الصومال هى النموذج والمصطلح صادر عن «صندوق السلام» وهى مؤسسة عالمية غير هادفة للربح ومؤشر صندوق السلام الأخير يشير إلى أن مصر تندرج فى قائمة دول «تحت الإنذار» ويأتى ترتيبها رقم 31 على مستوى 177 دولة مقسمة إلى 4 مجموعات تدخل مصر فى المستوى الرابع والأخير للدول المرشحة لأن تقع فى وصف الفشل تبعاً لمؤشرات تبلغ 11 مؤشرا منها: حالة الأمن، واحترام حقوق الإنسان، ودرجة الفقر، وتوزيع الثروة، وعوائد التنمية، والتدخل الأجنبى فى الدولة، ومدى كفاءة أجهزة الدولة فى خدمة المواطنين. ويشير تقرير صندوق السلام إلى أن أسوأ ما فى الدولة الفاشلة أنها تزعم تحقيق نجاحات غير مرئية وفى الوقت نفسه تتعامى عن رؤية الكوارث التى تعم هذا البلد على مستوى الأمن والاقتصاد والمستوى الاجتماعى. على المستوى الأمنى يمكن أن نلاحظ فى الدولة الفاشلة الاعتصامات المتنقلة، والتى غالباً ما تؤدى الى قطع الطرقات. وتضاف إلى ذلك عمليات السلب. وعلى الرغم من تحفظنا على ما يصدر من المؤسسات الغربية فلابد أن نقرأ ونستمع لما يصدر عنها.. يقول مدير برنامج «الصراع بين الدول» فى أكاديمية كينيدى ورئيس مؤسسة السلام الدولى روبرت روتبرج إن الدول الفاشلة متوترة، وتشهد صراعا شديدا، وتخوض الفصائل المتحاربة فيها حروبا خطيرة ومريرة. وفى معظم الدول الفاشلة تحارب القوات الحكومية متمردين مسلحين. وأحيانا تواجه السلطات الرسمية فى تلك الدول أكثر من تمرد مسلح فى وقت واحد، ومجموعة من الاضطرابات المدنية، ودرجات متفاوتة من السخط الاجتماعي، وطائفة كبيرة من أشكال المعارضة الموجهة للدولة أو لجماعات داخل الدولة». احتياطى العملة ويشير روبرت أن الذى يلاحظ الحال فى مصر يجد أن إجمالى احتياطات العملات الصعبة تقل عن 15 مليار دولار امريكي، اسواق مصر المالية تنزف بغزارة خطيرة، ومصادر قوة الاقتصاد المصرى المعروفة، من سياحة واستثمارات عربية وأجنبية متوقفة، أو قد تتوقف إن استمر الحال على ما هو عليه، مع استمرار تصاعدى لما تعانيه عجلة الإنتاج منذ ثورة 25 يناير. ولفت روبرت أن مصر كانت تعانى اقتصاديا قبل الأحداث التى تعصف بها الآن، جراء تداعيات الدستور والإعلانات الدستورية ، خاصة الإعلان الأخير الصادر عن الرئيس محمد مرسى، ومصر كانت أمام تحديات كبرى لتأمين احتياجاتها جراء بطء الحوار مع الجهات الدولية، المانحة منها أو المقرضة، والأحداث الأخيرة ستلقى بظلالها على ذلك الحوار البطيء والصعب أصلا. وأضاف روبرت أنه من أجل أن تتمكن حكومة الدكتور « هشام قنديل « رئيس وزراء مصر من إدارة شئون البلاد فى مستوى الحد الأدنى، فإنه بحاجة إلى إنجاز كل الاتفاقات وتنفيذها، وتأمين وصول تلك الأموال وضخها بالسرعة الممكنة لإنقاذ اقتصاد مصر، ونحن هنا نتحدث عن أرقام تفوق ما لدى مصر من احتياطات، وإلا دخلت مصر فى مرحلة مخاطر اقتصادية أعقد بكثير مما هو متوقع. د. رباب المهدى، المستشارة السياسية لعبد المنعم أبوالفتوح عضو مركز الدراسات الاشتراكية، قالت ل «أكتوبر»: إن مصطلح الدولة العميقة كان قد أصبح الأكثر استخداما فى وصف وتحليل الدولة المصرية خلال الأشهر الأخيرة، فاستخدمه السياسيون والمهتمون بالسياسة وبعض الأكاديميين، والمصطلح الذى صك لوصف الحالة التركية فى السبعينيات خاطئ من حيث عدم انطباق مدلوله على الحالة المصرية، واستعماله بالتالى يؤدى لتوجيه الاهتمام والسياسات فى الاتجاه الخاطئ، فنصف العلاج الخاطئ لأننا لم نحسن التشخيص، إذ الحالة المصرية أقرب إلى ما يسمى فى العلوم السياسية ب «الدولة الفاشلة» منها ل«الدولة العميقة». وأوضحت المهدى أن الدولة الفاشلة لها عدة ظواهر تجعل الحالة المصرية أقرب إليها، حتى وإن لم تصل لشكلها الكلاسيكى بعد كما الحال فى الصومال مثلا - فهناك على الأقل ثلاثة عوامل تحدد قوة الدولة؛ أولا: قدرتها على «اختراق» المجتمع بمعنى بسط سيطرتها فى إدارة العلاقات الاجتماعية بين المواطنين وتواجدها القانونى والرمزى (وليس القمعى)، وهو ما يغيب تماما عن مناطق مصرية ليس فقط على الحدود ولكن حتى فى قلب العاصمة. فقبيل مظاهرات 24 أغسطس، حين أعلن الإخوان المسلمون عزمهم حماية مقارهم، وحين تكررت فى الصحف أخبار تجمع المواطنين لقتل مجرم ما فى قرية أو حى وكأنهم يستبدلون الشرطة والقضاء وسلطة تنفيذ الأحكام فى غياب كل هذه الأدوار التى من المفترض أن تؤديها الدولة، وفى حين يغيب جهاز الشرطة عن تأمين مرفق مهم كمترو الأنفاق، وتتعرض المواطنات بسبب ذلك لاعتداءات جمة، فإن الجهاز ذاته يحتجز بعض أهالى رملة بولاق كرهائن، فى غياب تمام لأدنى معايير الأمن أو الحفاظ على حقوق الإنسان. ولفتت المهدى أن قدرة الدولة على تحصيل الموارد وعلى رأسها الضرائب توضح الضعف الشديد للدولة المصرية التى على مدى شهور لم تستطع أن تطبق قانون الضريبة العقارية أو الضرائب التصاعدية وتحاول الآن أن تلجأ للبديل الأسهل وشديد الضرر وهو الاستدانة من الخارج عن طريق قرض صندوق النقد. كلام.. كلام!! عمرو عدلى مدير وحدة العدالة الاقتصادية والاجتماعية بالمبادرة المصرية لحقوق الإنسان أكد أن الكلام الذى رافق ثورة 25 يناير قد تبخر، فعقب سقوط النظام، أعلن عن خطط وإمكانية حل مشكلات مصر الاقتصادية بسهولة مشيرا أنه، لم يكن أكثر من كلام ناتج عن ارتباك المواقف، وغياب الخطط، وإحراج الانتقال دون رؤى وبرامج، من مخابئ المعارضة المطاردة، إلى قمة هرم، بل أهرامات حكم مصر كلها. وأضاف أن حكومة مصر كانت وما زالت تتفاوض على قروض ومنح وتسهيلات بقيمة 20 مليار دولار أو أكثر، سواء كان ذلك مع الاتحاد الأوروبى أو صندوق النقد الدولى أو المجموعة العربية، وبلا شك ستترك أحداث «الدستور» ظلا ثقيلا على تلك المفاوضات والحوارات، وحتما ستقلل من اندفاع المقرضين والمانحين أو تؤخرهم فى أحسن الأحوال. الفهم!! ولفت عدلى أن أحداث الأسابيع الأخيرة، وخاصة الأسبوع الأخير، أظهرت خللا خطيرا فى فهم الإخوان المسلمين المصريين لما جرى فى مصر على امتداد العامين الأخيرين، خلل يظلم فيه الإخوان أنفسهم قبل أن يظلمهم الآخرون، ومن المؤسف حقا تصرف الإخوان وحزبهم على نحو يعكس انطباعا بأنهم أخذوا الحكم بعنوة انقلاب، أو اختطفوا الحكم فى غفلة من الآخرين، مع أنهم فى الواقع أخذوا ما أخذوا بقوة القانون، وأحكام الديمقراطية، وكنتيجة لانتخابات حرة إلى حد كبير، مرة أخرى أقول، إنما أنفسهم يظلمون. وقال : «قد يكون هناك وجه آخر لهذا المشهد المضطرب، وجه قصدته حركة الإخوان المسلمين، أو لم تقصده، أن لا صوت يعلو فوق صوتهم بعد الآن، وكان ذلك إلى حد كبير واضحا منذ اللحظة الأولى لسقوط نظام الرئيس السابق حسنى مبارك، حين رفضت الحركة وذراعها «السياسى» إبطاء خطواتها قليلا من أجل أن يلتقط حلفاء الثورة أنفاسهم، ويشكلوا كياناتهم السياسية القادرة على المشاركة والمنافسة. وأوضح عدلى أن المجتمع الدولى الذى بدا غير مكترث بما يجرى فى مصر فى بداية الأحداث، مقابل استقرار إقليمى مطلوب دوليا، استفاق على ضجيج يشق عنان السماء فى مصر كلها، ليدرك أن الاستقرار الإقليمى يبقى هشا أمام غياب وانعدام الاستقرار الداخلى فى مصر، فتسارعت التحذيرات وتصاعدت، وهى تحذيرات إن أغفلها الرئيس مرسي، أو أغفلتها قيادة الحركة والحزب، فإنهم يرسمون بذلك خارطة طريق جديدة لمصر، خارطة تقود مصر، شئنا أم أبينا، إلى «الدولة الفاشلة»، و ذلك ما لا نريده جميعا. وطالب عدلى الرئيس مرسى وحزبه وحركته أن يسلكوا طريقين للخروج من الأزمة، إما التراجع من أجل مصر وشعب مصر، بوضع ورقة عمل جديدة على طاولة الحوار، ورقة توافق وطنى خاصة فى شئون الدستور الدائم، أو الاندفاع فى طريق العناد والهيمنة، وذلك يؤذى الجميع، ويعمق الانقسام، ويزيد الدم، ويعيد البلاد إلى ما قبل 25 يناير 2011، ولكن ليس قبل أن تصبح مصر دولة فاشلة.