رغم كل الأسباب المنطقية التى ساقتها الحكومة تبريراً لما اتخذته من قرار إغلاق المحال التجارية فى القاهرة والإسكندرية وسائر محافظات الجمهورية فإنه قد غاب عنها العواقب التى يحدثها هذا القرار ويأتى فى مقدمتها مضاعفة الكساد الذى تعانيه السوق التجارية هذه الأيام من جراء التحولات التى اكتنفت هذه السوق عقب الثورة ومازالت تداعياتها مستمرة رغم مرور أكثر من عامين على اندلاعها.. فضلا عن أن هذا القرار قد أغفل مصدروه ما سوف يحدث من تداعيات تطبيقه دون دراسة مستوفاه لآثار هذه التداعيات ومنها الجانب الأمنى حيث سوف يعم الظلام معظم الشوارع التجارية والتى يقع أغلبها فى وسط المدن بما سوف يتيح لبعض المارقين قانونيا من بسط سطوتهم الإجرامية حيث يهيئ لهم هذا الإظلام فرصة لممارسة نشاطاتهم المرفوضة..ناهيك عن الاستغلال السيئ الذى سوف يمارسه الباعة الجائلون مستغلين غيبة المحال المرخصة والتى تعمل بموجب قوانين صارمة تمكن محاسبة المخالفين منهم وفق هذه القوانين، أما هؤلاء الباعة فلا ضابط ولا رابط يردعهم إذا ما بسطوا نفوذهم بعيداً عن أية محاسبة.. وقد لا تقتصر المخالفات على من يمارس نشاطا تجاريا ولكن قد تنسحب لفئات أخرى سوف تجد ضالتها لممارسات أكثر إجراما وانفلاتا ولنا النماذج الواضحة من خلال صفحات الحوادث حيث الجرائم البشعة فى وضح النهار كالسرقة بالإكراه وحوادث الاغتصاب والاختطاف مقابل فدية وغيرها كثيرا سوف تنتظر إذا ما عم الظلام الأسواق التجارية فى الشوارع الكبرى وأواسط المدن المزدحمة وخاصة الكبرى منها كالقاهرة والإسكندرية والذى يتجاوز تعدادها ثلاثين مليون نسمة.. ورغم كل هذه التحفظات فقد اتخذت قرارات الإغلاق سريعا دون دراسة متأنية تضع فى الحسبان ما يمكن أن يحدث من عواقب سلبية نحن فى غنى عنها وتفوق الهدف الأساسى من هذه القرارات وهو توفير الطاقة الكهربائية.. وإذا كنا هنا نقر بأهمية توفير الطاقة ولكن الاختلاف يأتى فى الأسلوب الذى اتبع بشكل عشوائى متسرع.. والذى يؤكد ذلك هو التراجع الذى تجلى فى إرجاء التنفيذ إلى أوائل ديسمبر مع بعض التعديلات فى مواعيد الإغلاق ولكن المشكلة تبقى فاعلة بسلبياتها التى يجب أن يتخذ بشأنها بحث جاد حول تداعياتها التى تؤثر تأثيرا كبيرا على أمن المجتمع واستقراره. ??? من الأمور التى استوقفتنا بشكل لافت ما يحدث الآن من مساجلات بين القوى السياسية حول صياغة مواد الدستور الجديد وكأن هذا الدستور أصبح كعكة شهية لكل هذه القوى التى يحرص كل منها على أن يستحوذ لنفسه قطعة منها مما أحدث لبسا لدى الجماهير خاصة وأنها لم تألف مثل هذه الاختلافات فى صياغة الدساتير السابقة وما طرأ عليها جميعا من تعديلات حيث كانت تقوم بكل هذا لجان يشكلها رئيس الجمهورية دون أن يعلم الجمهور بمجريات عملها دون حتى أن يؤخذ رأيه فى مواد هذا الدستور وربما كانت هذه اللجان تؤلف من المختصين فى القانون الدستورى ولدينا منهم فقهاء عظام شاركوا بفعالية مشرفة فى صياغة دساتير كثير من الدول العربية وغير العربية بما يشهد بخبرتنا المشهودة فى هذا المجال.. ومن المؤكد أننا لا نشك لحظة فى أن مثل هذه الاختلافات ودوائر النقاش حول مواد الدستور الجديد هى إثراء لها واتقاء بما قد يصيبها من عوار قانونى يجعل التعديل واردا لتدخل مرة أخرى فى خلاف لا طائل من ورائه سوى تعطيل العمل بهذا الدستور وما يترتب عليه من آثار قد تصل إلى إنشاء دستور جديد آخر.. وقد تكون هذه التساؤلات المثارة تنطلق من أرضية قومية مخلصة ولكن بعضها - على الأقل - يأتى من باب المعاندة السياسية التى تغفل المصلحة الوطنية العليا وقد تستهدف تعويق المسيرة الديمقراطية المأمولة تحت وطأة الصراع السياسى بين سائر القوى السياسية التى تختلف عقائديا مع التيارات الإسلامية التى تربع أحدها على مقعد القيادة السياسية للوطن وفق انتخابات شهد العالم أجمع بنزاهتها فى سابقة نادرة فى تاريخنا المصرى المعاصر.. ومن هنا يجب أن نعلى مصلحة الوطن على أى مكاسب سياسية يكون من شأنها إحداث فراغ دستورى تكون نتيجته سلبية لكل هذه القوى بلا أى استثناء وبذلك سوف تكون الخاسرة هى مصر التى تاهت على كل دول العالم بثورتها الرائعة التى أثمرت عهدا جديدا يتيح لكل الشعب المصرى فرصة متساوية فى خدمة الوطن والمواطن فى مصر.. ??? من المناصب الرفيعة التى تحظى لدى الشعب المصرى بكل الإجلال والتوقير هو منصب النائب العام وهو كما يتضح من تسميته فإن مهمته الأساسية أن ينوب عن كل الشعب المصرى فى الحفاظ على حقوقه كاملة محققا بذلك العدل الذى هو أساس المُلك.. ووفق هذه المهمة الجليلة أصبح هذا المنصب المهم يحاط بهالة من الاحترام والتبجيل ومن الطبيعى أن تنسحب هذه المكانة الموقرة على من يشغله ولهذا فقد حرص شاغلوه عبر التاريخ المصرى المعاصر على ممارسة عملهم بعيدا عن أى نشاط آخر قد يخل بالأداء المنشود والذى ينتظره المصريون ضمانا لتحقيق ما يأملونه من عدل يشمل الجميع بلا تفرقة ويصون ما كفله لهم القانون من حقوق وما أقره عليهم أيضا من واجبات.. ولذلك فلم نر نائبا عاما يعمل بالسياسة أو يظهر فى محفل عام كمباراة لكرة قدم مثلا أو يظهر على قناة تليفزيونية مبديا رأيه فى شأن عام أو ندوة عامة يتخذ خلالها موقفا معينا فى قضية ضد أو مع فرد أو جماعة أو حزب أو أى تنظيم مماثل آخر حتى النوادى العامة لم يكن يظهر النائب العام وإن كان هذا حقه كمواطن بعيدا عن قيود المنصب إلا أن ذلك لم يحدث إحقاقا لما يتمتع به هذا المنصب من خصوصية متفردة تتعلق بمصائر المواطنين التى قد تستوجب الحيادية المطلقة.. وهكذا كان النائب العام.. ودون أن نبخث هذا المقعد (الوقور) حقه الطبيعى بما يجب أن يحظى به من اعتبار واجب إلا أن التحولات التى أحدثتها ثورة يناير انبثقت عنها معايير جديدة لم نعهدها من قبل، منها الإيجابى ومنها السلبى وكلاهما يحتاج إلى ضوابط صارمة تقينا العواقب الوخيمة التى قد تأخذنا بعيدا عن تحقيق أهداف هذه الثورة العظيمة ومن ضمن هذه التحولات إقحام الجهات القضائية قسرا فى المعترك السياسى وهذا بالطبع خطأ جسيم تتعاظم تداعياته المرفوضة والتى تنال بالقطع من الوصف الأشهر للعدالة بأنها معصوبة العينين.. بل هى بذلك تكون مرتدية نظارة سوداء قاتمة ترى الأشياء مطموسة المعالم بما يهدد نزاهة العدل وحياديته وهذا أمر جد خطير.. ولم يكن هذا المنصب الرفيع محل انتقاد من جمهور المواطنين قناعة منهم بقدسيته وثقة فيمن يشغله بأنه الأمين على تحقيق العدالة المنشودة وقد طفت مؤخراً على الأحداث الواقعة فى الشارع السياسى المصرى مؤشرات سلبية قد خرقت ما كان لهذا المنصب من توقير واجب.. أعتقد جازما أن حدوث مثل هذه المؤشرات قد خرقت ما أرسى من تقاليد حيال هذا المقعد الوقور عبر عقود كثيرة مضت، والسر وراء ذلك التحول الخطير هو أن النائب العام لم يعد بمنأى عن العمل السياسى وخاصة فيما يتعلق بالملف القضائى فى مواد الدستور الجديد المزمع الانتهاء منه خلال أيام قليلة. وقد كان الدستور يصاغ بعيدا عن إبداء الآراء فيما سبق، أما اليوم فقد أتيح لسائر المواطنين وليس هذا فقط ولكن أصبح لديهم حق الاعتراض وإن كان ذلك مظهراً ديمقراطياً مستحدثاً إلا أنه يحتاج إلى ضوابط تنظيمية تحول دون أن يكون سببا فى تعطيل إصدار هذا الدستور فى موعده المحدد فضلا عن سوء استغلال حق الاعتراض لتصفية حسابات سياسية وبما يؤكد أن الديمقراطية إذا ما فقدت ضوابطها تصبح عشوائية مدمرة.