قضايا كثيرة أثارتها المجموعة القصصية «كانافاة» للروائى الشاب أيمن علم الدين قامت بإبرازها ومناقشتها وإلقاء الضوء عليها مجموعة من النقاد والشعراء خلال الندوة التى أقيمت فى أتيليه القاهرة منذ أيام وحضرها عدد كبير من محبى فن القصة والقصيرة. يقول د. شريف الجيار أستاذ الأدب المقارن بآداب بنى سويف القاص أيمن علم الدين صوت سردى مبشر حيث إنه وهو يشكل مشروعه القصصى تجده مؤمنًا بفن القصة القصيرة ومخلصًا لهذا الفن فى عدة مجموعات قصصية، ونرى هذا فى نموذج منها وهو مجموعة «كانافاة» وهى مجموعة قصصية تحوى بين دفتيها خمس عشرة قصة تأخذ المنحى الاجتماعى الإنسانى المفعم بنبض الشارع المصرى المؤثر فى المتلقى. ثم يصدر أيمن علم الدين هذه المجموعة بتصدير يضع فيه المتلقى أمام الدلالة الكلية لنصوص المجموعة وهى اعتراف الإنسان بحتمية الموت وهى ما يعنى أن هذه الحتمية التى تحمل فى طياتها العدم ترشد المتلقى إلى محاولة الحفاظ على حياته والسعى إلى فهم هذه الحياة والارتقاء بها ونلحظ هذا الشكل أو بآخر فى قصة «كانافاة». ويرتقى الفكر الوجودى عند أيمن علم الدين فى قصة «الخادم» وهى من القصص القصيرة جدًا فى المجموعة التى تشعرنى بأن تميز هذه المجموعة يكمن فى بنية القصة القصيرة جدًا عن القصة القصيرة المعتادة، حيث يكثف السارد قضاياه بشكل فنى. كما نرى فى قصة الخادم التى تركز من خلال أسطر بسيطة على سؤال يطرحه طفل على أبيه الخادم قائلًا:(لماذا ننحنى لهذا الرجل يا أبى؟) وهو سؤال يبرز المفارقة الموجودة بين جيل مستسلم وجيل آخر يرفض الاستسلام. معلنا أن العلاقة بين الغنى والفقير من جانب وبين السلطة والشعب من جانب آخر هى علاقة إنسانية مكتافئة فى المقام الأول وبالتالى تحافظ هذه القصة على مساواة الإنسان بغيره دونما الاهتمام بالوظيفة أو المركز. ونلاحظ أن هذا السارد العليم يأخذنا فى غير موضع داخل هذه المجموعة إلى التكثيف الشديد فى بنية القصة القصيرة جدًا التى انتشرت الآن وأصبحت اتجاهًا إبداعيا فى بعض الدول العربية، خاصة فى المملكة المغربية. وهناك عدة محاولات نقدية جادة لرصد هذه الظاهرة فى هذا البلد الشقيق وأعتقد أن الظروف التى يعيشها العالم العربى ويعيشها العالم بشكل عام من سرعة إيقاعية أدت إلى انتشار هذا النوع الأدبى بمرور الوقت، لأنه يمثل رسالة اختزال مكثفة لما يحدث من أحداث سريعة متلاحقة. وساهمت أيضًا فى انتشاره تلك الثورة التكنولوجية الجديدة التى تمثل عالمًا افتراضيا موازيًا لما يحدث فى الواقع ولكن بشكل مكثف وسريع ساعد فى وجود هذا النوع الأدبى وانتشاره وهو ما يناسب طبيعة القارئ الآن الذى يحتاج إلى كبسولات إبداعية تكثّف ما يحدث فى العالم من أحداث كثيرة وسريعة. أما الشاعر والناقد محمود بطوش فيرى أن الشىء اللافت فى المبدع أيمن علم الدين أنه ظل متمسكًا بكتابة النص القصصى القصير فى توقيت يسارع فيه أغلب زملائه إلى إنتاج النص الروائى لأسباب تجارية وإعلامية، والكاتب فى مجموعته القصصية «كانافاة» نجح فى توصيل قضاياه وهمومه إلى المتلقى من خلال أسلوب بسيط ورسم شخصيات قصصه بحرفية وبتقنية عالية. حيث عبّرت القصص عن حالة الواقع المصرى عن قرب والمجموعة فى مجملها تكشف عن ذات متألمة وتستدعى كثيرا من مرحلة الطفولة ونلاحظ أن السرد لدى الكاتب يتميز بالحيادية والتعبير عن الحالة النفسية المضطربة للمجتمع وقد أجاد الكاتب بناء القصة القصيرة جدًا من خلال عدة سطور وهذا ما يؤكد قدرته على التكيف واقتناص اللحظة القصصية والمجموعة بشكل عام تعيد طرح الأسئلة الوجودة القديمة عن الإنسان ودوره وحياته ورحيله إذ يعد الموت ملمحًا مهما من ملامح قصص المجموعة. ويكشف الشاعر عادل جلال إصرار أيمن على وجوده فى عالم القصة القصيرة من خلال ثلاث مجموعات قدمها لنا هى ميزة مضافة فى ظل وجود قلة من المبدعين والمخلصين لفن القصة القصيرة مع هيمنة الرواية الطويلة على الإنتاج الأدبى من خلال الدعاية والإداء بجملة «إنه زمن الرواية» وهو ادعاء أثبتت التجربة والإبداع زيفه. يأتى إبداع أيمن فى القصة القصيرة ومنها مجموعة «كانافاة» وأكدتها مجموعته «العاشق» لتؤكد أننا أمام قاص موهوب يمتلك أدواته القصصية وفنيات عالية وتكنيكات متنوعة سواء كانت فى التعامل مع السرد أو الرؤية القصصية للعالم سواء كانت فى زمن لا يتجاوز ثلاث دقائق أو زمن يصل إلى 60 عامًا كما فى «جنة ونار» وهى إحدى قصص المجموعة من خلال هذا العالم القصصى لمجموعة «كانافاة» نكتشف أننا أمام سارد يحفل بالعنف فى أفكار قصصه على الرغم من اللغة الهادئة التى استخدمها وعلى الرغم أيضًا من شخصيته الهادئة جدًا والتى تدعوك للاندهاش بشدة عندما تقرأ هذه المجموعة وترى أن هذه الشخصية الهادئة لم تر أو تلتقط من الواقع إلا الأحداث المليئة بالعنف والحزن والخداع.