لم يكن المواطن حمادة صابر أول مسحول للداخلية، فقد سبقه الآلاف ولعل أشهرهم الكاتب الصحفى عبد الحليم قنديل الذى تم سحله فى عهد اللواء حبيب العادلى وزير الداخلية الأسبق عندما داهمه أربعة من رجال الداخلية أثناء سيره فى الطريق إلى بيته واختطفوه فى سيارة إلى الصحراء وجردوه من ملابسه تماما، ثم انزلوه من السيارة عارياً كما ولدته أمه وتمت عملية الاختطاف بوضع عمامة على عينيه لكيلا يتعرف على مختطفيه.. والمؤلم حقاً أن هؤلاء السحلة المجرمون تركوه عارياً فى الصحراء فى منتصف الليل . ولولا أحد المارة بسيارته من أهل الخير لمات زميلنا الشجاع فزعاً ورعباً. وتصور اللواء العادلى ورجاله أن الرجل سيصمت تماماً ويتوقف عن الهجوم الاعلامى على المخلوع حسنى مبارك بعد أن تلقن درساً قاسياً فى إهدار آدميته وكرامته. ولكن خاب ظنهم جميعاً وواصل القنديل توهجه بعد هذه الحادثة المفزعة والمواجهة فى آن واحد بل أبدع فى كتابته عن فساد مبارك وأتباعه أكثر من ذى قبل تجسيداً عن المهانة الانسانية والكرامة المهدرة. والحقيقة المؤكدة أن زميلنا الكبير لم يتعر وإنما الذى تعرى حقيقة النظام البائد بأكمله الذى فقد مصداقيته وشرفه والفرق بين الكاتب عبد الحليم قنديل والمواطن حمادة صابر أن الأخير تم تصويره بالمصادفة عن طريق إحدى كاميرات القنوات الفضائية وهى قناة الحياة وكانت الواقعة علنية وأمام جميع الفضائيات بينما لم يكن شاهداً على سحل القنديل سوى المواطن المصرى الشهم الذى أنقذه فى الساعات الأخيرة من الليل فى قلب الصحراء. وسحل الثائرين والبسطاء لم يكن مقصوراً على عصر مبارك فقد حدث ذلك أيام البوليس السياسى فى عهد الأسرة الملكية السابقة وفى عصر عبد الناصر أيام السجن الحربى وحمزة البسيونى وقد ذكر ذلك كاتبنا العظيم الراحل «مصطفى أمين» فى كتابه سنة تاسعة سجن عن تعرضه للتعذيب والسحل وإطلاق الكلاب المتوحشة على المساجين فى الزنازين لاجبارهم على الاعتراف بأفعال لم يقترفوها وجرائم لم يرتكبوها. إنما كنا نأمل أن يغير الأمن أسلوبه غير الآدمى فى التعامل مع المصريين بعد ثورة 25 يناير لاننا تصورنا أننا فى مجتمع حر آدمى. ولكن يبدو أن الاساليب الوحشية عالقة فى بعض العقليات الشرطية وسارية فى دمائهم. وأن العنف مع مواطن مسالم مثل حمادة صابر ليس له أى مبرر سوى موروث مريض فى التعامل الشرطى يتعين علينا التخلص منه. والأدهى من ذلك أن الضابط والجنود الذين عروا المواطن حمادة لم تسقط عنهم حمرة الخجل بل أنهم ورؤساءهم مارسوا ضغوطاًمعنوية فى إجبار المسحول فى التراجع عما حدث معه من انتهاكات لشرفه وعرضه وجعله يكذب وأن الذى فعل به ما فعل من المتظاهرين مما جعل العامة لا يتعاطفون معه. والسحل لا يقتصر على الإيذاء البدنى فهناك سحل فكرى ومعنوى نعيشه بين الإخوان وجبهة الانقاذ مما أصاب العامة بحالة من التذبذب والتشويش: فلا يعترف من الأصوب ومن المخطئ. وأسفر هذا التشتت عن حالة من الفوضى واللامبالاة وتدليل المتظاهرين وتعطيل وسائل الانتاج وفرض إتاوات على الشركات. إن السحل الفكرى أسوأ بكثير من السحل البدنى ودليل ذلك القول الشهير « ماذا يضر الشاه سلخها بعد ذبحها»؟ فإذا سحلنا الفكر لم يعد للجسد قيمة كأنك تقتل شخصاً ميتاً فهو ميت فى كل الأحوال. ولن يضيره شىء بعد إزهاق روحه. لقد كنا نتغنى فى الماضى بان الجزائر أرض المليون شهيد وكان ذلك مصدر فخار لوطنيتهم. أما نحن فالخوف كل الخوف أن نصل إلى المليون قتيل دون ذنب أو جريرة بيدنا لا بيد عمرو بقى أن نعرف أن السحل فى اللغة العربية يعنى الشتم وساحلوا فلانا بمعنى ساروا عليه. وسحالة القوم معناها سفلتهم. ولا حول ولا قوة إلا بالله.ً