الفريق أسامة عسكر يشهد تنفيذ البيان العملي لإجراءات التأمين التخصصي بالجيش الثالث    القباج وجندي تناقشان آلية إنشاء صندوق «حماية وتأمين المصريين بالخارج»    رئيس جامعة الأزهر يبحث مع وزير الشئون الدينية الصيني سبل التعاون العلمي    رئيس هيئة الدواء يستقبل وزير الصحة الناميبي    للمرة الثانية... BMW تقدم تجدد الفئة الثالثة    يجب قول الحقيقة للجمهور.. الكارثة التى ستحل بنا إذا فتحنا حربا فى الشمال    التشيك: فتح تحقيق بعد مقتل 4 أشخاص وإصابة 27 جراء تصادم قطارين    رضا عبدالعال يكشف ل"مصراوي" مفاتيح تألق صلاح أمام بوركينا فاسو    استبعاد ماجواير وجريليش.. قائمة إنجلترا النهائية لبطولة أمم أوروبا 2024    ظهور نتيجة الشهادة الإعدادية محافظة القليوبية 2024 الترم الثاني    إسعاف الفيوم توفر 81 سيارة بالمناطق السياحية خلال أيام عيد الأضحى    5 جثث و18 مصابا في حادث مروع بالعياط    مفاجأة في تقرير الطب النفسي عن سفاح التجمع    أستاذ علم نفس تربوي يوجه نصائح قبل امتحانات الثانوية العامة ويحذر من السوشيال ميديا    "المسلسل يشبهنا بشكل كبير".. صُناع "الوصفة السحرية" يكشفون كواليس كتابة العمل    5 أبراج فلكية تعشق تربية الحيوانات الأليفة (تعرف عليهم)    بالفيديو.. هاني تمام: لا تجوز الأضحية من مال الزكاة على الإطلاق    موعد صيام العشر من ذي الحجة 2024.. حكمهما وفضلهما والأدعية المستحبة (التفاصيل كاملة)    رئيس "الرقابة الصحية": الابتكار والبحث العلمي ركيزتان أساسيتان لتطوير الرعاية الطبية    اعتماد مخططات مدينتى أجا والجمالية بالدقهلية    الفريق أول محمد زكى يلتقى منسق مجلس الأمن القومى الأمريكى    أشرف زكي محذرًا الشباب: نقابة المهن التمثيلية لا تعترف ب ورش التمثيل    فصائل فلسطينية: استهدفنا مبنى يتحصن به عدد من جنود الاحتلال وأوقعناهم قتلى وجرحى    نقيب معلمي الإسماعيلية يناقش مع البحيري الملفات التي تهم المدرسين    رئيس هيئة الدواء يستقبل وزير الصحة الناميبى    على من يكون الحج فريضة كما أمرنا الدين؟    البنك الأهلي يطلق حملة ترويجية لاستقبال الحوالات الخارجية على بطاقة ميزة    غرامة تصل إلى 10 ملايين جنيه في قانون الملكية الفكرية.. تعرف عليها    ياسمين رئيس بطلة الجزء الثاني ل مسلسل صوت وصورة بدلًا من حنان مطاوع    ماذا قال الشيخ الشعراوي عن العشر من ذي الحجة؟.. «اكتمل فيها الإسلام»    لاعب الإسماعيلي: هناك مفاوضات من سالزبورج للتعاقد معي وأحلم بالاحتراف    هيئة الدواء تستعرض تجربتها الرائدة في مجال النشرات الإلكترونية    "أوهمت ضحاياها باستثمار أموالهم".. حبس المتهمة بالنصب والاحتيال في القاهرة    " ثقافة سوهاج" يناقش تعزيز الهوية في الجمهورية الجديدة    سوسن بدر تكشف أحداث مسلسل «أم الدنيا» الحلقة 1 و 2    "مكنتش مصدق".. إبراهيم سعيد يكشف حقيقة طرده من النادي الأهلي وما فعله الأمن (فيديو)    وزير الخارجية يلتقى منسق البيت الأبيض لشئون الشرق الأوسط وشمال أفريقيا    تكبيرات عيد الأضحى 2024.. وطقوس ليلة العيد    لوكاكو: الأندية الأوروبية تعلم أن السعودية قادمة.. المزيد يرغبون في اللعب هناك    نمو الناتج الصناعي الإسباني بواقع 0.8% في أبريل    مستعد لدعم الجزء الرابع.. تركي آل الشيخ يوجه رسالة للقائمين على فريق عمل فيلم "ولاد رزق"    ضبط عاطل هتك عرض طفل بالقوة في الهرم    فحص 889 حالة خلال قافلة طبية بقرية الفرجاني بمركز بني مزار في المنيا    عضو بالبرلمان.. من هو وزير الزراعة في تشكيل الحكومة الجديد؟    إسبانيا تبدي رغبتها في الانضمام لدعوى جنوب إفريقيا ضد إسرائيل أمام «العدل الدولية»    أبوالغيط يتسلم أوراق اعتماد مندوب الصومال الجديد لدى جامعة الدول العربية    رئيس وزراء الهند للسيسي: نتطلع للعمل معكم لتحقيق مستويات غير مسبوقة في العلاقات    زغلول صيام يكتب: عندما نصنع من «الحبة قبة» في لقاء مصر وبوركينا فاسو!    «التخطيط»: ارتفاع حجم التجارة بين مصر و«بريكس+» إلى 25 مليار دولار    رئيس الوفد فى ذكرى دخول العائلة المقدسة: مصر مهبط الديانات    كيفية تنظيف مكيف الهواء في المنزل لضمان أداء فعّال وصحة أفضل    وزيرة الثقافة تشهد الاحتفال باليوم العالمي للبيئة في قصر الأمير طاز    توزيع درجات منهج الفيزياء للصف الثالث الثانوي 2024.. إليك أسئلة مهمة    البرلمان العربي: مسيرات الأعلام واقتحام المسجد الأقصى اعتداء سافر على الوضع التاريخي لمدينة القدس    نائب رئيس هيئة المجتمعات العمرانية يتابع سير العمل بمشروعات مدينة أخميم الجديدة    هشام عبد الرسول: أتمنى تواجد منتخب مصر في مونديال 2026    مصر تتعاون مع مدغشقر في مجال الصناعات الدوائية.. و«الصحة»: نسعى لتبادل الخبرات    ملخص أخبار الرياضة اليوم.. أولى صفقات الزمالك وحسام حسن ينفي خلافه مع نجم الأهلي وكونتي مدربًا ل نابولي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الرؤية والعالم القصصيان عند كرم صابر
نشر في المشهد يوم 24 - 10 - 2011

كرم صابر أديب ومحام، عمل في بداية حياته في حرف ومهن كثيرة بورش الطوب، البيارات، وجمع المحاصيل. كما امتهن صناعة المحاريث والسواقي بمصانع الريف. بدأ عمله كمحام عام 1989، وبعد ذلك التاريخ بثمان سنوات، أي عام 1996، أسس "مركز الأرض لحقوق الإنسان" بالقاهرة.
أما بالنسبة للكتابة الأدبية فقد ولج إليها من بوابة السرد، الفن الذي يعيد تشكيل الحياة، حيث نشر خمس مجموعات قصصية هي: "غرفة الإنعاش، الألوان تبحث عن غرفة، الدنيا بتمطر، الحب والأذى، والفارس المهزوم"، فيما أصدر رواية واحدة بعنوان "الضريح".
والمتابع والقارئ لكتابات كرم صابر سيكتشف امتلاكها لرؤية فكرية محددة، تتبنى فهما وشكلا معينا للكتابة الإبداعية. وتستند هذه الرؤية على صياغة القضايا والمشكلات الفلسفية، والأيديولوجيات، من خلال المهمشين اجتماعيا، وسياسيا، ونفسيا أيضا.
هذه النتيجة هي التي دفعتنا في البداية لسرد خطوط مسيرة القاص والروائي، ومن ثم نؤكد انطلاقنا في قراءتنا لإنتاجه القصصي، لتحديد سمات ومعالم العالم القصصي في المجموعتين الأخيرتين "الدنيا بتمطر" و"الفارس المهزوم."
في "الدنيا بتمطر"، مثلما تتنوع جغرافية الأماكن التي تدور فيها أحداث وقصص المجموعة بين ريفية ومدنية، كذلك تتنوع الطبقات الاجتماعية للشخوص بين الطبقات المتوسطة والطبقات الدنيا، من زاوية رؤية مغايرة في كثير من المواضعات السردية المرتبطة بالإنسان وبالحياة، باعتبار الأول فاعلا، والأخرى نشاطا وعناءً، في عملية استحالة هؤلاء المهمشين إلى أبطال قصصيين.
تتناول قصة "سيدة" علاقة حب "عنيفة" بين بلطجي، يمارس سطوته على "خلق الله" وبين امرأة لا تحتمل عيون الناس بياض قلبها. "سيدة" امرأة عاشقة، تعلم منذ البداية نهاية شريكها "حمو" الذي يلقى حتفه في إحدى المشاجرات. ويتكئ السارد على العبارات الرومانتيكية؛ فضلا عن النهاية القديمة التي جاءت على غرار أفلام السينما المصرية في أول عهدها، وتمثلت في رحيل "سيدة" عصر اليوم التالي لموت "حمو".
وفي قصة "البهجة المفقودة" يطور السارد لغته، ويعمق خياله، ويعقد من أدواته الفنية؛ ليقدم أنموذجا مثاليا، ليس على المستوى الأخلاقي وإنما على المستوى القصصي. وتعد شخصية "الخال فهمي" مثالا أنموذجيا؛ حيث يمكن للقارئ التعايش معها، ويجد فرصا أكبر للتماهي، ومساحات أوسع للتقاطع والتحاور، ما يسمح بإمكانية أفضل لإحساس المتلقي بلذة القص.
وبالتنوع في مستويات الخطاب يقدم السارد مراجعة لإحدى ذوات وشخوص المجموعة في قصة حملت "الاعتذار" عنوانا لها؛ وتعتمد القصة في خطابها السردي على مستويين، أولهما خطاب بصيغة المخاطَب، والآخر بصيغة المخاطِب. وتراجع الذات الساردة ثلاثة مشاهد من حياة الشخصية القصصية التي اتخذت من ظلم الآخرين هدفا.
أما قصة "الضياع" فيستقي السارد فكرتها من عمليات تحول قادة السياسة المصرية من تيار سياسي لآخر، وإن عدل السارد هذا المسار نحو التحول من تيار نضالي ومعارض "راديكالي" إلى الاتجار ببرامج الكومبيوتر والفضائيات. التحول من الدفاع عن مطالب البسطاء والفقراء والمقهورين إلى "أراجوز" فضائي، أراجوز ديجتال يسلي الناس، ويضحكهم، ولا مانع أن يزيف وعيهم طبقا للمفهوم الماركسي.
وعلى المستوى الفني يحاول السارد، بعد اكتشاف هذا التحول، أن يتمسك بالماضي في صورته النقية، إلا أن المناضل، سابقا، يلتف على محاولات السارد ويتحايل عليها، لتأتي النهاية علامة دالة على استمرارية الصمت المؤدي إلى الضياع.
"حاولت أن أذكره بملامح الجمهور المنفعلة، التي أسرها بنبرة صوته بعد أن صدقت أن بإمكانها تحطيم الجدران، والفوز بالحرية، لكنه نظر إليّ في صمت وتركني."
طوال صفحات المجموعة، يتسم الخطاب السردي بسيطرة ظاهرة الاستفهام، وإلقاء التساؤلات واحدا تلو الآخر، ما دفع بالذوات الساردة إلى الإجابة دفعة واحدة، وهو ما جعل تقنية التفصيل بعد الإجمال تسيطر على قصص المجموعة، ليكشف السارد من خلالها على ما يسمى "عقدة النص" ويفضح ما خفي عن القارئ الشغوف بتفاصيل أكثر عمقا.
كرم صابر أصدر في سنوات قليلة، خمس مجموعات قصصية، وتشير قائمة "تحت الطبع" إلى العديد من المجموعات والروايات التي لم تر النور، ويُبرر ذلك بالكتابة دون الدفع إلى النشر منذ منتصف الثمانينيات تقريبا. وكان الأمر يتطلب من صابر السعي الحثيث نحو مراجعة النصوص، وتكثيفها، والتعامل معها بقسوة، فلا يُبقي زائدة لا حاجة فنية لها، والتخلص من فكرة المقدمات الطويلة والدخول في عملية السرد مباشرة. وهو ما نراه قد تحقق بنسبة كبيرة في المجموعة التالية "الفارس المهزوم".
وتكمن مركزية القصة القصيرة في أنها شكل أدبي قادر على طرح أعقد الرؤى للعالم، ومناقشة القضايا المتنوعة بين الذاتية والاجتماعية والفلسفية والنفسية، كل ذلك من خلال الصراع الذي ينتجه الحدث اعتمادا على لغة مكثفة، وتركيز فني وتخيل متقن يحكمه منطق ما.
ففي " الفارس المهزوم" تعامل السارد مع الشخوص باعتبارهم لحما ودما، لا باعتبارهم كائنات ورقية فحسب، ما سمح للقارئ بالتماهي مع الشخوص، والتحاور معها، وإقامة علاقات اتفاق أو اختلاف. وبما أن السرد، كما يقول أندريه جاك، هو تغيير حالة يحدثه شخص ما، فإن السارد / الشخص المعني بالأمر، قام في قصة "لحظة" بتغيير مسار الشخوص؛ حيث ذهب الصديقان كل في طريقه، ثم التقيا مرة أخرى بعد سنوات عدة، ليكتشف "حافظ" التغير الكبير الذي أصاب صديقه، وأصاب طبقة بأكملها، ليتوه حينئذ عن نفسه، أو على الأقل يتساءل عما حدث، ثم يقرر نزوله إلى الشارع باحثا عن ذاته القديمة.
وفي قصة "المخادع" تفرط الشخصية الرئيسية في الاهتمام بالأقنعة التي ترتديها طوال الوقت، ويسعى البطل محاولا خداع أصدقائه، زملائه، جيرانه، بل أسرته أيضا، ثم تأتي المفارقة، ليكتشف في النهاية أن جاره غير مهتم بمعرفة تفاصيل الوجه الذي بذل الجهد والوقت في ارتدائه، وأن المهتم الوحيد هو صاحب الأقنعة.
في نص "الفارس المهزوم" يلقي السارد عدة أسئلة منها السؤال الذي يتكرر أكثر من مرة "بمن"، ليحل التغيير وتأتي الإجابة عن الأمل لا هوية صاحب الصورة.
وفي نص "الرهينة" تتغير اللغة، أو بعبارة أدق، تنحو نحو الشعرية بشكل أوضح، بعبارات أكثر امتلاءً بالطاقة الشعرية كأن يقول السارد "كانت امرأة تأخذ الأسفلت مني وتهرب من شرياني، وتبلل حلقي الجاف بعيونها" أو "حين أبلل عناقيد العنب تخطفين الوردة، وحين أهددك بالماضي البعيد تأخذين قيودي وتهربين".
ولا مانع أن تتضافر هذه اللغة مع مستوى لغوي يتكئ على المفردات الريفية، "هل تتذكرين الحمار الدكر حين يهرب بالليل مع العصافير وينام وحيدا بالجرن، والجاموسة "النطاحة" التي لم تكن تلين إلا لك وحدك، هل تتذكرين قلوب العذارى وانهيار الأفئدة واغتراب الفجر؟" ولا يكتف السارد بالتغير اللغوي وإنما يمتد إلى الشخصية النسائية لتقرر الرحيل، لتبدأ رحلة بحث عن ذات مفقودة، بعدما أدركت أنها ليست المرأة التي يقوم السارد بالحكي عنها.
يقول كروتشه " لو لم ينفصل الإنسان عن ذاته فلن يكون قادرا على كتابتها"، وكرم صابر حافظ على مسافة بينه وبين ذاته، مستفيدا من تجاربه الشخصية ومن أدواته الفنية التي يعمل جاهدا على تطويرها، وعلى لغته التي يصر على تنوعها من نص لآخر، ومن مجموعة قصصية لأخرى، مؤكدا على قدرته على انتقاء وخلق شخوصه القصصية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.