية، فالأولون أصحاب مرجعية إسلامية والآخرون رافضون لهذه المرجعية، وبالتالي فإن اتحادا أو تعاونا بين الصوفية والسلفيين والإخوان أمر يضايقهم بلا شك، وفي المقابل فإن إحداث أي شرخ في الجبهة الإسلامية هو مكسب لهم بالتأكيد. أتوقع أن يبادر العقلاء والمعتدلون من السلفيين والصوفية إلى الدخول في حوارات موضوعية، والمشاركة في أنشطة مشتركة لخدمة الدين والوطن، ولعل معركة هوية الدولة الدائرة حاليا هي فرصة لاكتشاف هذا التوافق الإسلامي وتوسيعه، كما أن هذه الحوارات ستقطع الطريق على رؤوس الفتنة الذين يسعون بقوة للوقيعة بين هذه القوى الإسلامية، والذين يتحركون حاليا لتنظيم دورات تثقيفية وتدريبية لمنتسبي بعض الطرق الصوفية بهدف الدخول في مواجهة مع بقية فصائل التيار الإسلامي، وهي مواجهة ستضر بالوطن، وإن كانت ستفيد المتربصين. لا أريد أن تفهم دعوتي للحوار بين السلفيين والصوفية على أنها إقصاء للتيارات الليبرالية واليسارية، ولكن هي فقط دعوة للتحاور بين فصيلين مصريين فرقهما نظام مستبد على مدار عقود من الزمان، وحان الوقت للتلاقي والتفاهم بدلا من الاحتراب والدخول في معارك بالوكالة عن آخرين يقبعون خلف الستار أو يظهرون علنا، واستكمالا لدعوتي للحوار بين السلفيين والإخوان والصوفية، فإنني أدعو بصدق إلى الحوار أيضا مع عقلاء التيارات الليبرالية خصوصا الذين يؤمنون بدور الدين في الحياة، وأظن أن الحوار الجاري حاليا بين أحزاب التحالف الديمقراطي الذي يضم 28 حزبا بينها الحرية والعدالة والنوروالوفد والناصري كفيل بالتوصل إلى اتفاقات مهمة في الكثير من القضايا الخلافية وقد شهدنا بوادر هذا التوافق في البيانات التي صدرت من قبل عن هذا التحالف، والذي لن يتأثر كثيرا بخروج حزب التجمع منه، بل الأصح أن ذلك قد يزيل إحدى العقبات الأساسية أمام تقدم الحوار، ومشاركة أطراف جديدة فيه، وفي هذا الإطار فانني أدعو حزب التحرير الذي يمثل فريقا من الصوفية أن ينضم إلى هذا التحالف الديمقراطي جنبا إلى جنب مع حزب النور السلفي والحرية والعدالة الإخواني وبقية الأحزاب، حتى نشارك جميعا في صياغة مصر الجديدة بما يرضى ربنا ويرضي شعبنا.